كيف يستغلّ الاحتلال الترفيه لتحسين صورته؟

كيف يستغلّ الاحتلال الترفيه لتحسين صورته؟

30 أكتوبر 2021
شجّعت حملة المقاطعة فنانين كثر على الامتناع عن زياة فلسطين المحتلة (دارين ستيوارت/Getty)
+ الخط -

في العقد الأخير، ومع تعاظم دور حملة المقاطعة الثقافية للاحتلال الإسرائيلي، وتوسّع تأثيرها ليشمل قطاعات فنية وثقافية وترفيهية في مختلف أنحاء العالم، بدأت المؤسسات الرسمية الإسرائيلية بالسياسة المضادة، عبر محاولة تصوير دولة الاحتلال كواحة فريدة للترفيه في وسط بقعة عربية مظلمة.

هكذا استثمرت الحكومة الإسرائيلية عشرات ملايين الدولار لتصدير فنانيها إلى دول العالم وتنظيم حفلات لهم على أكبر المسارح في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، كما صرفت ملايين مشابهة لإقامة حفلات لنجوم عالميين في فلسطين المحتلة. وآخر هذه الأساليب الترفيهية، ما أعلن عنه أخيراً عن إقامة مسابقة ملكة جمال الكون في إيلات في الأراضي المحتلة، في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

هذه المرة إلى جانب الملايين الإسرائيلية التي ستصرف على الحدث، فإن دولتين عربيتين ستكونان في مقدّمة غسل صورة الاحتلال وتحسينها، بعد أشهر قليلة من العدوان الوحشي على غزة. الدولتان هما الإمارات العربية المتحدة والمغرب.

وقالت رئيسة منظمة ملكة جمال الكون باولا شتوتغارت في حديث إلى صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية: "ستكون إسرائيل هي موضوع العرض، والمتسابقات سيقُمن بجولة إلى مواقع مثل البحر الميت والقدس (المحتلة)، على أمل دمج مقاطع من زيارتهن وعرضها خلال الحفل". وكشفت شتوتغارت في المقابلة نفسها أنّ الإمارات للمرة الأولى في تاريخها، والمملكة المغربية ستشاركان في المسابقة.

بالتزامن مع هذا التصريح أعلن الموقع الرسمي لمسابقة ملكة جمال الكون في المغرب عن مشاركته في النسخة السبعين المقامة هذا العام في دولة الاحتلال الإسرائيلي. وقال الموقع في مقطع فيديو نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "بعد أربعة عقود عاد المغرب، سيتم اختيار شابة مغربية لتمثيل بلدها في مسابقة ملكة جمال الكون، وقد تكونين أنت ملكة جمال الكون التالية".

المشاركة العربية في المسابقة ستكون مجرّد فصل إضافي من فصول التطبيع المستمر منذ أكثر من عام، وتتصدّره بشكل أساسي دولة الإمارات، التي لا يكاد يمر يوم واحد من دون الإعلان عن اتفاق جديد بينها وبين الاحتلال، خصوصاً أنّ إسرائيل تدرك جيداً دور الترفيه والفنون في تحسين صورتها. فبعد أيام من توقيع اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل في صيف 2020، وقّعت "لجنة أبو ظبي للأفلام"، اتفاق تعاون مع "صندوق السينما الإسرائيلي" بهدف "تعزيز التعاون في صناعة السينما والتلفزيون وتعزيز ثقافة التسامح". وتضمنّت الاتفاقية تنظيم برامج تدريبية لصنّاع الأفلام في الإمارات وفلسطين المحتلة.

لكن هذه المجهودات الإسرائيلية لتحسين صورتها الدموية بالترفيه يبدو أنها تواجه عوائق عدة. فبينما تركض مؤسسات عربية لوضع يدها بيد الاحتلال، يتّخذ نجوم عالميون مواقف متضامنة مع الفلسطينيين، رافضين المشاركة في أي نشاط ترفيهي أو فني إسرائيلي. وما زاد من حدة هذه المواقف وحزمها، كان العدون الأخيرة على قطاع غزة، وحملة التضامن العالمية الكبيرة مع الفلسطينيين في وجه آلة القتل الإسرائيلية. وأخيراً قبل أيام قليلة بدا أن سياسة المقاطعة هذه استنفرت الاحتلال مجدداً.

إذ بالتزامن مع قرب انطلاق TLVFest، الذي يوصف بأنه المهرجان السينمائي الأكبر الذي تنظمه سلطات الاحتلال المخصص لـ"مجتمع الميم" (المثليين والمثليات ومزدوجي ومزدوجات التوجه الجنسي ومتغيّري ومتغيرات النوع الاجتماعي)، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وضع جماعات الضغط الإسرائيلية جهودها للتخفيف من حدة الدعوات الصاخبة لمقاطعة هذا الحدث. فالعام الماضي وقّعت مجموعة من أكثر من مائة من أبرز صنّاع الأفلام، بينهم سينمائيون من "مجتمع الميم"، رسالة مشتركة، دعوا فيها إلى مقاطعة المهرجان المذكور، تضامناً مع أفراد المجتمع نفسه من الفلسطينيين. وكان من بين الموقعين أسماء شهيرة من طينة شارلوت برودجر حائزة جائزة "تيرنر" الفنية البريطانية، والفرنسي المرشح سابقاً للفوز بـ"السعفة الذهبية" آلان جيرودي، ومخرج الأفلام الوثائقية الفائز بجوائز عدة الهندي هاريانت غيل، وإيان إقبال رشيد، وراكيل فريري، وكثيرون غيرهم. لكن هذا العام حاول الاحتلال استباق حملة مشابهة من خلال حثّ نجوم من هوليوود على توقيع رسالة مضادة يرفض فيها الموقعون ــ ومن بينهم هيلين ميرين، وميلا كونيس، وبيلي بورتر، ونيل باتريك هاريس، وزاكاري كوينتو ــ جهود المقاطعة.

إذاً، يبدو أن إسرائيل باتت تدرك جيداً أهمية سلاح الترفيه، فكلّما تعاظمت جرائمها هرعت لإقامة حفل أو مسابقة او مهرجان. ولعلّ المثال الاكثر وضوحاً على هذه السياسة كان ما حصل عام 2016. فبينما كان الجيش الإسرائيلي يحاول لملمة خسائره بعد تسريبات ومقالات ووثائق كشفت حجم الوحشية التي استخدمها خلال العدوان على قطاع غزة عام 2014، كان حفل توزيع جوائز الـ"أوسكار" يقام كعادته في الولايات المتحدة. في ذلك الوقت تحديداً، وخلال الحفل، اختارت وزارة السياحة الإسرائيلية تقديم رحلات مدفوعة التكاليف كاملة إلى فلسطين المحتلة، لكل الممثلين المرشحين لجوائز في الحفل. لكن من بين الـ26 ممثلاً الذين تلقوا هذه "الهدية"، لم يلبّ أي منهم الدعوة. وقتها عزت الصحف الإسرائيلية هذا الفشل إلى جهود حملة المقاطعة الحثيثة لثني النجوم عن المشاركة في غسل سمعة الاحتلال.

المساهمون