معبد خنوم الفرعوني: تحفة على ضفة النيل الغربية

معبد خنوم الفرعوني: تحفة على ضفة النيل الغربية

30 نوفمبر 2020
من المنتظر انتهاء أعمال الترميم في 2021 (Getty)
+ الخط -

يتأهب "معبد إسنا" (معبد خنوم) ليظهر أمام الناس مجدداً في حلة بهية تناسب تاريخه العريق ومكانته الأثرية، باعتباره واحداً من أكثر المعابد المصرية جمالاً وخلوداً، بعدما دخلت عمليات الترميم والتنظيف مراحلها الأخيرة. ووفقاً لـ"المجلس الأعلى للآثار" في مصر، فإن التركيز حالياً منصب على ترميم الجدران وتنظيفها وتثبيت الألوان وإعادة تركيب بعض البلوكات الحجرية التي تساقطت عبر الزمان وإزالة الطبقات الكربونية السوداء والأوساخ والأملاح العالقة على الجدران والأعمدة والسقف، من أجل إظهار المناظر المرسومة بألوانها الأصلية. والمناظر كاملة في حالة جيدة من الحفظ، وهو ما يتفرد به المعبد.

تقع مدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر بنحو 55 كيلومترا. و"معبد خنوم" هو أهم معالم المدينة، وهو أحد أربعة معابد كانت موجودة فيها، ولكن لم يتبق منها غير هذا المعبد الذي يوجد على الضفة الغربية لنهر النيل. يرجع اكتشاف المعبد إلى سنة 1843، في عصر محمد علي باشا، وقبل ذلك التاريخ دوّن عالم المصريات الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، سنة 1828، أنه زاره ورأى نقوشاً فيه تحمل اسم الملك تحتمس.

"معبد خنوم" يقع في إسنا وهو أهم معالم المدينة وأحد أربعة معابد كانت موجودة فيها على الضفة الغربية لنهر النيل

أشهر الآراء حول تاريخ المعبد القائم حالياً يذهب إلى أنه شُيِّد في زمن الملك بطليموس السادس (186 ــ 145 قبل الميلاد) المعروف باسم فيلوميتور. وفي العصر الروماني أضيفت للمعبد مجموعة من الإنشاءات الأخرى، كتلك القاعة التي ترجع لعصر الإمبراطور كلوديوس (10 قبل الميلاد ــ 54 ميلادي)، كما أضيفت زخارف ونقوش الصالة في عصور عدة أباطرة رومانيين آخرين، آخرهم كان تريانوس دكيوس (201 ــ 251 ميلادي). ويرجّح الأثريون أن المعبد في صورته الأخيرة أقيم على أطلال معبد قديم يرجع إلى زمن الملك تحتمس الثالث، أي في عصر الأسرة 18، وربما يعود المعبد القديم إلى الأسرة 12، وأعيد بناؤه في عهد الأسرة 26. 

خُصص المعبد قديماً لعبادة "خنوم" وزوجتيه "منحيت" و"نيبوت". و"خنوم" في عقيدة "إسنا" القديمة هو الإله الخزّاف وخالق البشر من الصلصال وسيد "إسنا"، ويرمز إليه بتمثال له جسد إنسان ورأس كبش. أما زوجته "منحيت" فقد صُوِّرت بجسد امرأة لها رأس لبؤة يعلوها قرص شمس، في حين صورت "نيبوت" بجسد امرأة يعلوها قرص الشمس بين قرنين. 

تنخفض أرضية المعبد إلى عمق تسعة أمتار تقريباً، ويُنزَل إليه بسلم صنع حديثاً، وهو يتكون من صالة مستطيلة الشكل توصف بأنها من أجمل صالات الأعمدة في مصر، ويحمل سقفها 24 أسطوانة بارتفاع 13 متراً، وتمتاز عمارتها المتناسقة بالنمط السائد في العصرين اليوناني والروماني. الجدران والأسطوانات والسقف جميعها مزخرفة بنقوش نباتية جميلة وملونة، وهي في حالة جيدة من الحفظ. 

أما الواجهة فهي ذات حوائط نصفية، وهو طراز معماري شاع في العصور المتأخرة يعرف باسم الأعمدة المتصلة، وقد تكون وظيفته ستر من بداخل المعبد أثناء تأدية الطقوس الدينية من أجل الحفاظ على أسرارها. ويوجد في الجزء الجنوبي من الواجهة عدة مناظر للإمبراطور تيتوس (39 ــ 81 ميلادي) في هيئة فرعونية تصوّر إيمانه بآلهة المعبد وتقديمه للقرابين لها وتتويجه إمبراطوراً برعايتها. 

الجدران الداخلية والخارجية للمعبد قسمت إلى أربعة صفوف، في كل واحد منها سُجِّل منظر متكامل، وبعض تلك المناظر تصوّر الملوك البطالمة والأباطرة الرومان في هيئات فرعونية وهم يقدمون الهبات والقرابين والزهور المقدسة إلى إله المعبد خنوم وإلى زوجتيه وكذلك إلى بعض الآلهة الأخرى.

"خنوم" في عقيدة "إسنا" القديمة هو الإله الخزّاف وخالق البشر من الصلصال وسيد "إسنا"، ويرمز إليه بتمثال له جسد إنسان ورأس كبش

والمناظر الداخلية للمعبد تتعلق أغلبها بتفاصيل الديانة المصرية في تلك الفترة، وتتكون النقوش من مؤلفات دينية، ونصوص عن خلق العالم وأصل الحياة، بالإضافة إلى التضرعات والتراتيل الدينية وأعياد الإله "خنوم" ومناظر فلكية. وهناك مناظر حول تأسيس المعبد ومناظر سحرية تصور عمليات صيد الأرواح الشريرة وقتلها وهزيمة الأعداء. 

يذكر أن الجداريات التي يمتاز بها "معبد إسنا" قد عانت طويلاً من تجمع طبقات سميكة من الأتربة والأوساخ والسواد، بالإضافة إلى مخلفات الطيور والخفافيش، وعشش العناكب وتكلسات الأملاح، غير أن عمليات الترميم التي بدأت في أواخر عام 2018 أعادت للمعبد كثيراً من رونقه. ومن المقرر استمرار أعمال الترميم حتى عام 2021، بعدما بدأت أخيراً البعثة المصرية الألمانية المشترك وقسم المصريات في "جامعة توبنغن" الألمانية أعمال الموسم السادس.

المساهمون