تحوّلات 2019: استراتيجية الصين على "تويتر"

تحوّلات 2019: استراتيجية الصين على "تويتر"

03 يناير 2020
تغيرت لغة الخطاب في "تويتر" (Getty)
+ الخط -
لوحظت تغييرات كبرى في الدبلوماسية الصينية المنتهَجة خلال عام 2019 الماضي عبر مواقع التواصل، خصوصاً في "تويتر"، إذ بدأت الوزارات الصينية وكبار الدبلوماسيين في فتح حسابات رسمية عبر "تويتر" والتغريد بلهجة غير دبلوماسية تماماً، حسبما يقول تحليل من هيئة الإذاعة البريطانيّة "بي بي سي". وحددت هيئة الإذاعة البريطانية 55 حسابا على "تويتر" لدبلوماسيين صينيين وسفارات وقنصليات، تم إنشاء 32 حساباً منها في عام 2019. 
وعلى مدار العام، كتب مالكو هذه الحسابات التغريدات بطريقة أكثر تحرراً وإثارة، بما في ذلك الرموز التعبيرية ومختصرات الإنترنت مثل LOL، بالإضافة إلى الصور القابلة للمشاركة ومقاطع الفيديو القصيرة. وتقول الصحافية والأستاذة المساعدة في الاتصالات بجامعة هونغ كونغ المعمدانية، روز لووي لوتشيو، إن هذا "التمدد" يشير إلى أن استراتيجية الصين الدبلوماسية أصبحت "أكثر نشاطاً".

وتسعى الصين إلى التواصل مباشرة مع جمهور عالمي، والتأثير على الخطاب العالمي حول الصين. و"تويتر" محظور في الصين، ومعظم مواطنيها لا يستطيعون الوصول إلى الموقع، لكن يبدو من الواضح أن المبعوثين الرسميين إلى الدول الأخرى يتم تشجيعهم على استخدام "تويتر" بطريقة جديدة تماماً.

الدبلوماسية الصريحة
من المعروف جيداً أن تشاو ليجيان لا يتخلى عن النقاشات الساخنة مع منتقدي الصين. يشغل تشاو منصب نائب المدير العام لإدارة الإعلام في وزارة الخارجية، حيث يلعب دوراً رئيسياً في صياغة خطابها الدبلوماسي. وفي حسابه على "تويتر"، يكتب أنه يحاول "سرد قصة الصين ونشر صوت الصين". عبر "تويتر" بلغة إنكليزية أنيقة، غالباً ما يشارك تشاو رسائل إيجابية حول الصين، بدءاً من خط السكك الحديدية عالي السرعة في البلاد، وصولاً إلى الزوم البصري لكاميرا الهاتف الجديدة لشركة "هواوي". كما أنه يتبع ما يسميه "الأخبار المزيفة" و"الأكاذيب القذرة" عن الصين. يصف الكثيرون على موقع "تويتر" منشوراته بأنها دعاية، لكن يشيد به البعض لأنه "يفضح الدعاية الغربية".
وكان تشاو بالفعل على "تويتر" منذ عام 2010، وكان أحد أوائل المبعوثين الصينيين الذين انضموا إليه، لكنه اكتسب جمهوراً أوسع في يوليو/تموز 2019 بعد مواجهة حادة مع سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأميركية السابقة.
في محاولة للدفاع عن سياسة الصين المتمثلة في إقامة معسكرات "لإعادة التعليم" في شينغيانغ، زعم تشاو وجود تمييز عنصري في واشنطن، حيث يزعم أن السكان السود الجدد يطردون السكان البيض في مناطق معينة، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار المنازل. وردت رايس بوصفه بأنه "عار عنصري"، فأجاب تشاو بوصفها بأنها "جاهلة بشكل مثير للصدمة" و"مخزٍ ومثير للاشمئزاز"، قبل أن يحذف تغريدته.
لدى تشاو أكثر من 223 ألف متابع على "تويتر". وفي مقابلة مع "بازفيد"، في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول، قال إن الوقت قد حان لإظهار "ثقة صينية جديدة، ولكن من دون عدوانية".

اللكمات
"الباندا العملاقة أكثر خطورة من النسر الأصلع؟ الكونغ فو باندا المعشوق من قبل الجميع"، هذه تغريدة من وزارة الخارجية الصينية، الصوت الرسمي للصين على "تويتر" إلى العالم الخارجي. كانت هذه التغريدة رداً على مقالات تحذّر من "جنون العظمة" بخصوص المخاوف الدولية بشأن الصين.
وبدأ حساب MFA_China بتغريدة باللغة الإنكليزية في ديسمبر/كانون الأول 2019 واكتسب ما يقرب من 16 ألف متابع. ويدعو المستخدمين إلى "متابعتنا لمعرفة المزيد عن دبلوماسية الصين"، ومعظمها مقاطع فيديو وبيانات مترجمة إلى الإنكليزية من اللقاءات الصحافية للوزارة.
كما أشار العديد من المستخدمين، فإن لهجته تشبه في بعض الأحيان طريقة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وانتقد الحساب الولايات المتحدة لقمعها التكنولوجيا الصينية واتهمها بتشويه موقف الصين من هونغ كونغ وتايوان وشينجيانغ.
واستهزأت أيضاً من رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، لتذكيرها "بدماء" الأميركيين الأصليين، وتزعم، في جميع الحالات، أن الولايات المتحدة "كاذبة كبيرة في القضايا المتعلقة بالمسلمين".




