هتافات الجماهير... أناشيد لا يوقفها سوى دموع الهزيمة

هتافات الجماهير... أناشيد لا يوقفها سوى دموع الهزيمة

23 نوفمبر 2022
نحن موعودون بتشكيلة متنوعة من التشجيع العربي (مايكل ستيل/Getty)
+ الخط -

تغدو هتافات المشجعين في كأس العالم لكرة القدم، عند حصادنا لها، نوعاً من الفن على هامش البطولة. لكنها، على المدرّجات، تشكل حافزاً رئيسياً للاعبين داخل المستطيل الأخضر، وبمثابة مارشات تبث الروح القتالية بهم. إنها أناشيد جمهور كرة القدم التي لا توقفها سوى دموع الهزيمة.
في كل بطولة، تشهد الساحات خارج الملاعب مهرجانات ارتجالية للمشجعين. ومع توافد جماهير الفرق المشاركة في قطر، تتشكل تلك النوتات الحماسية خارج الملاعب، برقصات وصفقات وطبول.
يمكننا وصفها بترانيم كرة القدم، يغنيها المشجعون غالباً أثناء المباريات. وترديدها بالنسبة للمشجعين استعراض للهوية العامة، جنباً إلى جنب مع شعارات الفرق.
وبوصفها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، تتمتع هذه اللعبة المذهلة بالكثير من الميزات الرائعة. وهو ما يجسده كثير من الهتافات، التي يكون بعضها رد فعل على الأحداث داخل الملعب. وتتفاوت تلك الأناشيد الحماسية من أسطر قصيرة تمتاز بالتكرار، أو أناشيد أطول.

كما أن المشجعين يستخدمون هتافات للتقليل من خصم أو استفزازه. ففي مونديال البرازيل 2014، ابتكر المشجعون الأرجنتينيون نشيداً مستفزاً لجمهورر البلد المستضيف. وفيه توعد يذكرهم بمأساة الماركانا حين استضافت البرازيل أول مونديال وخسرته أمام الأوروغواي.
هكذا ردد مشجعو التانغو: "برازيل، أخبريني بماذا تشعرين؟ حين يلعب كبيرك على ملعبك". وهكذا يستمر النشيد في تذكيرهم بمراوغة مارادونا لاعبي البرازيل وتمريرته لكانيجيا، الذي سجل هدف إقصائهم من مونديال إيطاليا 1990، من دون إغفال الرسالة الاستفزازية التي تشير إلى أن مارادونا أفضل من بيليه.
ومثل كثير من الهتافات، ابتكر مشجعو التانغو  نشيدهم هذا على لحن أغنية Bad Moon Rising لفرقة Creedence Clearwater Revival، غير أن بعض أناشيد المشجعين ذات لحن أصلي.
ولدى مشجعي الأرجنتين تشكيلة من الهتافات، أشهرها "فاموس فاموس أرجنتينيا، فاموس فاموس غانار". يمتاز هذا الهتاف بالتكرار والأداء الصوتي العالي. واللافت فيه استخدام مفردة إسبانية Quilombera، التي تعني فوضى، وكذلك البيوت سيئة السمعة.
تجدر الإشارة إلى أن هتافات المشجعين تتغير من وقت إلى آخر. ويعود هذا التقليد إلى أواخر القرن التاسع عشر، أي في فترة مبكرة من منافسات كرة القدم. على أنه أصبح ظاهرة شعبية خلال ستينيات القرن العشرين.

ومع أن الجمهور البرازيلي من بين الجماهير الأكثر شغفاً وعشقاً لكرة القدم، فليس لديهم كثير من الهتافات. وإلى جانب نشيدهم الوطني، ينضم المشجعون لترديد نشيد "أنا برازيلي مع كثير من الفخر وكثير من الحب". وهو نشيد كتبه مدرس برازيلي، قبل ما يزيد عن سبعين عاماً، لمباراة بين طلاب مدرسة برازيليين وطلاب ألمان. لكن كلمات الغناء الهتافي تعرضت إلى تعديلات من قبل المشجعين، بذريعة أن كلماتها عفا عليها الزمن. عدّلوها أيضاً لافتقارها إلى الحيوية الإيقاعية التي تعرف بها الأغاني البرازيلية، وهكذا أضفوا عليها بعض الكلمات السوقية. وفي مونديال البرازيل 2014، وزع بعض المشجعين أوراقاً عليها البدائل المقترحة لبعض الألفاظ قبل المباريات. على أنها لم تكن مجدية حين تعرض البرازيليون لهزيمة قاسية من الألمان في نصف النهائي.
أما بالنسبة لمشجعي المنتخب المكسيكي، فهم يستخدمون هتافاً للاستهزاء من حارس مرمى الخصم. ويستخدمون كلمة من مقطعين، تعني بالإسبانية الفتاة سيئة السمعة، لكن لها تفسيرات مختلفة أيضاً. وحين فتح الفيفا تحقيقاً مع الاتحاد المكسيكي لكرة القدم بشأن هذا السلوك، لم يفضِ الأمر إلى عقاب، واعتبر الاتحاد الدولي لكرة القدم أنها ليست إهانة في هذا السياق المحدد. لكن مشجعي المكسيك استبدلوها لفترة وجيزة بكلمة بيبسي.

