مودي يلوي ذراع "تويتر" و"يوتيوب"

مودي يلوي ذراع "تويتر" و"يوتيوب"

27 يناير 2023
الفيلم يدقق في دور مودي خلال أعمال الشغب المناهضة للمسلمين عام 2002 (سانجيف فيرما/Getty)
+ الخط -

بعد أيام من حظر الهند فيلماً وثائقياً من إنتاج "بي بي سي"، يدقق في دور رئيس الوزراء ناريندرا مودي خلال أعمال الشغب المناهضة للمسلمين عام 2002، أسرعت السلطات الأربعاء لوقف عرضه في الكليات والجامعات، وتقييد نشر مقاطع منه على وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة تعرضت لانتقادات، ووصفت بأنها اعتداء على حرية الصحافة.

لم تبث "بي بي سي" الفيلم الوثائقي "الهند: سؤال مودي"، المكون من جزءين في الهند، لكن الحكومة الفيدرالية هناك منعته خلال نهاية الأسبوع الماضي، كما حظرت مشاركة مقاطع منه على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتماداً على سلطات الطوارئ، بموجب قوانين تكنولوجيا المعلومات. وامتثل تطبيقا تويتر ويوتيوب لطلب الحكومة الهندية، وأزالا روابط الفيلم الوثائقي.

ذكّر الجزء الأول من الفيلم الوثائقي بالفترة الأكثر إثارة للجدل في مسيرة مودي السياسية، عندما كان رئيساً لوزراء ولاية غوجارات الغربية عام 2002. وركز على أعمال الشغب الدامية المعادية للمسلمين التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص.

الأسبوع الماضي، وصفت الخارجية الهندية الفيلم الوثائقي بأنه "دعاية تهدف إلى الترويج لرواية مشوهة تفتقر إلى الموضوعية"، كما انتقدت "التحيز" و"العقلية الاستعمارية المستمرة". وندد كبير المستشارين في وزارة الإعلام والإذاعة الحكومية، كانشان غوبتا، بالفيلم، ووصفه بأنه "قمامة معادية للهند". وقال إن "تويتر" و"يوتيوب" تلقتا أوامر بحظر روابط الفيلم، وأكد أنهما "امتثلتا للتوجيهات".

من جهة ثانية، أكدت "بي بي سي" أن الفيلم الوثائقي "خضع لبحث دقيق" وشمل مجموعة واسعة من الأصوات والآراء. وأضافت في بيان: "عرضنا على الحكومة الهندية الحق في الرد على المسائل التي أثيرت في الفيلم الوثائقي، لكنها رفضت".

وما أثار قلقاً أكبر وسط هذا الاستنفار على الفيلم الوثائقي هو التنسيق بين الحكومة الهندية وبين عمالقة التكنولوجيا، وتحديداً "تويتر" و"يوتيوب". وفي هذا السياق، قال الصحافي الهندي، رقيب حمدي نايك، لموقع ذي إنترسبت الإخباري، الأربعاء: "وجهت الحكومة الهندية مئات الطلبات إلى منصات مختلفة للتواصل الاجتماعي، وتحديداً يوتيوب وتويتر، لحذف المنشورات التي تتضمن مقتطفات من الفيلم الوثائقي أو روابط له". وأضاف: "من المعيب أن الشركتين امتثلتا لمطالب السلطات وأزالتا الكثير من المشاركات ومقاطع الفيديو". وأشار إلى أن "الفيلم الوثائقي أثار قلق مودي لأنه يواصل التهرب من المساءلة عن تواطؤه في أعمال العنف. إنه يرى في الفيلم الوثائقي تهديداً لصورته دولياً، وقد شن حملة غير مسبوقة ضده في الهند".

هذا النوع من الرقابة الذي يتضمن تعتيماً على جرائم ضد الإنسانية ارتكبها زعيم سياسي أجنبي تثير مخاوف بشأن ممارسات "تويتر"، لا سيما في ظل إدارتها الجديدة، إذ استحوذ عليها الملياردير إيلون ماسك، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مقابل 44 مليار دولار.

ردد ماسك، المالك أيضاً لشركتي سبيس إكس وتِسلا، مزاعمه بأنه "مؤيد بالمطلق لحرية التعبير". أحدثت هذه النقطة جدلاً واسعاً، وتمحورت حول إمكانية استغلال هذا التوجه في منح منبر للمتطرفين والعنصريين وغيرهم. وبينما عبّر ماسك عن فخرة بالتصدي للقمع الذي واجهه المحافظون في الولايات المتحدة على منصات التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي وصفه بأنه ليس أقل من "معركة من أجل مستقبل الحضارة"، يبدو أنه يفشل في تحد أكثر خطورة، وهو التصدي لطلبات القمع من الحكومات الأجنبية. ماسك حاول طبعاً تبرير الموقف الذي اتخذته "تويتر" إزاء الفيلم الوثائقي في الهند، إذ غرّد: "لا يمكنني إصلاح كل ما يتعلق بتويتر، في أنحاء العالم كافة، بين عشية وضحاها، وسط انهماكي بتشغيل تسلا وسبيس إكس وغيرهما".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

أما المتحدث باسم "يوتيوب"، جاك مالون، فقال لـ"ذي إنترسبت" إن روابط الفيلم الوثائقي حذفت من المنصة بسبب مطالب من "بي بي سي" تتعلق بحقوق الطبع والنشر. لكنه رفض التعليق على الطلبات التي قدمتها الحكومة الهندية.