هجمات "أخبار وهمية"
جاءت زيادة "تويتر" هذه في وقت تتصارع فيه الصين مع الضغوط الدولية حول قضايا مثل الاحتجاجات المناهضة للحكومة في هونغ كونغ، ومعسكرات الأويغور في شينجيانغ، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
السفير الصيني البارز، تسوي تيانكاي، من واشنطن، يشوّه تقارير وسائل الإعلام العالمية عن هذه القصص المستمرة.
وفي سلسلة من خمس تغريدات في الآونة الأخيرة، كتب تسوي أن "الشائعات الملفقة" و"الأخبار وهمية" والتي "تشوه بشكل خطير" الأوضاع في هونغ كونغ وشينجيانغ.
وبالمثل، كان السفير الصيني لدى لندن، ليو شياو مينغ، يتحدث بصوت عالٍ على موقع "تويتر" حول الاحتجاجات التي استمرت عدة أشهر في هونغ كونغ، وهي مستعمرة بريطانية سابقة.
وبعد أن أضرم محتجون من هونغ كونغ النار في مدني موالٍ للحكومة، انتقد ليو التغطية الإعلامية في المملكة المتحدة، وتساءل كيف سيكون رد فعل شرطة المملكة المتحدة على موقف مماثل.



التكتيك المفضل
التكتيك المفضل لدى المسؤولين الصينيين على "تويتر" هو Whataboutism، وهو تكتيك كلاسيكي استخدمه الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة واكتسب شعبية عالمية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. ويتلخص في استخدام مبرّر أن الدول الأخرى تعاني من مشاكل أسوأ واتهمها بالنفاق.
وتقوم وزارة الخارجية الصينية مراراً وتكراراً بتوجيه الأصابع إلى عمل عسكري أميركي في أفغانستان والعراق وسورية للدفاع عن سياسة الصين في شينجيانغ، وتحذّر من محاولات الولايات المتحدة "إفساد" المناطق الصينية.
وبعد هجوم جسر لندن على سبيل المثال، عبّر حساب MFA_China عن تعازيه، لكنه اغتنم أيضاً فرصة القول بأن الصين تتعرض "لمعايير مزدوجة" عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب.
ويتبع دبلوماسيون صينيون آخرون على "تويتر" نفس قواعد اللعبة. مثلاً جادل الدبلوماسي الصريح تشاو ليجيان أيضاً بأن الولايات المتحدة، وليس الصين، تخلق اضطرابات عالمية.

كيف يتم تلقّي كل هذا؟
تقول الأستاذة بجامعة كانتربيري المتخصصة في السياسة الصينية، آن ماري برادي، إن "تويتر" ساحة معركة حرجة لأنها "صلة مباشرة لتشكيل وجهات نظر النخب السياسية في العديد من المجتمعات".
لكن تغريدات الدبلوماسيين الصينيين تتلقى ردود فعل متباينة. وتقول هيئة الإذاعة البريطانية إن معظمها تعليقات سلبية. ويقول مستخدمون إنهم لا يؤمنون بـ"أكاذيب" الصين، وإن الدبلوماسيين في الخارج مهمتهم صرف الانتباه عن أفعال الصين.
وليس هناك دليل على أن التعليقات الإيجابية ليست حقيقية، لكن من المعروف أن الحكومة الصينية تقوم بتوظيف معلقين على الإنترنت للتأثير على الرأي العام المحلي. وهناك علامات على أن بكين ربما تحاول هذا التكتيك دولياً، يقول التحليل. وفي أغسطس/آب، قامت "تويتر" و"فيسبوك" بإزالة مئات الحسابات من منصاتهما، لمنع ما وصفوه بحملة تضليل صينية مدعومة من الدولة، فيما يتعلق باحتجاجات هونغ كونغ.

تغيير اتجاه الدولة
زيادة عدد المتحدثين الدبلوماسيين الصينيين قد تلقي الضوء على تغيير أساسي في السياسة الخارجية للصين. ووفقاً للتقارير، فقد أصدر وزير الخارجية وانغ يي تعليماته في نوفمبر/تشرين الثاني للدبلوماسيين بإظهار "روح قتالية"، وهذا تناقض ملحوظ من التعليمات السابقة "لإخفاء القوة".
وتم طرح استراتيجية "إخفاء القوة" لأول مرة من قبل الزعيم الصيني السابق، دنغ شياو بينغ، في عام 1990، والتي يعتبرها الكثيرون في الصين قديمة الآن بعدما أصبحت البلاد قوية للغاية.
وتحرص الصين أيضاً على نشر تغطية إعلامية حكومية للعالم الغربي، تدفع مقابل التغريدات التي تتم ترقيتها بشأن قضايا مثل هونغ كونغ، والتي غالباً ما تتعارض مع معظم التقارير التي تقدمها وسائل الإعلام العالمية.
ودفعت وسائل الإعلام الحكومية الملايين لشركات خارجية في العامين الماضيين للترويج لمحتوى الأخبار على "يوتيوب"، و"فيسبوك"، و"لينكد إن" و"تويتر"، وفقاً لسجلات المشتريات العامة التي رصدتها "بي بي سي" الصينية.



المساهمون