"فالكون"... من الخرطوش لشراء الإعلام المصري

"فالكون" من الخرطوش لشراء "الحياة" رسميًا... و"المصري اليوم" في الطريق

30 اغسطس 2017
مخطط لشراء "المصري اليوم" (كيم بدوي/Getty)
+ الخط -
انتشرت في الآونة الأخيرة أنباء عن بيع قناة "الحياة"، التي يمتلكها رجل الأعمال السيد البدوي بعد الأزمة المالية التي مرت بها القناة وتسببت في إيقاف بث القناة لمدة طويلة، إلى شركة فالكون التابعة للمخابرات، على أن يكون الإعلان عن الصفقة عقب عيد الأضحى، إلا أن مصادر اطلعت على مفاوضات الصفقة أكدت لـ"العربي الجديد"، أن الصفقة تمت بالفعل منذ أسابيع، حيث وقع العقد السيد البدوي سرًا مع رئيس مجلس إدارة شركة "فالكون" اللواء خالد شريف، وهو وكيل سابق للمخابرات الحربية ورئيس قطاع الأمن في اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقًا. 

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر خاصة، أن صفقة بيع قناة "الحياة" لشركة تابعة للمخابرات المصرية تمت منذ أسابيع، وأن الصفقة الآن في مرحلة إنهاء بعض التفاصيل المتعلقة بالأمور المالية والإدارية، وأن الصفقة تمت بعد ضغط شديد مارسته الأجهزة الأمنية

على مالك القناة السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، وحملة تشويه وترهيب نفذتها الأذرع الإعلامية لتلك الأجهزة.

الحملة ذاتها تُمارس الآن ضد مالك صحيفة "المصري اليوم"، صلاح دياب، وتقوم بها أذرع المخابرات الإعلامية كـ"اليوم السابع" و"صوت الأمة"، لإجباره على بيع واحدة من الصحف التي توصف بأنها "مستقلة".

وقالت مصادر إعلامية إن الوسيط في عملية بيع "المصري اليوم"، الإعلامي عبد اللطيف المناوي، رئيس مجلس إدارة "المصري اليوم"، المعروف بقربه من القوات المسلحة في مصر، والمعروف أيضًا بصداقته مع صلاح دياب.

المناوي كان حتى وقت قريب رئيسًا لتحرير قناة الغد، التابعة للقيادي المطرود من حركة فتح الفلسطينية، محمد دحلان، والممولة من الإمارات، قبل تنحية الأول بسبب حملة إعلانية للقناة في مصر تصدّرتها صور المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي، وهو الأمر الذي أغضب حلفاء الإمارات في السعودية، في حينها، فاضطرت لتنحيته.

وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي أعلن المناوي استقالته رسميًا من قناة "الغد العربي" الإخبارية، والتي شغل منصب الرئيس فيها لمدة عام كامل. ولم يفصح وقتها عن طبيعة الخلاف الذي دفعه لمغادرة القناة، واكتفى بقوله: "بعد التطورات الأخيرة، يبدو أن الوقت قد حان لترك التجربة لتستمر في اتجاهها، مع الوصول إلى نقطة بات فيها صعباً ـ لدى الأطراف المختلفة ـ الاستمرار في تولي المهمة، لذلك قررت أن أنهي علاقتي بالقناة، وأفعل هذا ونحن نحافظ على المودة والعلاقة الطيبة مع القناة ملاكًا وإدارة، راجيًا لهم التوفيق".

تنحية عبد اللطيف المناوي من قناة "الغد العربي" لم تؤثر على علاقته مع الإماراتيين، حيث لا زال يحتفظ بعلاقات جيدة بهم. وقالت مصادر اطلعت على سير المفاوضات بين المخابرات من جهة ومالك صحيفة "المصري اليوم" صلاح دياب من جهة أخرى، إن المناوي قام بجهود كبيرة في سبيل التوفيق بين الطرفين، حيث عبرت المخابرات العامة عن غضبها أكثر من مرة لدياب من بعض المقالات التي تنشر في الصحيفة وتنتقد النظام بشكل عام والرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل خاص، وكان دياب يعد دائمًا بمنع تلك المقالات لكنه لم يفعل؛ ومع الضغط الشديد من قبل الأجهزة الأمنية، توصل الطرفان إلى صيغة وهي تعيين المناوي رئيسًا لمجلس إدارة الجريدة على اعتبار أنه صديق للطرفين.



وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2015، داهمت قوات من الأمن فيلا رجل الأعمال الكبير الملياردير صلاح دياب، وألقت القبض عليه ونجله، وقيل إن ذلك تم لاتهامهما بعدد من قضايا الفساد المالي، وبدأت جهات التحقيق استجوابهما في الاتهامات بإهدار المال العام، ثم أُعلن بعد ذلك أن عملية القبض عليهما كانت بسبب "حيازة سلاح غير مرخص"، وهو الأمر الذي كشف عن ارتباك داخل الأجهزة الأمنية التي بدا وكأنها تنفذ أمر اعتقال قبل تحديد التهمة.

عملية القبض على دياب كانت تعبر عن رغبة واضحة في إرهاب الرجل، حيث اقتحمت قوة
أمنية فيلا رجل الأعمال بطريق مصر أسيوط الزراعي فجرًا وألقت القبض عليه من غرفة نومه.

بعد ثلاثة أيام تم الإفراج عن صلاح دياب بكفالة 50 ألف جنيه من النيابة العامة، كما قرر قاضي المعارضات بمحكمة جنح القاهرة الجديدة إخلاء سبيل نجل رجل الأعمال صلاح دياب بكفالة قدرها 10 آلاف جنيه لاتهامه بحيازة سلاح.

واتضح بعد ذلك أن قرار الإفراج عن دياب ونجله أصدره السيسي شخصيًا بعد تدخل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لدى السيسي بناء على طلب من السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، ابن خالة صلاح دياب.


ووقتها علق الصحافي خالد صلاح، رئيس تحرير "اليوم السابع"، على قرار الإفراج عن رجل الأعمال صلاح دياب، ونجله توفيق، قائلًا إن "قرار الإفراج عن رجل الأعمال صلاح دياب هو استجابة حكيمة لصوت العقل والمنطق والحوار"، مضيفاً "إن الطريق الآن ممهد لتفاوض يرد الحقوق ويزيل اللبس ويبعد الشبهات". 

"اليوم السابع" نفسها برئاسة تحرير خالد صلاح قادت الأسبوع الماضي حملة تشويه ضد دياب، حيث نشرت على صفحاتها تقارير مختلفة حول "قائمة طويلة من الاتهامات والقضايا"، قالت إنها "تحاصر رجل الأعمال صلاح دياب خلال الأعوام الأخيرة". وأضافت أن رجل الأعمال الشهير "تضخمت ثروته من مخالفات الاستيلاء على أراضي الدولة، وأنه مثل أمام جهات التحقيق في القضية المعروفة إعلاميا بـ(أراضي شركة نيو جيزة)، وسدد فقط من مشروع واحد 239 مليونا". وقالت إن "ما خفي كان أعظم". 


وأشارت الصحيفة إلى تحقيقات الأجهزة الرقابية في قضية "نيو جيزة" التي اتهم فيها، وقالت إن "المخالفات تمثل جريمة عدوان على المال العام تورط فيها موظفون عموميون لتسهيل استيلاء وحصول رجل الأعمال على أراضي تصل لقرابة 300 فدان وتبلغ قيمتها السوقية بالمليارات".

وقالت إن "مخالفات مؤسس جريدة (المصري اليوم) وصلت إلى التلاعب في السلع الغذائية من خلال سلسلة محلاته الشهيرة (لابوار)، و(on the run)، من خلال زيادة أسعار السلع أو بيع بضائع مجهولة المصدر وبدون بيانات". والمعروف أن تلك المحلات التي يملكها دياب تعتبر من أرقى وأفخر محلات الحلوى في مصر.

وبالتوازي مع حملة الضغط على صلاح دياب مؤسس ومالك صحيفة "المصري اليوم"، يتم أيضًا الضغط على رجل الأعمال أحمد بهجت، من أجل إجباره على بيع قناة "دريم"، إحدى آخر القنوات "المستقلة"، للمخابرات.

