ماريو كلينغمان... ناقد فني يتّخذ هيئة كلب

ماريو كلينغمان... ناقد فني يتّخذ هيئة كلب

13 ابريل 2024
أطلق كلينغمان على روبوته الناقد اسم AICCA (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في تعاون مع Onkaos، قدم الفنان ماريو كلينغمان روبوت ناقد فني يدعى AICCA في متحف سولو بمدريد، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الأعمال الفنية ويقدم نقده بطريقة غير تقليدية.
- كلينغمان يأمل أن يفتح روبوته آفاقاً جديدة في النقد الفني، مقترحاً منظوراً بديلاً وغير تقليدي للنقد، ويدعو لعدم أخذ كل شيء على محمل الجد والتفتح للتعبيرات الجديدة.
- المبادرة تطرح تساؤلات حول مستقبل النقد الفني والعلاقة بين الفنان والناقد في ظل تنامي الذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى منعطف جديد قد يدفع حدود التعبير الإبداعي نحو مساحات غير متوقعة.

في عمله الأخير الذي أنجزه بالتعاون مع إحدى المؤسسات المعنية بالذكاء الاصطناعي (Onkaos)، يتجاوز الفنان الألماني ماريو كلينغمان (Mario Klingemann) العلاقة الحيوية والمعقدة أحياناً بين الفنان والناقد عبر عمله الأدائي الذي عرضه في متحف سولو في مدريد. يمثل العمل روبوتاً ناقداً يستطيع تحليل الأعمال الفنية عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي. أطلق كلينغمان على روبوته الناقد اسم AICCA، وهو اختصار لـArtificially Intelligent Critical Canine.

يمسح هذا الروبوت محيط قاعة العرض الفني، ويقارن العمل الفني المحدد وفق معرفته ومعلوماته المخزنة في قاعدة بيانات ضخمة لتاريخ الفن. يتولى الروبوت تقييم العمل عن طريق فحص التكوين والأشكال والعناصر، ثم يولّد الخادم الكلمات الأساسية بناءً على التحليل، الذي يُصاغ إلى نص عن طريق برنامج المحادثة الآلي "تشات جي بي تي".

يتوقع كلينغمان أن تحدث هذه التقنيات تحولاً في التعاطي مع النصوص النقدية، ما يفتح لنا المجال لاستكشاف جوانب مختلفة ووجهات نظر متنوعة، كما يأمل أيضاً بأن تُرسل الغاليريهات والمؤسسات الفنية الدعواتِ مستقبلاً إلى روبوته الناقد، لتقديم وجهة نظره في العروض التي تنظمها.

هناك شيء آخر في هذا الابتكار قد لا يستسيغه البعض، فالروبوت الناقد الذي ابتكره الفنان الألماني مُصمَم على هيئة كلب. أما النص النقدي، فيخرج مطبوعاً على ورقة تشبه الفاتورة من مؤخرته. لا بد أن أي ناقد فني سيقرأ هذا الوصف للروبوت الناقد الجديد سيتململ في مكانه، فالأمر لا يخلو بالطبع من السخرية والنقد اللاذع لدور الناقد وطبيعة عمله.

ينفي كلينغمان هذه الدلالات الرمزية التي قد يشير إليها هذا الروبوت، ويرى أن الأمر لا يتجاوز التعبير الذي لا يخلو من الطرافة، كما يدعونا إلى عدم أخذ كل شيء على محمل الجد. بالنسبة للفنان الألماني فإن الأمر لا يتعلق بتحدي النقاد بقدر ما يمثل رغبة في اقتراح منظور بديل وغير تقليدي.

بعيداً عن هذه الدلالات الملتبسة التي يثيرها عمل كلينغمان، فهل يمكن حقاً أن يغنينا الذكاء الاصطناعي عن دور الناقد؟ تساؤل قد يطرح نفسه في مقابل تساؤل آخر بدا ملحاً واستفزازياً خلال الفترة الأخيرة حول الأعمال الفنية المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتي تعتمد على النصوص في تخليق الصور. بعد انتشار هذه التقنية، وجدنا أنفسنا أمام سيل من التحليلات التي تفسر أو تتنبأ بنهاية متوقعة للفن كما نعرفه.

على مستوى النقد الفني، قد تواجهنا أيضاً التخوفات والتساؤلات نفسها حول دور الناقد، والتحول الذي يمكن أن يطرأ على علاقته بالفنان، بناءً على التنامي المتوقع لمثل هذه التقنيات مستقبلاً. فهل يمكن للذكاء الاصطناعي حقاً إنهاء هذه العلاقة التقليدية والمتينة بين الفنان والناقد من خلال إدخال كيان غير بشري في عملية النقد؟ وهل تستطيع هذه التقنيات أن تفهم حقاً عمق وتعقيد الإبداع البشري، وتقديم رؤى تتناسب مع الفروق الدقيقة والذاتية لوجهات نظر النقاد؟ تساؤلات كثيرة ستواجهنا لا نمتلك الإجابة عن العديد منها، لكنها تعكس تخوفاتنا إزاء تنامي تقنيات الذكاء الاصطناعي.

على الرغم من أن هذه المحاولات جميعها لا تزال في طور التكوين، ويتسم أغلبها بالسذاجة أحياناً، غير أن من المؤكد أننا نقف على أعتاب منعطف جديد ومثير. إن الأدوار التي يضطلع بها كل من الفنان والناقد لا غنى عنها، ولا يمكن استبدالها بمنظومة من الخوارزميات الرقمية، فالفن هو نسيج من التجارب الإنسانية، والفروق الثقافية الدقيقة، والسياقات التاريخية التي قد تستعصي حتى على أكثر أنواع الذكاء الاصطناعي تطوراً. ومع هذا يمكن أن تكشف هذه القدرة الفائقة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من المعلومات المتعلقة بتاريخ الفن والأنماط الإبداعية عن روابط جديدة ووجهات نظر بديلة. في هذه الحالة، يمكن أن يقدم الذكاء الاصطناعي مستوى جديداً ومختلفاً لهذه العلاقة، إذ يتعايش الفنانون والنقاد مع التكنولوجيا، ما يساهم في دفع حدود التعبير الإبداعي نحو مساحات غير متوقعة.

ربما وجب علينا أن نؤهل أنفسنا من الآن لهذا التعايش الحتمي مع الذكاء الاصطناعي، وبدلاً من الاستغراق في هذه التخوفات، والنظر إليه كتهديد محتمل، علينا أن نتعامل معه كأداة لتعزيز الخطاب الإبداعي.

المساهمون