هولندا تبادر لإعادة آثار مستعمراتها السابقة وتفتح باباً لدول أخرى

هولندا تبادر لإعادة آثار مستعمراتها السابقة وتفتح باباً لدول أخرى

17 فبراير 2021
وزيرة الثقافة الهولندية تسلم خنجر الأمير ديبونيغورو لسفير إندونيسيا (تويتر)
+ الخط -

تعيش دول الاستعمار الغربية السابقة، منذ أعوام قليلة، سجالاً حول ما إذا كان يجب إعادة آثار وإرث الدول المُستعمَرة، التي سُرقت إلى متاحف ومخازن وشوارع أوروبية.

وتذهب هولندا هذه الأيام خطوة في اتجاه نقاش جدي، عززته حركة الشارع العام المنصرم بشأن الماضي الاستعماري للدول الأوروبية، والذي شمل محاولة تدمير تماثيل تجسد شخصيات انخرطت في تجارة الرقيق والاستعمار، في أكثر من بلد.

وما يجري في هولندا يمهد الطريق أمام نقاش أوروبي عميق لتسليم تلك الآثار لأصحابها، ومن بينها فرنسا وبلجيكا وألمانيا والدنمارك ودول أخرى.

ففي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أوصى تقرير لجنة هولندية خاصة بتقييم الكنوز والتحف بإعادة أمستردام الآثار إلى دول المنشأ، تلك التي يجري عرضها في عدد من متاحف البلاد، وعلى رأسها متحف الفنون الجميلة "ريكز"  الشهير بمحتوياته من مسروقات مستعمرات هولندا السابقة في آسيا وأفريقيا. وتساند إدارة متحف "ريكز" تسليم الآثار إلى شعوبها الأصلية.

آداب وفنون
التحديثات الحية

تقرير اللجنة الخاصة، والذي يُناقش هذه الأيام، في أروقة الحكومة الهولندية (على أمل اتخاذ قرار بعد انتخابات الربيع المقبل)، يطالب باعتراف رسمي هولندي بأنه "من المجحف وغير العادل" أن تضم متاحف البلاد مقتنيات بشكل غير قانوني. وهو ما عززه دعم عدد من المتخصصين ومتاحف هولندا لتسليمها للشعوب التي سلبت عنوة إرثها الثقافي.

وبحسب تقرير لجنة التوصيات، فإنّ الأمر يتعلق بآلاف القطع النادرة التي حملها المستعمرون الهولنديون معهم، وفقاً لما نقل موقع "آرت نت" بداية فبراير/ شباط الحالي.

ومن بين تلك الموجودات، كما تشير اللجنة، تحتوي متاحف هولندا، على مصنوعات يدوية وتحف تاريخية طبيعية ومصنوعات اثنولوجية وأخرى ترتبط بديانات ومعتقدات الشعوب التي استعمرت، وأشهرها قطعة ألماس يبلغ وزنها 70 قيراطاً، وكانت تخص أحد سلاطين إندونيسيا السابقين.

ومع انتصاف فبراير/ شباط تدخل عملية تقييم الموجودات ومنشأها طوراً عملياً لناحية حصرها بالتزامن مع نقاشات متخصصة، لغرض ترحيلها إلى بلادها الأصلية.

وزيرة الثقافة الهولندية:  كل قطعة يجري التيقن أنها سرقت من مستعمرات هولندا السابقة ستعاد دون أي تحفظ أو شرط

ونقل موقع "آرت نيوز بابير" (صحيفة الفنون) عن الفيلسوف وخبير إعادة تحف الشعوب الأصلية إلى موطنها، جوا فان بويردن، أنّ نقاش هولندا يعتبر "رائداً وتصرفاً تقدمياً للانفصال الجذري عن الماضي الاستعماري، ويجب ألا يقتصر النقاش على ما نهب في الحروب وحقبة الاستعمار من تحف ومقتنيات، بل أن ندخل في النقاش الحساس حول تلك الفترة، حيث يجب ألا يكون مكان للسرقات وعرضها في متاحف البلاد".

وعبرت وزيرة الثقافة والتعليم الهولندية، إنغريد فان إنغلشوفن، عن سعادتها بأن الحكومة الهولندية ستشكل الآن لجنة مستقلة تكون مسؤولة عن عملية تجميع وترحيل المقتنيات التي جرى إحضارها عنوة أو "بسبب اختلال التوازن بين قوة المستعمرين والشعوب الأصلية وتحفهم وآثارهم التي سرقت"، بحسب ما ذهب بيان حكومي.

وعن حجم هذه المقتنيات التي ستسلم لشعوبها أكدت الوزيرة الهولندية أنها "ستشمل كل قطعة يجري التيقن من أنها سرقت من مستعمرات هولندا السابقة (في أفريقيا وآسيا) وستعاد دون أي تحفظ أو شرط".

السجال الهولندي، يأتي في سياق نقاش عالمي أوسع، سرعت منه أحداث ما بعد مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد على يد رجال شرطة بيض، وما تبعه من تظاهرات احتجاجية شملت نخباً ثقافية أوروبية.

وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أكد أثناء زيارته إلى بوركينا فاسو،2017 على أن بلاده ذاهبة لبحث إعادة كل قطعة مسروقة إلى بلدها الأصلي.

يمتد النقاش من هولندا إلى ألمانيا، وبلجيكا، والدنمارك، وبريطانيا، حول الآثار المسروقة فترة الاستعمار.

وتحتضن فرنسا آلاف التحف التي نُهبت من مستعمراتها السابقة، وخصوصاً في أفريقيا التي أكد ماكرون أنه يرفض أن يكون "إرث البلدان الأفريقية في فرنسا، ورغم الظروف التاريخية فمن غير المقبول وغير العادل أن تستمر الأمور على ما هي عليه الآن".

وشهدت متاحف فرنسية احتجاجات عدة، من قبل نشطاء أفريقيين ومحليين مناهضين للاستعمار، عرض كنوز أفريقيا التي حملها المستعمرون من القارة إلى فرنسا خلال الفترة الاستعمارية الطويلة في القارة السمراء. وأكد ماكرون أن "لجنة متخصصة تدرس القضية" كما تفعل هولندا.

ويمتد النقاش إلى ألمانيا، وبلجيكا، والدنمارك، وبريطانيا، حول الآثار المسروقة فترة الاستعمار. وإذا كانت متاحف هولندية أبدت موافقة على إرجاع تلك المقتنيات فإن متاحف أوروبية أخرى تعيش قلقاً من تفريغ رفوفها وقاعاتها من تلك المعروضات، والتي تشكل حجر زاوية في إقبال الجمهور عليها، وهي أيضاً آثار شكلت لعقود هوية تلك المتاحف في عواصم أكثر من دولة أوروبية.

ويبدو أن عملية إرجاع المنهوبات لن تكون سهلة في ظل مخاوف أن يفتح نقاش الإرث الثقافي الباب على نقاشات أعمق، تتعلق بمطالب اعتذار وتعويضات للشعوب التي استعمرت سابقاً.

المساهمون