اليمنية هند الإرياني... بحث عن أرض تحتضن الصحافيين

اليمنية هند الإرياني... بحث عن أرض تحتضن الصحافيين

22 نوفمبر 2018
هربت الإرياني من اليمن في 2014 (فيسبوك)
+ الخط -
ثابرت الصحافية والناشطة اليمنية هند الإرياني على الدفاع عن حقوق الطفل والمرأة، بمبادرات عديدة نجم عنها إعادة النظر في قوانين معينة، وحصولها على جوائز عالمية اعترافاً بمجهودها. ولم تترك عملها الصحافي حين وجدت نفسها تعيش في مدينة إسطنبول التركية.

الإرياني وابنتها (16 عاماً) مهددتان حالياً بإبعادهما عن السويد، حيث لجأتا، هرباً من التهديدات التي لاحقتها، ما يعني "رمينا مرة أخرى إلى العيش تحت سيف التهديد بالقتل الذي لم يعد يطاق، ووصل إلى ابنتي التي اضطرت إلى ترك مدرستها في إسطنبول". هذه الحالة التي تعيشها الصحافية اليمنية تذكرها بمرارة أن "يضطر الصحافي والكاتب العربي لطلب الحماية بعيداً عن جغرافيته".

تهديدات مستمرة
تبدأ قصة لجوء هند الإرياني بعدما وجدت نفسها في دائرة التهديد المباشر بالقتل، عدا تلك التي وصلتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفق ما تقول لـ "العربي الجديد". وتذكر أنها اختارت إسطنبول للإقامة فيها ورفضت اللجوء إلى أي بلد "بسبب نشاطي مع الأمم المتحدة ومتطلبات السفر"، إلى أن اضطرت لمغادرتها بسبب تزايد التهديدات خلال أواخر عام 2017.

وقد أشعل انتقادها لرجل الدين المتشدد، عبد الله أحمد العديني، في تعز ومطالبتها بملاحقته قانونياً لتبريره الاغتصاب بملابس الضحايا موجة التهديدات ضدها. التهديدات التي طاولت الصحافية هند الإرياني "كانت في البداية على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم أكن أخافها باعتباري بعيدة ولست في متناولهم"، وتردف "لكن حين انتقدت الشيخ عبد الوهاب الحميقاني، المقيم في السعودية، والمتهم بانتمائه لتنظيم "القاعدة"، بدأت التهديدات تأخذ طابعاً أكثر جدية بالنسبة لي".

وتضيف "المفارقة أن قناة الحوثيين التلفزيونية (قناة اليمن) بثت حلقات تضامن مع الحميقاني، وبدأت بالتحريض ضدي واتهامي بأني ممولة من جهات أجنبية وأسعى لتشويه الإسلام. بعدها وصلني لأول مرة في حياتي تهديد مباشر عبر هاتفي وهاتف ابنتي، أثناء وجودنا في إسطنبول. ويبدو أن هؤلاء عرفوا أن ابنتي التي أصررت على إبعادها عن كل نشاطاتي هي نقطة ضعفي. فأرسلوا لي يعلمونني بأنهم يعرفون المدرسة التي ترتادها في تركيا، ثم هاتفوها شخصياً، ما أثار أزمات نفسية لديها".

وتشرح الإرياني: "قررنا الرحيل ونحن مرعوبتان من استهدافنا في تركيا، ولا تزال ابنتي تعيش معي تحت هذه الأجواء المرعبة، التي يزيد حدّتها توقفها عن ارتياد المدرسة، منذ التقدم باللجوء في يناير/ كانون الثاني الماضي، والآن تحت سيف التهديد بالترحيل إلى المجهول وإلى حيث يمكن أن يصل إلينا هؤلاء بسبب عملي الصحافي".

وعن سؤال ما إذا اتجهت إلى أي جهات في تركيا حول التهديدات، تقول: "بحكم طبيعة عملي مع (مونتي كارلو) كنت بعيدة عن أن أصنف على أي جهة، وبقيت بعيدة عن تلك الأوساط، وأصبت برعب إلى درجة أنني تركت كل شيء خلفي، وغادرنا خلال أيام بعد حصول ابنتي على تأشيرة نحو السويد".



الأزمة في السويد
قررت الإرياني أن تنتقل إلى السويد حيث تعيش أمها وأختها. وبعد لمّ شملها مع عائلتها، أحالت إدارة الهجرة قضيتها على الشرطة للترحيل، بعد عدم حضورها اجتماعاً مقرراً مع الإدارة. وتقول الصحافية والناشطة المحبطة، إنها لم تتلق أي إشعار بأي اجتماع.

ومُنحت ابنتها تأشيرة دخول، لكن نظراً لأن الإرياني نفسها معها تأشيرة صالحة لجمهورية التشيك، بعد حضورها لحدث هناك، قالت السلطات السويدية إنه يجب نظر طلبها للجوء هناك.

