مسلسل "ميردرفيل": لعب وعبث وست جرائم مرتجلة

مسلسل "ميردرفيل": لعب وعبث وست جرائم مرتجلة

09 فبراير 2022
لا يخلو المسلسل من لحظات المتعة والمفاجأة (نتفليكس)
+ الخط -

أطلقت "نتفليكس" في الثالث من الشهر الجاري، مسلسلها الجديد، Murderville، استنادًا إلى مسلسل BBC البريطاني الشهير Murder in Successville (2015 ــ 2017)، الذي لم يسبق أن تم اقتباسه تلفزيونيًا، على الرغم من كونه واحدًا من أكثر إنتاجات العقد الماضي التي لاقت احتفاءً.
يجمع مسلسل "نتفليكس" الجديد بين المحاكاة الساخرة لمسلسلات الجريمة وبرامج الواقع والمقالب الكوميدية، التي تتطلب إبرام عقد وهمي مفاده مجاراة اللعب والعبث. إلا أن العنصر الأكثر أهمية في بنائه، المستمد في كليته من سابقه البريطاني؛ فيتمثل في كوميديا الارتجال؛ إذ تقدم حلقات الموسم الأول ست جرائم، يتولى حلها المحقق تيري سياتل (ويل آرينت)، برفقة ضيف مختلف في كل حلقة، بوصفه المتدرب الجديد. إلا أن الضيوف الستة، على عكس آرينت، ليسوا على علم بسيناريو الحلقة، فيمضون برفقة سياتل أكثر من نصف الساعة، كلها مرتجلة، لحل اللغز عبر استجواب المشتبهين وزيارة مواقع الجرائم، قبل الكشف النهائي عن مرتكب الجريمة، حيث ينتهي بهم الأمر للاختيار بين ثلاثة مشتبهين، على أن يخطئوا أو يصيبوا في حكمهم النهائي.
تُسقط النسخة الأميركية، كما هو واضح من العنوان، عمودًا أساسيًا كانت تستند إليه تلك البريطانية؛ إذ تقع أحداث نسخة الـ "بي بي سي" في بلدة متخيلة، ساكنوها هم من المشاهير فقط، الأمر الذي يضفي على المسلسل بعدًا أكثر تهكمية، ويعمق سخريته من مجتمع الشوبيز ووجوهه الأشهر، في حين تتخلى نسخة "نتفليكس" عن مرجعيات عالم الترفيه، وتكتفي بتصوير بلدة واقعية إلى حد ما، تستضيف فيها وجوه الصناعات الترفيهية، وعلى رأسهم كونان أوبراين.
وبعيدًا عن التغييرات التي أجريت على بنية السيناريو الأميركي، يبدو واضحًا لمن شاهد الإنتاجين، أن النسخة الأميركية تبدو أقل جرأة ومتانة، خاصة من ناحية التمثيل، ففي حين تفتح فرضية الارتجال احتمالات لامتناهية أمام الضيوف الستة، وهم كونان أوبراين، وشارون ستون، ومارشون لينش، وكين جيونغ، وآني ميرفي، وكميل نانجياني، إلا أن قلة منهم تتلقف تلك الفرصة، إذ تتفاوت مستويات الضيوف بين كل حلقة وأخرى، ويبدو الارتجال في غالبه ركيكًا وأشبه بالتهرب من النكتة بدلًا من رفعها إلى مستوى أعلى، فضلًا عن أن تكرار بعض المواقف على طول المسلسل وصب كل حلقاته في قالب واحد ثابت، كتلقين آرينت الجمل لمتدربيه عبر السماعة الخفية، يسمح للملل بأن يسيطر على المشاهد أحيانًا، أمر يتداركه صناع المسلسل حينًا، ويقعون ضحية رتابته حينًا آخر.