ولعل هتافات الأندية هي الأكثر إثارة في عالم كرة القدم، وتختزل كثيراً من الشعارات اللافتة والمميزة، بما في ذلك الدوريات الأوروبية. وأكثر تلك الهتافات إثارة، ذلك المرتبط بجمهور المنتخب الإنكليزي. فموطن ظهور كرة القدم بنظامها المعروف حديثاً، لا يحظى فريقه الوطني بإنجازات دولية كبيرة باستثناء كأس عالم واحدة، حازها الإنكليز في البطولة الوحيدة التي استضافوها عام 1966. يترنم الإنكليز لدعم فريقهم؛ "حربان عالميتان وكأس عالم واحدة". يغنونه على أنغام Camptown Races، وفيه إشارات إلى انتصارات إنكلترا على الألمان في الحربين العالميتين. لكنهم يتجاهلون مساهمة حلفائهم في الحربين الكبيرتين، ويترنمون كما لو أن إنكلترا ما زالت سيدة البحار. يتضمن النشيد نزوعاً شوفينياً ساذجاً، لم يعد يثير حساسية الألمان المتفوقين لجهة الإنجازات الكروية في البطولات الدولية. ولدى الإنكليز في مونديال قطر جيل قوي ينصبه بين أقوى الفرق المرشحة للفوز في البطولة الحالية.
خلافاً للإنكليز، لم يشارك الإسبان في الحربين العالميتين. وبينما كانت أوروبا تخوض الثانية، كانت إسبانيا تخوض حربها الأهلية في عهد الجنرال فرانكو. لكن، أخيراً، برزت الكرة الإسبانية قوةً عالميةً بعد تحقيقها اللقب الوحيد في جنوب أفريقيا 2010، لتتساوى مع الإنكليز في ما يتعلق بلقب وحيد لكأس العالم.

بالنسبة للجمهور الفرنسي، فهم حاضرون في قطر ليشجعوا حامل اللقب، وعلى أمل أن يحافظ فريقهم على لقب حازه في مونديال روسيا 2018. لكنهم لن يترنموا كما الإنكليز: حربان عالميتان ولقبا كأس عالم. فالحرب العالمية الثانية شهدت إذلالاً فرنسيا من الألمان. ولديهم نشيدهم المستلهم من لون قمصان منتخبهم الوطني الأزرق. "امضِ أيها الأزرق". لكنه يبدو غامضاً من دون نطق واضح، كأنه ثلاثة أصوات متحركة. وعلى الأغلب، يشبه ما تفتقر إليه الأوبرا الفرنسية في التعبير الدرامي، لكن من دون أن يكون على صلة بعبادتهم المنطق الصوتي المعروف في لغتهم؛ إذ إنه ملتصق بنشوة جمهور كرة القدم.

على صعيد آخر، ما زالت الولايات المتحدة تفتقر إلى حضور كروي، يتوافق مع حضورها السياسي والاقتصادي كأكبر قوة عالمية. على أن جمهوراً مثل جمهورها، يمتلك شعار الفوز، ربما يردد الهتاف الذي ظهر أول مرة في البرازيل: "أعتقد أننا سنفوز" (I Believe That We Will Win).
يبدأ الهتاف ببطء على وقع طبول: "بوم... بوم"، ثم تصفيق بضربات متباعدة، لكنه يتسارع مع تقارب دقات الطبول من بعضها.وفي مونديال قطر، نحن موعودون بتشكيلة متنوعة من التشجيع العربي، باعتبارها أول بطولة كأس عالم يستضيفها بلد عربي. فإضافة إلى الأنماط المتعارف عليها التي سترافق منتخبات قطر والسعودية وتونس والمغرب، هناك طبول تشارك من بلدان عربية مختلفة لتؤازر المنتخبات العربية. وأيضا لتعطي البطولة مسحة عربية كاملة الأركان، بأصواتها ومزيجها الثقافي المتعدد.

المساهمون