فضائح الجسم الإعلامي الفرنسي: انقسام ردود الفعل

فضائح الجسم الإعلامي الفرنسي: انقسام ردود الفعل

04 مارس 2019
اشتهرت "رابطة لول" أكثر (مارتن أوليت ديوت/ فرانس برس)
+ الخط -
حدثان كبيران أصابا خلال فبراير/ شباط المنتهي قبل أيام، الجسم الصحافي في فرنسا، وكانا بمثابة الصاعقة، تحديداً انطلاقاً من تكسّر مفهوم أنّ الصحافيين عادةً ضحايا وليسوا جلّادين، أو حتى مدافعين عن الضحايا. بدايةً كانت فضيحة "رابطة لول" وتحرش وتنمّر صحافيين، ثم جمع إذاعة "يوروب 1" معلومات سرية عن مستمعيها. 

إلا أنّ الصدمة في القضية الثانية كانت كبيرة، إذ إنّها استغرقت فترةً طويلة وأسقطت كثيراً من الضحايا، فقد بقي الأمر سرّياً 15 عاماً. والمثير للغضب، هو أن هذه السلوكات الشائنة كشفت عنها اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات في مقر إذاعة يوروب 1 عام 2016، ولكنها ظلت لثلاث سنوات من دون محاسبة.

وكشفت اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات عن تقديرات شخصية من طرف موظفي الاستقبال في الإذاعة، وهي عبارة عن تعليقات على المستمعين، من نوع "هذا الشخص له صوت يهودي تونسي" أو له "لهجة مغاربية، غير واضحة"، كما أن بعض التعليقات ركّزت على الوضعية الصحّية لبعض المستخدمين من نوع "مريض إيدز"، أو أنه "متوقف عن العمل بسبب إصابته بالسرطان" أو "مدمن كحول". أو ركزت على الميول الجنسية، من خلال التركيز على كون هذا المستخدم "مثلياً" أو غيره، وأيضاً من بعض الأوصاف التي لا تخلو من قذف واحتقار من نوع "غبي"، أو "ابن عاهرة" وغيرهما.

وإذا كان تجميع المعلومات بالنسبة للإذاعة مسألة ضرورية، كما ترى اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات، وهي جهاز مستقل، لأن هؤلاء المستخدمين سيتناولون الكلمة على أمواج الإذاعة، إضافةً إلى أن الإذاعة تريد البحث عن تدخلات كفيلة بمنح معنى وقيمة للبَرامج، إلا أن هذه اللجنة الوطنية تَعيب على "يوروب 1" تسجيل المعلومات في جذاذات، وهو ما ترى فيه "مخالَفة لإجراءات قانون 6 يناير/ كانون الثاني 1978".

ويعدد تقرير اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات، الذي كشف عنه أصلاً موقع "ميديا بارت"، أكثر من 483 جذاذة تحتوي تعليقات متعلّقة بنوعية المستخدمين. كما أن اللجنة عبّرت عن القلق من طول فترة الاحتفاظ بهذه المعلومات، سواء كانت حساسة أو غير حساسة. وقد عثر محقّقو اللجنة على جذاذات تتضمّن معلومات عن 573 ألف شخص منذ سنة 2012، في حين أنّ القانون الفرنسي واضحٌ في هذا الميدان، وهو يُلزِمُ حذفها بعد سنتين اثنتين من إنشائها.
والطريف أن ردّ إدارة "يوروب 1" على هذا الانتقاد كان الاعتراف بـ"خطأ تقني". وفور تسلّمها تحذير اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات، قررت الإذاعة تدمير قاعدة البيانات، وهي تقوم، من الآن فصاعداً، بحذفٍ تلقائي للمعلومات التي يتمّ تجميعها عن مستخدميها فور استخدامها. ويبدو أن اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات اقتنعت، بعد إجراء مداولات بين أعضائها بإجراءات إذاعة "يوروب1"، فقررت أن لا تُخرِجَ للعلن تقريرها سنة 2017. كما أن هذه اللجنة، التي تُعرَف بأنها دركيّ الرقميات لم تجد دافعاً للّجوء إلى القضاء، بسبب التعليقات التي سطّرها موظفو الاستقبال في الإذاعة عن مستمعيها.

