كيف يستفيد "خبراء" الإعلام الأميركي من استمرار العدوان على غزة؟

كيف يستفيد "خبراء" الإعلام الأميركي من استمرار العدوان على غزة؟

19 ديسمبر 2023
يدعم الإعلام الرسمي العدوان رغم التظاهرات الداعية لإنهاء الحرب على غزة (Getty)
+ الخط -

تلعب منصات التواصل الاجتماعي دوراً أساسياً في تغطية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لكنّ الإعلام الأميركي التقليدي، الذي تمثله مؤسسات مثل فوكس نيوز وسي أن أن، لا يزال يتمتع بتأثير ضخم في تشكيل هذه التغطية والسرديات المرافقة لها في الولايات المتحدة.

منذ بدء العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تعرّض الإعلام الأميركي لانتقادات واسعة بسبب تغطيته المنحازة للجانب الإسرائيلي، وتبنيه الكامل لرواية الاحتلال للأحداث. لكن ما غاب عن أذهان الكثير من المشاهدين هو أن معظم الخبراء والاختصاصيين الذين يظهرون على المحطات التلفزيونية هم في الحقيقة أعضاء في المجمع الصناعي العسكري ومستفيدون مالياً من مبيعات الأسلحة وصناعة الحرب، وفقاً لموقع ذا تروث آوت الإخباري المستقل.

وغالباً ما تلجأ القنوات التلفزيونية إلى التعريف بهؤلاء الخبراء انطلاقاً من المناصب الحكومية أو العسكرية التي سبق أن شغلوها، مع تجاهل الإشارة إلى وظائفهم ومناصبهم الأحدث التي تكشف استفاداتهم من استمرار العدوان.

تدافع هؤلاء الخبراء على شاشات التلفزيون للدفاع عن دولة الاحتلال وحرب الإبادة التي تشنها في غزة، والسبب أنّهم في معظمهم أعضاء حاليون أو سابقون في مجلس إدارات شركات الأسلحة أو مستشارون لها، فيما يدير بعضهم الآخر مراكز أبحاث ممولة من شركات لصنع وبيع الأسلحة.

كان توافق الخبراء على دعم العدوان العسكري الإسرائيلي واستمرار الحرب على غزة أحد النقاط الأساسية التي دفعت بـ "تروث آوت" إلى التدقيق والبحث عن علاقاتهم المالية بشركات السلاح والأمن، بالاستعانة بمصادر مفتوحة ومتنوعة.

"فوكس نيوز"

لعبت قناة فوكس نيوز اليمينية ومجموعة خبرائها ومعلقيها دوراً رئيسياً منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر في التحريض ضدّ الشعب الفلسطيني، ودعم الإبادة الإسرائيلية في غزة.

من بين محلّلي القناة يبرز كل من رئيس أركان الجيش الأميركي السابق جاك كين، والمستشارين الرئاسيين السابقين فرانسيس تاونسند وستيفن هادلي.

موسيقى
التحديثات الحية

ظهر جاك كين مراراً على "فوكس نيوز" خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث عرف عنه بصفته "محللاً استراتيجياً كبيراً في القناة وجنرالاً متقاعداً من الجيش ورئيس معهد دراسات الحرب"، ودعا في إطلالاته إلى مواصلة بيع الأسلحة لدولة الاحتلال، رافضاً الدعوات إلى إطلاق النار.

لكن، أهملت القناة الإشارة في تعريفها لكين إلى صلاته المتعددة بشركات الأسلحة. وفقاً لـ"ذا تروث آوت"، حصل الجنرال المتقاعد على ملايين الدولارات نقداً وعلى شكل أسهم خلال عمله في مجلس إدارة شركة جنرال دايناميكس، بين عامي 2004 و2018، والتي تعد سادس أكبر شركة دفاع أميركية والمعروفة بتصديرها الأسلحة إلى دولة الاحتلال منذ عقود.

وفقاً لموقع إنفستيغيت، فقد استخدمت أسلحة "جنرال دايناميكس" مراراً وتكراراً ضد الفلسطينيين، مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء، فضلاً عن الدمار الشامل للمنازل والبنية التحتية، بما يشمل المستشفيات والمدارس وأنظمة المياه والكهرباء. كذلك، لفت الصحافي الاستقصائي، لي فانغ، إلى عمل كين كمستشار خاص لشركة أكاديمي (المعروفة باسمها السابق بلاك ووتر).

مستشارون رئاسيون سابقون

في العادة تعرف "فوكس نيوز" عن فرانسيس تاونسند بصفتين هما "مستشارة الأمن الداخلي" و"المستشارة السابقة لمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي" للرئيس الأميركي السابق جورج بوش.

عدا عن دعمها للعدوان الإسرائيلي على غزة، فقد رحبت تاونسند أكثر من مرة بتهجير أهالي شمال قطاع غزة إلى جنوبه، بحجة حماية المدنيين، بل وصل بها الأمر إلى المطالبة بتهجير الفلسطينيين ودعوة دول الخليج العربي لاستقبالهم.

وكما في حالة كين، أغفلت "فوكس نيوز" الإشارة إلى علاقات تاونسند الواسعة والمتشعبة بشركات أسلحة تزدهر بفضل مبيعاتها لدولة الاحتلال.

