أحداث شغب وعنصرية: قلق دنماركي من انتشار التحريض

أحداث شغب وعنصرية وحملات على مواقع التواصل: قلق دنماركي من انتشار التحريض

16 ابريل 2019
من أحداث الشغب في نوربرو اليوم (ماتياس أويجندال/فرانس برس)
+ الخط -

انشغلت وسائل الإعلام الدنماركيّة منذ الأحد الماضي وحتى اليوم الثلاثاء بأحداث شغب وحرائق شهدتها منطقة نوبرو في كوبنهاغن، إلى جانب ضواحٍ أخرى، إثر قيام رئيس حزب "سترام كورس"، راسموس بالودان، بتظاهرة مستفزّة يوم الأحد، و"استغلال ناطقين بالعربية للأحداث".

وأراد بالودان رمي القرآن في الهواء، في منطقة يغلب عليها سكن مهاجرين وجماعات يسارية معادية للفاشية.

وقدّمت صحيفة "بيرلنغسكا"، اليوم الثلاثاء، عرضاً لما سمّته "استعراضاً مؤججاً على وسائل التواصل الاجتماعي لرسم صورة مغايرة لما جرى في كوبنهاغن".

وما أثارته وسائل الإعلام، ومن بينها بيرلنغسكا، أنه "رغم عدم مكوث رئيس الحزب راسموس بالودان أكثر من 10 دقائق في المنطقة وانسحابه بحماية الشرطة، إلا أن الشغب توسع في مناطق العاصمة لمدة 12 ساعة وأدى حتى الآن إلى اعتقال 23 شخصاً وإشعال 70 حريقاً وحرق 30 سيارة ومركبة. وللمرة الأولى، تفرض الشرطة عقوبة مزدوجة للسيطرة على الأحداث".

وأكدت الصحيفة أنّ "الشرطة لم تتعرض فقط لرمي الحجارة والمفرقعات على أرض الواقع، بل امتد الهجوم عليها إلى وسائل التواصل الاجتماعي. ومن بين ما يمكن ملاحظته أن شخصاً يقوم بالتصوير ويعلق بالعربية (ويبدو من الجملة التي قالها بالدنماركية أنه حديث العهد بالإقامة في البلد) أن "الشرطة الدنماركية العنصرية" تقوم بإطلاق النار على المسلمين لحماية شخص عنصري خنزير قام بحرق القرآن في الدنمارك".

ونشرت الصحيفة ذلك الفيديو إضافة إلى أشرطة أخرى، مؤكدةً أنه "لم يجرِ إطلاق طلقة نار واحدة، ورغم ذلك لم يتوقف انتشار الشريط على واتساب والذي يدعي أصحابه أن الشرطة أطلقت النار على المسلمين، هذا بالإضافة إلى انتشار أشرطة أخرى على سناب شات وغيرها من وسائل التواصل وهو بالتأكيد لم يساهم في تخفيف انتشار الشغب".

اهتمت الصحيفة الدنماركية بالبحث عن تأثير انتشار الادعاءات على مستوى الشغب، "إذ يصعب القول كم أثرت أشرطة الفيديو، ولكن يمكن القول إنها تشبه الفيديوهات التي انتشرت من متشددين إسلاميين في بريطانيا والتي تستخدم عادة لمواجهة اليمين المتشدد، وهذا بكل أسف سنراه ينتشر أكثر مستقبلا"، بحسب ما أكده للصحيفة الباحث في "قضايا الجهاد"، تور هامينغ، من الجامعة الأوروبية والباحث الزائر في معهد دراسات الشرق الأوسط في واشنطن.

ويعمل هذا الباحث الدنماركي على مراقبة استخدامات "الإسلاميين" لوسائل التواصل الاجتماعي وفقاً للصحيفة. وأكد في حديثه لها أن "الفيديوهات تهدف أساساً لحشد المؤيدين لتحديد من هو العدو، وفي هذه الحالة تبدو التعبئة ضد الشرطة الدنماركية".

وندد معظم المشرعين والأحزاب الدنماركية، بمن فيهم رئيس الوزراء، لارس لوكا راسموسن، بالتصرفات المستفزة لرئيس الحزب المتشدد، بالودان، ووصف وزير العدل تحركاته في مختلف المدن الدنماركية بأنها عبارة عن سيرك متنقل، بمعنى أنه ليس أكثر من مهرج.