والطريف أن الإدارة، وموظفي الاستقبال أيضاً كشفوا لـ"ميديا بارت" أنهم كانوا يجهلون حقيقة الاحتفاظ بهذه التسجيلات، وهو ما جعلهم يتمترسون خلف تبرير الـ"خطأ التقني". ولم يجد رئيس الإذاعة الحالي لوران غيميي، الذي تولى شؤونها منذ مايو/أيار 2008، ما يقوله سوى أن ممارسات الإذاعة التي كشف عنها تقرير اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات، هي "ممارسات مخزية"، وأن إدارة الإذاعة أوقفت هذه "الانحرافات غير المقبولة".

لكنّ "يوروب 1" لم تُعاقَب العقاب الذي كان منتظَراً في مثل هذه القضية، وهو عقاب يصل إلى فرض غرامة مليون ونصف مليون يورو، ما برّره أحد أعضاء اللجنة بالقول: "نحن هنا من أجل مرافقة المؤسسات في إطار وضعها في حالة انسجام مع القانون، لا معاقبتها. وفي ما يخص يوروب 1، كان الأمر يتعلق عموماً بمشكلة إدارة".

الملفت في هذه القضية هو غياب ردود فعل كثيرة، خلافاً لما جرى ويتواصل بخصوص فضيحة "رابطة لول". ويبدو أن السبب الذي يفسّر الأمر هو أن ضحايا "رابطة لول" كلهم إعلاميون وصحافيون تقريباً. وعرف الرأي العام الفرنسي أسماءهم، في حين أن ضحايا فضيحة إذاعة "يوروب 1" مواطنون عاديون، أي بعيدين عن عالم الصحافة الضيق، كما أن غالبيتهم يجهلون خضوعهم لمثل هذه المعاملة، وخاصة بعد رفض اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات نشر تقريرها سنة 2017، وأيضاً قيام الإذاعة بعد إخطارها بالأمر بتدمير قاعدة البيانات.



إلا أنّه في قضية "رابطة لول"، فقد تميّزت صحيفة "ليبراسيون" التي كان بعض صحافييها أعضاءً في هذه الرابطة، التي امتهنت التحرش بالصحافيات والصحافيين وخاصة النسويات. إذ سرّحت صحافيين ضالعين في الفضيحة. وبرر مدير الصحيفة لوران جوفري، الأمر بأنّ صورة الصحيفة التي تدافع عن المواقف النسوية تشوّهت، فلم يكن ثمَّة مناصٌ من إصدار موقف سريع.

ولا تزال الخطة التي سترسمها "ليبراسيون" لصحافييها حول استخدام مواقع التواصل، تنتظر بعض الوقت، وهو ما عبّر عنه بول كينيو مدير الصحيفة المساعد بالقول: "لا توجد قواعد اتخذت بعد هذه القضية، ولكننا نشتغل حول ميثاق للاستخدام في شبكات التواصل الاجتماعي من أجل صحافيينا. فنيويورك تايمز ووكالة الأنباء الفرنسية لهما ميثاق. وميثاقنا هو بين أوراشنا القادمة. وهذا الميثاق سوف يحدد كيف يمكن لصحافي يشتغل في ليبراسيون أن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، وسيُذكّر بأننا نُلزِم أكثر من أنفسنا حين نغرد على شبكات التواصل. إننا لا نضع نفس المستوى من المسؤولية بين محرر وبين مدير تحرير، ولكننا نريد التذكير بأننا نُمثّل، رغم كل شيء، الصحيفةَ على الشبكة".​

دلالات

المساهمون