أزمة الصحافة الورقية تصل إلى السعودية

أزمة الصحافة الورقية تصل إلى السعودية

31 اغسطس 2016
وصلت الأزمة المالية إلى الصحف السعودية (Getty)
+ الخط -
يدور نقاش مستمر في أروقة الصحف السعودية حول خطط مواجهة العجز المالي، وجدوى النسخ الورقية والعائد منها، سواء على مستوى الأرباح أو اهتمام القُرّاء. لم تعد هذه المخاوف لدى بعض المؤسسات مجرَّد عملية استشراف، بل واقعاً يتحتَّم عليها مواجهته. 

فقد أغلقت صحيفة "الحياة" بنسختها السعودية مكاتبها في مدينة جدة والمنطقة الشرقية، بحسب مصادر، مكتفيةً بمكتبها الرئيسي في الرياض، نتيجة للعجز المالي، والأرباح شديدة التواضع التي حققتها صحيفة "الرياض"، في الستة أشهر الأولى من سنة 2016، بالإضافة إلى تخلي بعض الصحف عن موظفيها، الذين يتقاضون رواتب عالية في سياق ترشيد الإنفاق، لتدارك العجز المالي. مع كل هذه التطورات، أصبح من الواضح أن الصحافة الورقية تعيش أفولها، في مقابل عصر الرقميات الحديثة والأجهزة المحمولة والأخبار اللَّحظية التي توفرها عدة خدمات على شبكات الإنترنت.

وقال أمين عام هيئة الصحافيين السعوديين، عبدالله الجحلان، في لقاء عبر القناة السعودية الاقتصادية، إنّ الصحافة الورقية في السعودية تشهد تراجعاً كبيراً يصل إلى أكثر من 50 بالمائة. وأضاف الجحلان أن بعض الصّحف لم تعد تصرف رواتب موظفيها في مواعيدها، إضافةً إلى لجوء أخرى لرأس المال، لافتاً إلى أن بعض الصحف وصلت فيها الأوضاع حد أنها ستغلق أبوابها بمجرد إيقاف الإعلانات الحكومية عنها، إذ توقّع أن عدداً من الصحف الورقية سيتوقف صدورها خلال أقل من عام لكثرة الالتزامات المالية.

تراجع عام
عربياً، خفّضت عدة صحف مصرية رواتب موظفيها، وتأخرت أخرى عن سداد الرواتب،
الأمر الذي دفع صحافيي "الشروق" إلى الدخول في إضراب متكرِّر عن العمل خلال هذا العام، إلى جانب اعتماد صحف أخرى خطةً لتقليص العمالة. أما في بيروت فقد عصفت أزمة الصحف في لبنان بصحيفة "السفير" التي ذهبت إلى طرح حل التوقف ورقياً على طاولة النقاش، مع العيد الثالث والأربعين للصحيفة، لتعود عن قرارها في ما بعد، بينما كانت صحيفة "النهار" اللبنانية قد طرحت ذات الخيارات بعد تأثرها هي الأخرى بالأزمة، ومع وصول الأزمة إلى أوضاع حرجة إلا أن إدارتي الصحيفتين عدلتا في وقت لاحق عن قرار الإيقاف مؤكدتين استمرار الصدور. وهو الأمر نفسه الذي تواجهه مؤسسات "المستقبل".
لكن خريف الصحافة الورقية لم يتوقف عند العالم العربي، حيث أعلنت "الإندبندنت" البريطانية في مارس/آذار الماضي 2016 وقف إصدار طبعتها الورقية، والاكتفاء بالطبعة الإلكترونية، معلنةً بذلك انتهاء عقود طويلة ظلَّت فيه كإحدى أبرز الصحف الورقية البريطانية الأكثر شعبية.