إلا أن الصحافة الدنماركية اهتمت اليوم بالتبعات الإعلامية. ففي منطقة نوربرو، وغيرها من ضواحي كوبنهاغن، ظهر بعض الشبان وهم يصورون الحدث بطريقة مختلفة، كقيام أحدهم باستعراض قميص يرتديه وعليه شعار تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو يصر على تكرار سؤال الشرطة "هل تعرفون ما هذا العلم؟ هل تعرفون ما هذا العلم؟"؛ فما كان من شرطي إلا أن دفعه بعيداً. وظهر الشاب الملتحي يبتسم في مقطع آخر ويقول: "هذه حرية تعبير حبيبي، أليست لدينا حرية تعبير؟".

ولم تغفل صحيفة "بيرلنغكسا" أيضاً حرب الفيديوهات التي يقوم بها بالودان، في تصوير مرافقيه تحركاته ضد المسلمين، بحماية الأجهزة الأمنية التي كلفت الحكومة حتى اليوم 24 مليون كرونه، ما أثار حنق الكثيرين في البلد، وخصوصاً استعراضه برمي القرآن في الهواء أثناء تصوير نائبه، روني هوكانسون لتصرفاته، من أجل نشرها على الموقع الرسمي للحزب وعلى يوتيوب.

وأكد الباحث في مجال الدعاية الجهادية، تور هامينغ، أن "هذه النوعية من الفيديوهات تستخدم لاستعراض إسلاموي للإبلاغ عن أن حرباً كونية تجري ضد الإسلام، وأن المسلمين مضطرون إلى حمل السلاح. وهو نوع من النداءات إلى أولئك الذين يؤمنون بأن المسلمين في الغرب هم مواطنون من الدرجة الثانية، وهي محاولة لتعبئتهم".

ومن ناحيته، اعتبر عضو البرلمان عن حزب المحافظين، ناصر خضر، أن أعمال الشغب تعيد "الأوقات المزعجة أثناء أزمة (النبي) محمد (عن الرسوم الكاريكاتورية)". ورأى خضر أن هذه الفيديوهات تود القول "إن الشرطة تحمي العنصريين، فالشخص الذي يقول في الفيديو إنها تحمي خنزيرا عنصريا وإنها تلقي قنابل وتطلق النار على المسلمين في الدنمارك هو مجرد كذاب كبير، بمعنى أنه يقول إن الشرطة تقف إلى جانب (رئيس الحزب راسموس) بالودان، وهذا في الواقع غير صحيح ومقلق جدا جدا حين ينتشر الفيديو في العالم العربي".


من جانبه، عبّر حزب الشعب الدنماركي (يمين متشدد)، عن "الصدمة من انتشار هذه الفيديوهات؛ فليس فقط أن المصورين يحمّسون على القلاقل وينشرون الخوف، ويعبر بعضهم عن تعاطفه مع داعش ويرتدي أحدهم علمه، بل إنها فيديوهات تؤكد أهمية طرد العديدين من المجرمين والمتشددين من الأجانب"، بحسب ما ذكره مسؤول المجموعة البرلمانية عن الحزب، بيتر سكوروب، والذي ندد سابقاً باستفزازات بالودان.

ولم تتأخر مقررة الشؤون القضائية عن يسار الوسط، الاجتماعي الديمقراطي، ترينا برامسن، عن اعتبار الفيديوهات وأعمال الشغب مدخلاً لضرورة مراجعة ما إذا كان من الجيد إلغاء البرلمان لقانون المحاسبة على التجديف، الذي يرى كثيرون أن حزب "تشديد الاتجاه" يستغل الإلغاء لمزيد من الاستفزازات.

واعتبرت برامسن أنه "مؤسف أن ترى التطرف على الجانبين ينشران البروباغندا ويستخدمانها كأداة لتعميم فظيع لاتهام مجموعات بشرية بأكملها، وهو بطريقة ما تذهب إليه فيديوهات الطرفين وهي صورة سيئة جداً عن الدنمارك حول العالم".​

يُذكر أن الشرطة الدنماركية حظرت، اليوم الثلاثاء، على رئيس الحزب المتشدد إقامة مظاهرة أخرى مستفزة في منطقة بلوغوردسبلاس في نوربرو. ودفعت بمزيد من تعزيزاتها بعد أن استمرت القلاقل والاحتجاجات من شبان مجموعات يسارية دنماركية، وأغلقت المنطقة بعد العثور على "لفة مثيرة للاشتباه"، عُرف لاحقاً أنّها قنبلة يدوية.