ChatGPT: هل سيخسر كاتب هذا المقال عمله؟

ChatGPT: هل سيخسر كاتب هذا المقال عمله؟

13 يناير 2023
لم يكترث الكتّاب العرب بالذكاء الاصطناعي (جيان كيمينغ/Getty)
+ الخط -

أطلقت شركة الذكاء الاصطناعي OpenAI العام الماضي منصة ChatGPT، وبدا العالم مُحتاراً، ليس فقط الفنانون الذين شعروا بالتهديد، بل الروائيون والأكاديميون، والشعراء، وكل من يعمل بالكتابة. لماذا؟ لأن هذا الذكاء الاصطناعي قادر على الإجابة عن كلّ شيء، بل ادّعى بعضهم أنه سيستبدل مهنة الصحافي والمحرر نفسها. وخرج علينا جوردن بيترسون أخيراً، ليخبرنا بأن هذا التطبيق سيؤدي إلى إغلاق الجامعات قريباً، كونه سيتمكن من كتابة أطاريح الدكتوراه.

لنتمهّل، فهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الذكاء الاصطناعي مهنة الكتابة. تنشر الصحف الكبرى منذ عدة سنوات مقالات كتبها الذكاء لاصطناعي. أخيراً، نشرت مجلة ذا نيويوركر نصاً تخلله شعر، كتبه الذكاء الاصطناعي أيضاً. لكنّ المفارقة أنّ كاتب هذا المقال نفسه لم يشعر بالتهديد، لمَ؟ لأن ChatGPT ما زال متواضعاً حين نحدثه بالعربية. صحيح أنه يعرف الكثير، لكنّه لا يمتلك أسلوباً، ولا قدرة على التلاعب بالكلام والسياقات والإحالات.

اختبار البرنامج بالعربيّة يخفف من أثر الأحاديث والتخويفات التي تنتشر بخصوصه. ما زالت لغته العربيّة متواضعة، ولا يمتلك بعد أرشيفاً واسعاً قادراً على الإحاطة بكل الحذلقات والألاعيب اللغويّة. لكن ما نعلمه أنه ما زال يتعلم من كل شخص على حدة، ولم ينفتح بعد على "كلّ" ما كتب بالعربية قديماً وحديثاً، أي يمكن القول إننا ما زلنا على برّ الأمان.

ما يثير الاهتمام هو تراخي المهتمين بالكتابة العربية تجاه الذكاء الاصطناعي، بعكس العاملين في الفنون البصرية، وخصوصاً التصميم. لم نشهد حملات مقاطعة أو محاولات لتفادي أثره، وكأن هناك ضماناً من نوع ما لدى الناطقين بالضاد، وكأن الذكاء الاصطناعي غير قادر على استيعاب لسانهم.
اللافت، في هذا السياق، أنه في حال تمكّن الذكاء الاصطناعي من إدراك لغة الضاد و"التأليف" باستخدامها، سيكسر أشهر قواعد الكتابة: "احفظ ألف بيت ثم انسها". الذكاء الاصطناعي لا ينسى، هو قادر على استحضار كلّ النصوص في لحظة واحدة والمفاضلة بينها، وضبط السياق والشروط المختلفة لتوليد نصّ قد ينشر علناً، لكن لا تهديد في ذلك.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

ننفي خطورة الذكاء الاصطناعي لأنّنا أمام تحدّ إبداعيّ وفكري. التكنولوجيا هذه لن تعني تلاشي الكاتب والمؤلف والصحافي والمحرر، بل وضعهم أمام تساؤلات تتعلق بطبيعة المهنة التي يمارسونها. هل يمكن مثلاً كتابة نص لا يمكن للذكاء الاصطناعي تقليده؟ أو إنتاج ما يشابهه؟ يمتد الأمر إلى تحد أشد، هل يمكن كتابة نص لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تعلّمه؟

هذه التحديات وتنويعاتها مساحة للعب الجدي، وإعادة النظر في الكتابة نفسها واللغة بوصفها وسيلة تحمل الأفكار. لكن قد تكون هذه التساؤلات ساذجة وهينة أمام حاسوب جديد قادر على ابتلاع كلّ معارف اللغة، لكن أيضاً هنا تحد آخر، إذ يمكن أن نتوقف عن تلقيم الذكاء الاصطناعي، أي ببساطة التوقف عن الحديث معه واعتماد النشر الورقي، في متخيل ديستوبي لمستقبل عالم يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي.

يبقى الرهان دوماً على الخطأ البشري والصدفة، والنزوة. كلّ هذه الحالات البشرية الخارجة عن الإرادة التي تفصلنا عن الكائنات المثاليّة، ولم يقصر الخيال العلمي في توظيفها. النزوة البشريّة قادرة على تدمير كل شيء، ابتداءً من فيلم Dr. Strangelove or: How I Learned to Stop Worrying and Love the Bomb لستانلي كوبريك، وانتهاء بـWestworld. هذا الميل نحو التدمير هو خلاصنا، ضبط النفس وتقنين "أخطائها" و"حوادثها" هو الذي يولد الفن والعبقرية البشريّة، ويهدد الذكاء الاصطناعي.

بصورة أخرى، رعبنا من الكمال الذي لا ينتمي إلى تكويننا، هو الذي يهدد الذكاء الاصطناعي. وعند الحديث عن اللغة، نحن أمام أشد الموجودات أو المتخيلات نقصاً، ووجود كيان قادر على معرفة كلّ شيء وتسمية كل شيء أمر قد يبدو ممكناً. لكن، هل سيستطيع أن يكتب من دون أن يقلد نصاً سابقاً؟

المساهمون