"لا شيء يُخْسَر" لدِلوجي: دراما مؤثّرة ومُكثَّفة

"لا شيء يُخْسَر" لدِلوجي: دراما مؤثّرة ومُكثَّفة

22 ديسمبر 2023
فرجيني إيفيرا: أداء باهر لأمٍّ عزباء تُحرَم من ابنها (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

بسبب رغبته في تناول بطاطا مقلّية (لأنّه جائعٌ)، منتصف ليلةٍ، يتعرّض سُفيان (ألكسيس توناتي) لحرقٍ في صدره (يتبيّن لاحقاً أنّه من الدرجة الثانية)، فينقله شقيقه جان ـ جاك (فليكس لوفافر) إلى المستشفى، وتُستدعى والدتهما سيلفي (فيرجيني إيفيرا) من عملها في ملهى ليليّ. حادثةٌ كهذه تحصل غالباً في منازل كثيرة. لكنْ، مع سُفيان وعائلته الصغيرة، يتبدّل كلّ شيء، فإدارة المستشفى تُبلِغ الشرطة، التي تُبلِغ جهةً معنيّة برعاية الأطفال والمراهقين بأنّ هناك "خَطباً" ما يتطلّب تدخّلاً رسمياً لحماية المُراهِق من وضعٍ، يُظَنّ أنّه غير آمن.

رغبةٌ تؤدّي إلى حادثةٍ، والحادثة تتناول ملفاً أساسياً عن علاقات عائلية، وتدخّل رسمي، مُحصَّن بقوانين وسلطات، في شؤون عائلة وأحوالها، بحجج (أخلاقية، اجتماعية، قانونية، إلخ.) تُساق في الدفاع عن أطفال ومراهقين. هذا يحدث في "لا شيء يُخْسَر" (2023)، أول روائيّ طويل للفرنسية دلفين دِلوجي (1975)، المعروض للمرّة الأولى عالمياً في "نظرة ما"، في الدورة الـ76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لمهرجان "كانّ" السينمائي: محاولة سينمائية، يُراد لها أنْ تكون انعكاساً بصرياً لوقائع عيشٍ في بلدٍ، يواجه تحدّيات شتّى في مسائل اجتماعية وتربوية وثقافية وأخلاقية كثيرة.

لكنّ الفيلم ـ المشارك في برنامج "الاختيار الرسمي ـ خارج المسابقة"، في الدورة الـ6 (14 ـ 21 ديسمبر/كانون الأول 2023) لـ"مهرجان الجونة السينمائي" ـ غير منخرطٍ في سينما نضالية مباشرة، بقدر ما يروي حكاية أمّ عزباء، تكافح من أجل استعادة ابنها من سلطةٍ، تظنّ أنّ هناك خللاً في تلك العائلة الصغيرة، فلا وجود لأبٍ، والأم تعمل ليلاً وتترك ولديها لوحدهما، والبيئة الصغيرة، التي تحيط سيلفي وجان ـ جاك وسُفيان، غير سويةٍ كلّياً، فلكلّ فردٍ نمط حياة، فيه (النمط) مآزق وتحدّيات، مُتداولة بوفرة في يوميات أناسٍ كثيرين، ينتمون إلى طبقة متواضعة، يتراوح وضعها الاجتماعي ـ الاقتصادي بين فقرٍ غير مُدقع، وشيءٍ قليلٍ للغاية من رفاهية مرتبكة وغير ناجعة، غالباً.

 

 

"لا شيء يُخْسَر" يُفكِّك بعضَ علاقة صدامية بين الفرد والسلطة، السياسية (وإنْ بشكلٍ مُوارِب) والأمنية (الشرطة) والاجتماعية (مؤسّسات رعاية)، ويتحرّر من سطوة الخطابيّة، مُحوّلاً إياها (الخطابيّة) إلى نصٍّ سينمائي يقول فعلاً وردّة فعل، من دون ثرثرة وتصنّع، بل بشفافية أفرادٍ يواجهون مصائر غير مُتوقّعة، ويجهدون في حماية ما يعتبرونه حقّاً لهم ـ لهنّ، ويسعون إلى خلاصٍ من سطوة قهرٍ وإذلال، بحجج مستَمَدّة من "أولوية حماية الأطفال والمُراهقين" تحديداً، والحماية تلك معنيّة بتحصينهم ـ تحصينهنّ من أيّ "خطر" ربما يتعرّض له أحدهم ـ إحداهنّ في المنزل العائلي. الجهات الرسمية، المعنيّة بهذا، غير منتبهةٍ (أو ربما تتجاهل قصداً) إلى أهمية الترابط، الانفعالي ـ العاطفي أساساً، بين مُراهقٍ ووالدته العزباء، فتحول دون تواصلٍ مباشر بينهما، بسبب تلك الحجج نفسها.

مقالة سيلين رودَن، المعنونة بـ"التباسات أمّ"، والمنشورة في "لو كروا" (صحيفة يومية فرنسية)، تكاد تكون اختزالاً مقبولاً لفيلمٍ، تصفه بأنّه "دراما اجتماعية مُثيرة (للعاطفة وللاهتمام معاً)". تقول (المقالة) عن سيلفي إنّها "تحارب ضدّ الآلة الإدارية والقضائية لاستعادة ابنها"، الذي تنتزعه "الخدمات الاجتماعية" منها، وتضعه في مركز تابع لها، قبل نقله إلى عائلة أخرى يُفترض بها أنْ تهتمّ به بشكلٍ أهدأ وأكثر أمناً وسلامةً. تُضيف المقالة (21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) أنّ الممثلة إيفيرا "استثنائية" في فيلمٍ "مُتقن للغاية"، والفيلم نفسه "يرسم، بعيداً عن موضوعه، صورة متناقضة لامرأةٍ، ترفض بعناد الانصياع للنظام".

الفيلم يتجاوز، في لحظاتٍ عدّة، رسم تلك الصورة (رغم أهمية الرسم والصورة معاً)، لاعتماده تكثيفاً مُعمّقاً للقطات ومسارات وعلاقات، وتوليفاً (بياتريس إيرْميني) يزيد من ضغط الأحداث، وينقل بصدقٍ تام غضباً وقهراً وتوتّراً وانفعالاً، وهذه كلّها تعيشها أمّ عزباء من أجل ابنها، بأداءٍ يُثير "إعجاباً"، في دور "أمٍّ شجاعة محرومة من ابنها"، كما في مقالة فاليري بَكْ (أنْ تكوني أمّاً في زمن مضطرب)، المنشورة في "لو فيغارو" (صحيفة يومية فرنسية)، والمقالة تصف الفيلم بأنّه "دراما مؤثّرة ومُكثّفة" (21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أيضاً).

فيلمٌ قاس بقدر قسوة حياةٍ، والنهاية شبه مفتوحة رغم إشاراتٍ إلى وضوحٍ، يُفضَّل عدم اعتباره ناجزاً كلّياً.

المساهمون