في مواجهة هذه الرقابة على الفيلم الوثائقي، نشر عضوا البرلمان الهندي من حزب ترينامول المعارض، ماهوا مويترا وديريك أوبراين، روابط له على شبكة الإنترنت. منشور مويترا لا يزال متاحاً على "تويتر"، لكن رابط الفيلم لا يعمل. أما منشور أوبراين فحذف كله. حتى أن "تويتر" منعت المستخدمين الهنود من الاطلاع على منشورين للممثل جون كوزاك عن الفيلم الوثائقي. وقال كوزاك، لـ"ذي إنترسبت" أيضاً: "تلقيت إشعارين يعلمانني بأنني ممنوع في الهند". السينمائي الأميركي ألف كتاباً عنوانه "ما يمكن وما لا يمكن قوله" Things That Can And Cannot Be Said مع العالمة الهندية الشهيرة أرونداتي روي، وهي من أشد المنتقدات لحكومة مودي.

مارست حكومة الهند الضغط بانتظام على "تويتر"، في محاولة للي ذراعها. في مرحلة ما، هددت الحكومة باعتقال موظفي "تويتر" في البلاد، بسبب رفضهم حظر الحسابات التي يديرها منتقدون. قبل تولي ماسك زمام الأمور، كان لدى "تويتر" معدل امتثال بنسبة 20 في المائة للطلبات الحكومية الهندية. لكنه حين استحوذ على الشركة، سرح نحو 90 في المائة من موظفيها في الهند، البالغ عددهم نحو 200 موظف، وفقاً لـ"ذي إنترسبت". ويبدو حالياً أنه يتجه أكثر فأكثر نحو الخضوع للحكومة الهندية. قد يكون سبب الخضوع هو تشابك أعمال ماسك الأخرى. إذ لديه مصالح تجارية خاصة به في الهند، حيث تحاول شركته تِسلا الضغط من أجل إعفائها من الضرائب للدخول إلى السوق.

في السياق نفسه، تعرضت شركة غوغل، المالكة لمنصة يوتيوب، لضغوط شديدة من الحكومة الهندية. تُظهر تقارير الشفافية العامة للشركة أن الحكومة الهندية وجهت أكثر من 15 ألف طلب لحذف منشورات منذ عام 2011، مقارنة بأقل من 5 آلاف طلب قدمتها ألمانيا مثلاً ونحو 11 ألف طلب للولايات المتحدة الأميركية، في الفترة الزمنية نفسها. بين يناير/ كانون الثاني ويونيو/حزيران من عام 2022، فرضت "غوغل" رقابة على 9 في المائة من المنشورات التي احتجت عليها الحكومة الهندية.

إلى ذلك، لم تتوقف الحملة التي أطلقتها الحكومة الهندية على منصات الواصل الاجتماعي، إذ قطعت جامعة جواهر لال نهرو في العاصمة نيودلهي الكهرباء والإنترنت عن الحرم الجامعي الثلاثاء، قبل أن يعرض اتحاد الطلبة الفيلم الوثائقي، قائلة إن من شأنه أن يتسبب في تكدير السلم فيها. إلا أن الطلاب تمكنوا من مشاهدة الفيلم الوثائقي على الأجهزة الخاصة بهم، بعد مشاركته على خدمات المراسلة مثل تليغرام وواتساب. وأثار الفيلم الوثائقي قلقاً في جامعات هندية أخرى أيضاً، إذ أطلقت السلطات في جامعة حيدر أباد، جنوبي الهند، تحقيقاً، بعدما عرضت مجموعة طلابية الفيلم الوثائقي المحظور. وفي ولاية كيرالا الجنوبية، نظم أعضاء من حزب مودي، بهاراتيا جاناتا، تظاهرات الثلاثاء، بعد أن تحدت بعض المجموعات الطلابية المنتسبة لأحزاب سياسية منافسة الحظر وعرضت الفيلم.

يذكر أن السلطات الهندية اعتمدت عملية ترهيب ممنهجة بحق الصحافيين المحليين الذين ينقلون جانباً من الفظائع والانتهاكات التي تستهدف المسلمين في البلاد. إذ حظرت قنوات تمنح مساحة للمسلمين للتعبير عن القمع الذي يتعرضون له، ولاحقت الصحافيين المسلمين الذين يغطون انتهاكاتها، وسعت إلى تقييد حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

المساهمون