وقالت مصادر مقربة من بهجت لـ"العربي الجديد"، إن مالك قنوات "دريم" تلقى أكثر من تهديد لبيع القناة وقيل له إن القناة تبث مواد معارضة للدولة، وهو أمر لم يعد مقبولًا بأي شكل
من الأشكال.

وأضافت المصادر أن بهجت قد يستسلم في نهاية الأمر ويقوم ببيع القناة درءاً للأذى الذي قد يلحق به في حال تم فتح قضايا الأراضي التي حصل عليها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وإذا استحوذت المخابرات على مجموعة قنوات "دريم" وصحيفة "المصري اليوم"، فلن تبقى في مصر أي مؤسسة إعلامية خاصة سوى قناة "القاهرة والناس" لصاحبها طارق نور، ولكن بحسب مصادر خاصة، فإن قناة "القاهرة والناس" لا تمثل إزعاجًا للأجهزة الأمنية نظرًا لطبيعتها الخاصة والتي تتسم بالخفة في تناول الأحداث، وخصوصًا بعد إبعاد الإعلامي إبراهيم عيسى عن القناة، وهو الذي كان يمثل إزعاجًا شديدًا، وخصوصًا في تناوله لقضية التنازل عن "تيران وصنافير".

وفي مجال الإعلام، تمتلك المخابرات الحربية مجموعة قنوات"DMC"، برأس مال 30 مليون دولار، بجانب توجيهها رجال أعمال محسوبين عليها لشراء قنوات وصحف، مثل استحواذ أحمد أبو هشيمة على صحيفة "اليوم السابع"، وموقعي "دوت مصر" و"صوت الأمة" وقناتي "ON TV". كما تسيطر مخابرات السيسي على مجموعة قنوات "CBC" المملوكة لرجل الأعمال محمد الأمين، وقناة "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، وهما من أشد الداعمين لانقلاب 2013 وللسيسي.




من هي فالكون؟

تأسست شركة "فالكون جروب" عام 2006، وسيطرت منذ تأسيسها على سوق الخدمات الأمنية المتكاملة نظرًا للمزايا التي تحصل عليها بصفتها تابعة للمخابرات. وتمتلك الشركة 14 فرعًا في المحافظات المصرية، ويتم التخطيط حاليًا لافتتاح فرع للشركة في إحدى الدول العربية.

ويترأس مجلس إدارة شركة "فالكون" اللواء خالد شريف، وهو وكيل سابق للمخابرات الحربية

ورئيس قطاع الأمن في اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقًا.

وتتركز أعمال الشركة في الأساس في الأمن والحراسات ونقل الأموال، وفقًا لما هو مرخص لها، ووفقاً للقانون المنظم لعمل شركات الأمن والحراسة بمصر، وهو ما يثير الاستغراب عندما تسعى الشركة إلى شراء مؤسسات صحافية وإعلامية.

وشاركت "فالكون" في تنظيم مئوية نادي الزمالك، ورعاية وتنظيم حفل "أعلى سارية بالعالم" وهي تحمل العلم المصري بجوار برج الجزيرة، والتي دخلت موسوعة "غينيس"، كما تقوم بتأمين البنوك على المستوى الداخلي بالقطاع الحكومي والخاص والقنصليات والسفارات الهامة وبعض مكاتب الأمم المتحدة والشخصيات الدبلوماسية، بالإضافة إلى التوكيلات والشركات الكبرى على مستوى الجمهورية.

واشتهرت "فالكون" عندما أوكلت لها حكومة ما بعد انقلاب 2013 حراسة المنشآت الجامعية، وقامت بالاعتداء على آلاف الطلاب بالجامعات وقامت بتسليم بعضهم للأمن، كما أوكل لها مهمة تأمين المشير السيسي في أثناء حملته الانتخابية في 2014.

ويتولى عددٌ كبيرٌ من ضباط الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات والأمن الوطني السابقين، مناصب المديرين والمشرفين بالشركة، كما أنّ عناصر الشركة وحدهم ممّن يمتلكون رخصة البندقية الخرطوش بمصر والشرق الأوسط.