"مزرعة كلاركسون"... الريفي في أسلوبه المتأخر

"مزرعة كلاركسون"... الريفي في أسلوبه المتأخر

06 مارس 2023
يتورّط كلاركسون في حلقة بيروقراطية مفرغة كي يفتتح مطعماً (أمازون)
+ الخط -

بثت شبكة أمازون برايم، أخيراً، الموسم الثاني من مسلسل "مزرعة كلاركسون" (Clarkson's Farm)، الذي يتابع فيه الصحافي البريطاني، جيرمي كلاركسون، المضيف السابق لبرنامج Top gear، مغامراته في المزرعة التي اشتراها في الريف البريطاني، ليتوسع عمله ويتجه نحو الأبقار والدجاج، وزراعة محاصيل مختلفة، مكتشفاً صعوبة حياة المزارعين، وحالتهم المالية المتردية، بعد انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. 
لا يكتفي هذا الموسم بالتعليق على حياة "المزارع"، بل هو أشبه بقراءة سياسية لما يشهده العالم بشكل عام، وبريطانيا بشكل خاص، إذ تحضر الحرب الروسية على أوكرانيا، والتعليقات على "جنون" بوتين، إلى جانب الخسارة التي يشهدها المزارعون بسبب بريكست، خصوصاً صناعة اللحوم، وغياب دعم الدولة للمحاصيل، إلى حد أن بعضهم يعمل مجاناً من أجل الاستمرار.
يعلق المسلسل أيضاً على القوانين التي تضبط حياة المزارعين، وتهدد محاصيلهم بحجة حماية البيئة الطبيعيّة، إذ يبدأ الأمر بحيوان الغرير، والتهديد الذي يشكله على الأبقار، كونه ينقل لهم مرض تصلب الشرايين، الذي يهدد كل ما تنتجه البقرة، ناهيك عن أنه لا يمكن صيده أو إبعاده، كونه محميّاً بالقانون، ما يترك المزارعين أسرى مزاج الغرير وأسلوب تنقله في الحقل.


يحاول كلاركسون إيجاد حل للمحاصيل واللحم الكاسد، عبر افتتاح مطعم ريفي، لكن مجلس القرية يقف في وجهه ويمنعه، من دون أي مبرر سوى "الحفاظ على المناظر الطبيعيّة"، التي نكتشف أثناء المسلسل أنها ليست إلا حجة واهيّة، خصوصاً أن المطعم سيعود بالنفع على الجميع؛ تجار الحليب واللحم والمزارعين، فكل الأطباق التي ستقدم مصنوعة من مكونات محليّة، لكن لا، مجلس المدينة يرفض، ليس خوفاً على الطبيعة، بل مظهر الطبيعة.
يكشف هذا الموسم عن الصعوبات البيروقراطية التي يواجهها المزارعون، وكل ما يقف في وجههم ويهدد عملهم. صحيح أن كلاركسون يضحك ويلعب أغلب المسلسل، كونه في النهاية ليس مزارعاً، لكنه يكشف لنا عن التهديد الذي تخضع له هذه المهنة التي، ببساطة، هي المورد الرئيسي للأكل على طاولات الطعام في بريطانيا.
يفقد كلاركسون أعصابه في العديد من الأحيان، إلى حد أنه نهار افتتاح المطعم، وبعد التحذلق حول القانون، يغادر فجأة موقع التصوير بسبب تقصير بعض العاملين، تاركاً فريق التصوير وحده، ليعود بعدها متمالكاً أعصابه، غاضباً من بلاهة بعض القوانين التي حرفياً تقطع الأرزاق، وتهدد استمرار العمل.
يبدو المسلسل كأسلوب متأخر لمسيرة كلاركسون، هو الذي قضى سنوات في السيارات السريعة وحول العالم يغامر على الطريق، نراه اليوم في الريف، بعيداً عن أي مخاطر، يدلل هوايته أو مهنة تقاعده إن صح التعبير، إذ لا سيارات سريعة ولا سباقات، مجرد آليات زراعية تمشي ببطء وتنصاع لإيقاع العمل والطبيعة، ليست الرغبة بالقيادة بأقصى سرعة، علمناً أنه يستخدم اللامبرغيني الخاصة به في إحدى الحلقات مُستعيداً صورته القديمة كسائق ماهر على الطرقات الإسفلتية، تلك التي تتلاشى أمام حماقته وعجزه عن قيادة حصّادة ضمن حقل قمح. 
يحاكي المسلسل بصورة ساخرة بعض الأحداث الراهنة، إذ يعيد كلاركسون مع مساعده إنتاج الصورة الشهيرة التي جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفلاديمير بوتين، حين جلسا إلى طاولة كبيرة لمناقشة الحرب على أوكرانيا، كما يحاول استعادة مسابقات تذوق الفليفلة الحادّة، التي تملأ بالسعال والصراخ والتي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعيّ. وهنا المفارقة في المسلسل، إذ استطاع كلاركسون أن يخاطب الأحداث العالمية ويعلق عليها وهو في مزرعة قصيّة في الريف الإنكليزي، بعيداً عن كل شيء، وهذا بالضبط ما لم نشاهده بوضوح في سلسلة Top gear ذائعة الشهرة.
يحافظ كلاركسون على مغامرات الرجال وألعابهم في هذا المسلسل. ففي Top gear، نحن أمام نادٍ رجالي صغير يحوي السيارات السريعة والمغامرات والقفشات، وفي المزرعة نحن أمام مزارع أخرق يحاول أن ينجز كل شيء بيده، رغم يقينه بأنه عاجز عن ذلك. في كلا التجربتين تظهر الرجولة بصورتها الناعمة والساخرة البعيدة عن الانفعال، والأقرب للعب الساذج. 

المساهمون