ومع كل ما سبق، لا يخلو المسلسل من لحظات المتعة والمفاجأة؛ فجهل المشاركين بما هم قريبون منه، يعيد الحماس الذي قد يخبو أحيانًا بفعل الإعادة والتكرار، ويخلق نوعًا مختلفًا من المتعة، ذلك الذي نتوقعه عند مراقبة سلوك أشخاص مختلفين يتم وضعهم في ذات الموقف، كأن يرسل المحقق سياتل مارشون لينش إلى غرفة أحد المشتبهين، بوصفه موزع الورق في لعبة البوكر، حين يجهل هذا الأخير كيفية اللعب، وأن تضطر آني ميرفي إلى مواجهة زعيم عصابة لتشرح له عن طريقة عمل الفطائر وهي لا تعرفها، أو أن يطلب كميل نانجياني من آرينت تقليد اللهجة الباكستانية من دون سابق إنذار، في حين يُجبر كونان أوبراين، الذي لقي الاحتفاء الأشد بين كل ضيوف الحلقات، على تناول شطيرة حارة أثناء استجواب إحدى المشتبهات.
أما ويل آرينت، فهو ذروة الاستعارة الساخرة عن المحقق متوسط الجدارة والكفاءة، الصورة النمطية الشائعة عن رجال الشرطة في الأعمال الرائجة، إذ يبدو رجلًا تجاوز منتصف عمره، يعاني حتى اليوم من خسارة شريكته في المكتب قبل 15 عامًا؛ مأساة ساخرة تجسدها صورة معلقة للممثلة جنيفير آنستون. الرجل الأخرق المحرج لذاته ولمن حوله، دائم البحث عن فرصة عاطفية. يقود آرينت، المعروف عنه أداؤه لشخصية بوجاك هورسمان في المسلسل الذي يحمل ذات العنوان، حلقات ميرديرفيل بأسرها، ومعها ينظم سير الارتجال ويحاول توجيهه والاستجابة له قدر الإمكان، وهو ينجح في تلك المهام حينًا، ويفشل في أدائها أحيانًا أخرى. إلا أن العنصر الأشد إضحاكًا عبر المسلسل، يتمثل في قصص الجرائم التي تبدو كحبكات مفتعلة وطفولية، محاكاة لأفعال جرائمية عنيفة لكنها مضحكة في آن معًا، لا تحتاج إلى مجهود ذهني أكثر مما يتمتع به سياتل أو أي من ضيوفه المتدربين الجدد. وعلى الرغم من بساطة الألغاز الشديدة، إلا أن المسلسل ينجح غالبًا في إخفائها عن أعين المشاهدين التي تنشغل بمتابعة الكوميديا المقدمة عبر المشهد، بدلًا من الاهتمام بحيثيات الجريمة الهزلية.

تشكل لحظات الواقع التي يقترحها المسلسل شرخًا بين ما هو تمثيلي وما هو حقيقي، أمر تذكّر مشاهده بتقنيات المسرح، فيحتفظ المتدربون بأسمائهم الحقيقية، لكنهم يتخذون لها هويات أخرى، ويخرج الممثلون عن أدوارهم، فيخفون ضحكة على ما اكتشفوه للتو، أو على ما قيل لهم أن يتفوهوا به عبر سماعة خفية تُزرع خلف أذن كل متدرب قبل مضيه للقيام بعمله كمحقق متخفٍ. يبالغ المرتجلون في أداء جملة ما بغرض السخرية مما هو خلفها، مستندين بشكل كبير إلى الفكاهة المرجعية الذاتية Meta humor، يقدمها بشكل خاص سياتل الذي يلقي بنكات مستترة ومتضمنة عن سلوك الشرطة في الحياة اليومية، وانعكاس هذا الأخير على الأعمال الفنية.
في النهاية، تنجح "نتفليكس" في تقديم تجربة مغايرة لمشاهديها، تجربة لن تكون مناسبة للجميع، إلا أنها، حتمًا، تطرح سؤالًا هامًا عن الأشكال الممكنة للكوميديا اليوم.

المساهمون