منذ العام 2009، حصلت تاونسند على ملايين الدولارات بصفتها مديرة في مجلس إدارة شركة ليوناردو دي آر إس التي تصف نفسها بأنها "المقاول الرئيسي، ومبتكر تكنولوجي رائد ومورد للمنتجات والخدمات للقوات العسكرية ووكالات الاستخبارات والدفاع". في العام 2022 فقط، حصلت تاونسند على ما يعادل 331 ألف دولار من الشركة التي استحوذت أخيراً على شركة الدفاع الإسرائيلية رادا.

كذلك، حظيت مستشارة بوش السابقة بعضوية مجالس إدارة عددٍ من المؤسسات المعنية بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، والمموّلة من شركات في مجال الأسلحة، ومنها مجلس العلاقات الخارجية، والمجلس الأطلسي، إضافةً إلى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

بطريقة مماثلة، ظهر ستيفن هادلي في الإعلام الأميركي عموماً، وعلى شاشة "فوكس نيوز" خصوصاً، بصفته "مستشار الأمن القومي السابق للرئيس بوش" ليطلق آراءً ومواقف تشجّع على استمرار العدوان على غزّة.

تعرّضت مواقف هادلي المتشددة لانتقادات واسعة، خاصةً بعد كشف ارتباطه بشركات الصناعة العسكرية. بعد انتهاء عمله في إدارة بوش عام 2009، انضم هادلي بصفة مدير إلى "رايثيون"، ونجح بتكوين ثروة من ملايين الدولارات خلال عقدٍ من وجوده في مجلس إدارة ثاني أكبر شركة للأسلحة في العالم.

واليوم، يحظى هادلي بعضوية مجالس إدارة مؤسسات عدّة ممولة من شركات الصناعات العسكرية مثل المجلس الأطلسي ومجلس العلاقات الخارجية.

"سي أن أن" وأخواتها

ما زال تأييد العدوان على غزة سمة غالبة على السردية التي يروجها الإعلام الأميركي الرسمي، وهو الأمر الذي لم تشذ عنه قنوات مثل سي أن أن وأن بي سي، التي تعمدت إخفاء علاقات خبرائها بشركات الأسلحة المستفيدة من استمرار المبيعات لدولة الاحتلال.

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، استضافت "سي أن أن" جيه جونسون بصفته "وزير الأمن الداخلي السابق" في عهد الرئيس باراك أوباما و"شريكاً في مكتب بول فايس للمحاماة"، ليعبّر عن تأييده للعدوان و"ضرورة الوقوف بجانب إسرائيل".

وكما الحال بالنسبة لـ"فوكس نيوز"، تجاهلت "سي أن أن" تنبيه الجمهور إلى أنّ الوزير السابق هو اليوم عضو في مجلس إدارة "لوكهيد مارتن" أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم، والتي بلغت إيراداتها العام الماضي 63.3 مليار دولار أميركي.

ووفقاً لموقع إنفستيغيت، فإن الشركة "تزود الحكومة الإسرائيلية بمجموعة واسعة من الأسلحة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية والصواريخ"، مثل طائرات إف 16 وإف 35.

ولفتت مجلة فايننشال ريفيو إلى أنّ دولة الاحتلال تسعى للحصول على صواريخ هيلفاير من "لوكهيد مارتن"، التي "تبدو مستعدة للاستفادة من مبيعات الأسلحة المتزايدة لدولة الاحتلال"، خاصةً أن قيمة أسهمها ارتفعت في البورصة منذ بدء العدوان على غزة.

وكان جونسون قد انضم إلى شركة الصناعات العسكرية في ديسمبر/ كانون الأوّل من العام 2017، وهو يملك اليوم أسهماً فيها تزيد قيمتها عن 1.2 مليون دولار.

كذلك، يحظى جونسون بمنصب مدير في مجلس العلاقات الخارجية، كما أنه عضو في مجلس أمناء جامعة كولومبيا.

بطريقة مشابهة لزميله السابق في الخدمة العسكرية، أطلّ الجنرال المتقاعد من الجيش الأميركي، برايان ماكارفي، بصفته "محللاً عسكرياً" على قناتي أن بي سي وأم أس أن بي سي، من دون أن يدرك معظم المشاهدين مقدار تورطه مع شركات الأسلحة، ممّا يعني امتلاكه مصلحة شخصية مباشرة في استمرار العدوان.

ومنذ الثامن من أكتوبر بدأ ماكارفي بالتحريض على شن حرب على غزة، كما انتقد في وقت لاحق دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى هدنة إنسانية في القطاع.

لكنّ ماكارفي أدار منذ فترة طويلة شركة استشارية تدعم العديد من الشركات التي تسعى إلى الحصول على العقود العسكرية الأميركية، وإلى الاستحواذ على حصة في مبيعات الأسلحة والدفاع. وكانت صحيفة ذا نيويورك تايمز قد كشفت، عام 2008، عن سجل ماكارفي الفاضح في أخذ أموال طائلة من شركات الأسلحة والدفاع لمساعدتها في الحصول على عقود حكومية.

كذلك، كان الجنرال السابق مديراً لشركة داينكورب إنترناشيونال العسكرية الخاصة، والتي جمعت مليارات الدولارات من عقود الأسلحة لدعم الجيش الأميركي في أفغانستان. إضافةً إلى ذلك يحظى ماكارفي بعضوية مجلس العلاقات الخارجية، كما أنه عضو سابق في مجلس إدارة المجلس الأطلسي.

المساهمون