وتشرح الإرياني، أن دائرة الهجرة حوّلت قضيتها إلى الشرطة، باعتبارها "متخفية"، لأنها تقيم في شقة لا في مخيم لجوء، رغم أنها أخبرت دائرة الهجرة بعنوانها. وترى أن المسؤول عن قضيتها "لم يتعاط بشكل مهني، إذ ظلمنا وكأنهم يريدون التخلص منا، وصرت أفكر بالأشخاص الذين يُستبعدون بهذه الطريقة الظالمة"، وتضيف "أخبرني محاميّ أنه لا يحق لهم تحويل قضيتي للترحيل من دون عقد ثلاثة لقاءات شخصية معي، وهو ما لم يتم".

وبرزت، منذ يوم الإثنين، قضية الإرياني إلى وسائل الإعلام المحلية، بعدما كشف النقاب عن طريقة التعامل مع قضيتها، من دون اطلاع سلطات الهجرة على خلفيات ظروفها.

ويذكر هنا أن السويد ومنذ عام 2016 قامت بتشديد قوانينها، بعدما استقبلت عشرات آلاف اللاجئين في 2015. وبدأت ضغوط اليمين تأتي أكلها بتشدد غير معهود من استوكهولم، حتى في قضايا تتعلق بترحيل الأطفال، الذين تعتبر القوانين المحلية مهمة الدفاع عن حقوقهم أساسية.

ويبدو أن السلطات السويدية هذه الأيام تعيش معضلة مع قضية الإرياني، وخصوصاً بعد توالي رسائل "اتحاد صحافيي السويد"، و"منظمة مراسلون بلا حدود"، و"منظمة الأمم المتحدة للمرأة"، و"الفيدرالية الأوروبية للصحافة"، لإعادة النظر في أمر الترحيل.

ومن ناحية ثانية، تعاني السلطات معضلة الإصرار على تطبيق بنود "اتفاقية دبلن" على الإرياني وابنتها، لترحيلهما نحو جمهورية التشيك، "التي يكره أساساً رئيسها كل الصحافيين، بل يتهكم عليهم بدعوتهم إلى الغداء في السفارة السعودية، وهو أمر لا بد أنّ السويد تعرفه، وهو ما ذكرتهم به رسائل كل الجهات التي خاطبت سلطات الهجرة بوقف تنفيذ قرار الترحيل بحقنا، ثم إننا لا نعرف أحداً في التشيك، وهنا تقيم أمي وأختي، وهو ما يعد أصلاً خرقاً لحق بديهي إنساني حول حق الناس في العيش ضمن أسرة، وخصوصاً بالنسبة لابنتي التي تعالج الآن في السويد"، وفق ما تقول الصحافية اليمنية.

وتعتبر أن السويد المصنفة في المرتبة الثانية من حيث حماية الصحافيين حول العالم، "لا بد أن تأخذ ظروف التهديد في الاعتبار، فأصلاً أنا لم أتقدم بلجوء إلا لحماية ابنتي، وهي معرضة للتهديدات بسبب عملي الصحافي وليس لأي شيء آخر. وبدل الشعور بالأمان أجد نفسي معرضة لمخاطر في بلد يعتبر حرية الصحافة أولوية، فما بالك بترحيل طفلة تعيش أسوأ الأجواء النفسية بفعل تلك التهديدات المستمرة حتى أثناء وجودي في السويد".

أخيراً تذكر هند مفارقة أخرى تعيشها في السويد، "فالتعليقات باتت من الكارهين لحرية الصحافة والتعبير تقول إليكم ما يحصل مع من يعارض، سيعيش ذات الإذلال الذي تعيشه هند الإرياني، ومن المؤسف أن السويد تساهم بإيصال رسالة خطأ تجعل من عدم قبول طلب الحماية مثلاً، لانتصار من ينتهج التهديد بحقنا كصحافيين، ورسالة خطأ لأصحاب الرأي، ليس فقط بعد ما جرى من فظائع للصحافي السعودي الذي قتل في قنصلية بلاده في إسطنبول، جمال خاشقجي، بل للوصول إلى نتيجة أنه علينا كصحافيين وأصحاب رأي أن نصمت، وإلا فسنواجه المصير نفسه وستلاحقنا الإهانات".

تجدر الإشارة إلى أن هند الإرياني توجهت إلى تركيا عام 2014 من بيروت التي أقامت ودرست فيها بحكم عمل والدها في المجال الديبلوماسي، بعد وفة الأخير، بينما توجها اختها ووالدتها إلى السويد. واضطرت إلى تقديم استقالتها من الأمم المتحدة، بسبب تعارض نشاطها مع وظيفتها.

ساهمت الإرياني في نشاطات عديدة، تتعلق بتغيير نصوص دستورية تتعلق بالقات وحقوق الطفل، وخصوصاً قانون حماية الطفل اليمني والعنف المنزلي ضده، وحقوق المرأة في بلدها، ولكن الانقلاب والحرب في 2014 "أوقف للأسف المضيّ في تبني التغييرات الدستورية، التي عملت عليها الحملات أمام البرلمان ورئاسة الوزراء في صنعاء". ذهبت إلى اليمن أثناء العمل على الحملات أكثر من مرة. وشاركت في فعاليات "تِد إكس عدن" كمتحدثة، في 2013.



المساهمون