فورية الإلكتروني
مع ظهور الهاتف المحمول بإصدارته الأولى، انتشرت خدمات sms والتي تقدم خدمات الأخبار مقابل رسم شهري، ومع تداعي المنتديات الإلكترونية تباعاً آنذاك على شبكة الإنترنت قامت هي الأخرى أيضاً بتوفير خدمات شبيهة، حيث سيصلك موجز للأنباء على بريدك الإلكتروني، إلى جانب الأخبار الرياضية والاقتصادية، ولم يطل الأمر حتى بدأت بعض الصحف بتوفير منصاتٍ إلكترونية لها مكتفيةً بعرض الأخبار الرئيسية، ومنذ ذلك التاريخ وتطوّر الوسائل والأدوات تدريجياً أصبحت خدمات الإنترنت منافساً قوياً، ثم خصماً لدوداً للصحافة الورقية.
أكبر العوامل التي أثَّرت سلباً على متابعة الصحافة الورقية في رحلة الهجرة عنها إلى الصحافة الرقمية، هي "الفورية". فعصر الرقميات عموماً وشبكات التواصل الحديثة جاءت لإشباع هذا
الشّغف، امتياز تحصيل السَّبق، أن تكون الأول الذي يعرف كل شيء، هذا العامل الجديد أضاف تحدياً كبيراً بالنسبة إلى الصحافة الورقية؛ فلم يعد أحدهم بحاجة إلى التوجّه صباحاً إلى المركز التجاري لشراء صحيفة اليوم، طالما أن بإمكانه توفير الأخبار التي تهمه عن طريق ضغطة زر.
ويرى الصحافي عن "ليبراسيون" الفرنسية، روبير ماجيوري، أنه لم يعد الوحدة الزمنية للصّحيفة، ويقول "حين تُعرض الصحف على الأكشاك، فإنها تبدو وكأنها شاخت ومرَّ عليها الوقت حتى صارت بائتة، فتخسر شيئاً فشيئاً القراء المُشبعين بالأخبار، والذين تنزل بهم الخيبة حين لا يجدون في الورق غير ما سبق أن تناهى إليهم". أما عن خطة النجاة التي يقترحها ماجيوري للصحف الورقية المطبوعة، فهي محاولة التفريق بين (الاطلاع) و(الفهم)، فلم تعد الصحيفة سبَّاقة في ما يتعلَّق بالاطلاع، لقد عرف الناس الخبر في وقت حدوثه، أما الفهم فهو "شرح طُرق ربط المعلومات، ومكامن ضعفها وقوتها، وتحليل علاقات التشابه أو الاختلاف، إلى جانب رصد العلاقات السببية بين العناصر واستباق النتائج على اختلاف أنواعها". فدور الصحيفة الجديد حسب ماجيوري هو "إماطة اللِّثام عن طبقات الحادثة، وظروفها وسياقها".

انخفاض في القراءة
وكشفت نتائج استطلاع أجرته صحيفة "الرؤية" الإماراتية فرقاً شاسعاً بين قراء الصحف الإلكترونية وقراء الصحف الورقية المطبوعة، فقد قُدّرت نسبة الذي يفضّلون متابعة الصحف الإلكترونية بأغلبية 81.1%، فيما ذهب ما نسبتهم 18.9% من المبحوثين إلى أنهم لا يزالون يفضّلون الصحافة الورقية على الأخرى. فيما ذكر مركز "بصيرة" المصري في استبيان منشور، أن 65% لا يقرأون الصحف الورقية إطلاقاً، في حين قال 28% أنهم يقرأونها أحياناً، و7% قالوا أنهم يقرأونها دائماً. وحسب تصريح الصحافي السعودي، رئيس تحرير موقع إيلاف، عثمان العمير، فإن الصحافة الورقية قد ماتت منذ عشر سنوات، على حدّ تعبيره، مضيفاً أن المواقع الإلكترونية هي الأخرى تحتضر؛ مؤكداً أن الرهان اليوم يقف على تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، التي تعتبر بمثابة مخرج للصحافة للاستمرار.

لا يبدو أن الكيانات الصحافية القديمة تقبلت هذه الحقائق بعد؛ مع اعتبار المحاولات الحكومية باستمرار في احتواء المؤسسات الصحافية وإحكام السيطرة عليها، الأمر الذي يجعل حركة مواكبة المستجدات بطيئة، في مقابل تسارع نشوء أطوار حديثة من التواصل تضمن مساحة أكبر من التعبير الحر على شبكات التواصل، دون الحاجة إلى صحف على الطراز القديم توفّر لها المعلومة أو آفاقاً أوسع للفهم؛ ففي التحقيقات الصحافية التقليدية، سنجد أن الصحافي في تلك المؤسسات يلجأ إلى هذه الشبكات لمعرفة المزاج العام حول قضية ما، أو لاستضافة شخصية متعلّقة بهذه القضية، بعد أن كان الأخير قد أشبعها مناقشة على تلك الشبكات، وهنا تتحول الصحف الورقية تدريجياً إلى شكل من أشكال "الأرشفة" أكثر من كونها محتوىً يواكب الحياة اليومية لإنسان حديث تعوَّد على وسائل أكثر خِفّة ومرونة.





دلالات

المساهمون