ليمونة جوزيف بويز في رحلة إلى تنزانيا

ليمونة جوزيف بويز في رحلة إلى تنزانيا

28 أكتوبر 2020
نشاهد كيف يتم التعامل مع العمل المسروق وكأنه غرض يومي (من الفيديو)
+ الخط -

ما زالت أوروبا تحاول أن تغسل عار تاريخها الاستعماري، خصوصاً في ما يتعلق بعمليات النهب والسرقة التي استهدفت الآثار والأعمال الفنيّة في المستعمرات السابقة؛ فكل فترة يعاد جزء من هذه الأعمال إلى موطنه الأصليّ، بعدما عُرض لسنوات في المتاحف "البيضاء" بوصفه فناً بدائياً، يتمايز عبره المواطن الأوروبيّ عن الإنسان "المتخلف"، ويرسّخ حكايته الوطنية بالتفوق على أولئك الذين تم إدخالهم في "ركب الحضارة". هذه السردية لم تقنع "المجموعة الوقحة" الفنيّة الألمانيّة، إذ قام أفراد منها بتنظيم أداء/حراك، قاموا عبره بسرقة واحد من أعمال جوزيف بويز، الفنان الألماني الشهير، من متحف ميونستر، ثم قاموا بإيصاله إلى متحف إيرينغا بوما في تنزانيا، ووثقوا ذلك عبر فيديو يشابه فيديوهات الرحالة البيض، الذين يغامرون و"يقتبسون" من مساحات زياراتهم. وهنا تكمن السخرية النقديّة؛ فإن ما قامت به الفرقة، هو عكس ما كان يحصل أثناء الاستعمار، إذ سرقت الفرقة من ألمانيا عمل بويز المؤلف من لمبة محشورة في ليمونة، وأوصلته إلى تانزانيا. 

قدم المتحف الذي استهدفه فنانو المجموعة الوقحة بلاغاً للشرطة يتهم فيه الفنانين بالسرقة والتخريب، وكان الرد من قبلهم بأن الأعمال الفنية في الكثير من المتاحف الأوروبية والألمانية مسروقة، وهذا نفاق، إذ كيف يربى الأطفال على عدم السرقة في حين أن ما يرونه في المتاحف مسروق؟  

رحبت جان كوفير، مديرة المتحف في تنزانيا، بالعمل المسروق، وقالت إن تاريخ النهب الأوروبي طويل، إلا أن هذه "المخاطرة" تضاف إلى الجدل القائم حول تاريخ أوروبا الكولونيالي، وآثاره القائمة حالياً المتمثلة بالأعمال المسروقة والمنهوبة. أشارت كوفير، أيضاً، إلى أن الأمر يتجاوز الأعمال الفنيّة، إذ ترى أنّ هذه الحركة تمثّل نداءً في سبيل استعادة البقايا البشرية من جثث وأعضاء وأغراض ثقافيّة تعود إلى شعب الـ"هي هي"، والتي ما زالت في حوزة المتاحف الألمانيّة. وأضافت أنها واعية لاحتمال عودة العمل إلى ألمانيا إثر بلاغات السرقة التي قدمت من قبل المتحف الذي كان يحوي العمل. 

هناك مفارقة مثيرة للاهتمام حين نقارن بين ما سرق من ألمانيا وما سرق من تنزانيا، فعمل جوزيف بويز يراهن على البسيط وجاهز الصنع، ينتمي إلى تقاليد ما بعد الحداثة، واللعب، والتجربة العلميّة البسيطة؛ إذ يتّخذ لنفسه قيمة فقط لأن بويز صنعه، وُوضع في المتحف، لا من مكوناته الداخليّة. هو "فن" لأنه نتاج المؤسسة الغربية الثقافية، وسطوة الفاعلين ضمنها،  في حين أن ما سرق من أفريقيا على يد المغامرين والمستكشفين والحملات الاستعمارية، هي أغراض طقوسية ذات قيم دينية واجتماعيّة، أي ليست أعمالا فنية بالمعنى الأوروبيّ، هي تمتلك قيما استخدامية ضمن سياقاتها الحقيقية، وتحولت في المتاحف إلى أدلة على أن أصحابها "برابرة" و"غرائبيون"، لا جماعات ذات ثقافة مختلفة. 

ما يلفت الانتباه أيضاً هو الفيديو الذي نشره من قاموا بالسرقة، إذ يبدو أشبه بمحاكاة ساخرة  لفيديوهات إنستغرام وسناب شات، التي يقوم بها الكثير من نجوم السوشيال ميديا، حيث يركزون على إنجازهم الشخصي ومغامراتهم ومشاعرهم، بغض النظر عن المكان الذي هم فيه أو قيمة ما يقومون به.

هكذا، نشاهد كيف يتم التعامل مع العمل المسروق وكأنه غرض يومي لا يثير الاهتمام، إذ يُلقى على الأرض، ويتبلل بالمطر، فالأهم هو الرحلة لا الغرض نفسه، والاكتشاف الشخصي لا قيمة ما يتم نقله. وهذا بالضبط النموذج الذي يكوّن حكايات الاستعمار والأعمال الفنيّة، إذ نقرأ عن كيفية نقل القطعة وتجربة من قام بإيجادها وما اكتشفه وأذهله، من دون الحديث عن القطعة نفسها، والسياق الذي سرقت منه، ناهيك عن الضرر الذي يمكن أن تتعرض له القطعة على الطريق بسبب التركيز على المكتشف لا ما تم اكتشافه ونهبه. 

المساهمون