قنوات جزائرية للأطفال رغم أنهم ليسوا أولوية الإعلام

قنوات جزائرية للأطفال رغم أنهم ليسوا أولوية الإعلام

20 اغسطس 2022
مخاوف من هيمنة منصات التواصل الاجتماعي (جيرار بوتّينو/Getty)
+ الخط -

لفتت البرامج التلفزيونية التي تقدّمها القنوات الجزائرية المخصصة للأطفال الكثير من الأسر، خاصة أنها بزغت حديثاً مع الفراغ الكبير في هذا النوع من القنوات محلياً، وسط الحضور الطاغي لمنصات التواصل الاجتماعي، ومخاوف الأهل من تعرّض أبنائهم للمحتوى العنيف والبغيض والزائف.

إضافة إلى برامج مخصصة للأطفال يبثها التلفزيون العمومي في الجزائر، تحصي وزارة الاتصال قناتين محليتين خاصتين فقط تعنيان باهتمامات الطفل والترفيه أنشئتا حديثا، فيما ينتظر اعتماد قنوات أخرى تهتم بهذه الفئة.

وتستهدف قناة فور كيدز، التي أطلقت برامجها في الربع الأول من العام الحالي، الجمهور الجزائري والمغاربي والعربي، وتعرض برامج تسلية وأفلام كرتون على مدار اليوم. واجهت هذه القناة في بداياتها جمهوراً عصياً، فهي تتوجه إلى فئة تستحقّ عناية كبيرة، خاصة في ما يتعلق بدراسة مشاريع البرامج واللّغة المتبعة والألوان والصور والمشاهد المفترض انسجامها مع القيم الجزائرية والعربية.

وتعتبر هذه القناة المحلية في نظر مقدمة البرامج نوال بوسبولة تجربة متميزة، إذ "تقدم محتويات تربوية هادفة وترفيهية بهوية جزائرية، كما ترافق الأطفال في الجزائر ضمن برامج نابعة من واقعهم، وغير مستوردة". وتقول بوسبولة، متحدثة لـ"العربي الجديد"، إن "كل المضامين تخضع لمعايير تراعي هذه الفئة (الأطفال) والعائلة، وتنتقي المواضيع التي لا تؤثر سلباً على تنشئة الطفل، مثل مسلسل الرسوم المتحركة (مغامرات سامي رجل الإطفاء) وبرنامجي (ألبوم التاريخ) و(هيا نرسم)، وغيرهما من البرامج التي تسعى إلى خلق جو بهوية جزائرية ومطلع على العالمية".

قبل فترة، انتقل يزيد بلعباس، الملقب بـ"عمو يزيد"، من الفن وأداء الأغنية الشبابية العصرية التي تحظى بشعبية كبيرة في الجزائر إلى إنتاج وتقديم برامج الأطفال. نجح لاحقاً في إطلاق قناة تحمل اسم "عمو يزيد للأطفال". قبل إطلاق القناة، كانت تجربة بلعباس مع الأطفال ثرية ومتنوعة، بفضل إنتاج وتقديم برنامج "مع عمو يزيد"، وحضور كوكبة من الأطفال في كلّ حلقة من شتى الولايات، وكان يبث على قنوات تلفزيونية خاصة. عملية الانتقال لإنشاء قناة متخصصة موجهة للأطفال لم تكن سهلة، لكنها تجربة خاضها يزيد بلعباس بعد النجاح الكبير الذي عرفه برنامجه، ما جعله يفكر في أن تكون للطفل الجزائري برامج وأفلام كرتونية وألعاب هادفة تعبر عن بيئته ولغته وهويته أيضاً، وتحسين مضمونها التربوي مع مرور الوقت.

اللافت للانتباه أن مجال الإعلام المتخصص الموجه للأطفال بات شحيحاً في الجزائر، رغم بعض التجارب السابقة وتحديداً في الصحافة المكتوبة من صحف أسبوعية أو مجلات دورية. غير أن أغلب تلك التجارب توقفت، بينما الإعلام الثقيل بات يركز على التخصص الإخباري المحلي متجاهلاً في الكثير من الأحيان هذه الشريحة من المجتمع. وتقول مديرة صحيفة الأولى، الصحافية غنية قمراوي، التي كانت لها تجربة سابقة في مجال صحافة الطفل لكنها لم تعمر طويلاً، إن قطاع الإعلام الجزائري لا يعتني بالأطفال. وتعزو ذلك إلى أسباب أهمها التكلفة الباهظة المخصّصة لدراسة وإنتاج برامج خاصة بهذه الفئة أو لإنشاء قنوات متخصصة. وتضيف قمراوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الطفل الجزائري لا يزال على هامش الاهتمام، وبعيداً عن دائرة الإعلام الذي يبحث عن المعلومة، لكنه في قلب اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي التي تهدّد الأجيال برمتها"، لافتة إلى أن الطفل محاط بالكثير من التأثيرات التكنولوجية الخارجية من ألعاب اختزلت له الفضاء الذي وجب أن ينمو فيه، مشدّدة على أهمية الاعتناء بمضامين موجهة للأطفال وتخدم نموهم النفسي والتربوي وتتشارك مع العائلة في تنشئتهم.

لكنّ تأسيس قنوات موجهة للأطفال في الجزائر لا يكفي وحده كحسنة إعلامية، فتقديم مضامين توائم هذه الفئة هو الأكثر أهمية. إذ تبدي بعض الأسر توجّسها من التأثير السلبي للقنوات والبرامج التلفزيونية عبر الفضائيات على أبنائها، وخاصة ما يروج له عبر الوسائل التكنولوجية. وتكشف نعيمة بنت الشاوي، وهي موظفة في مديرية الشباب والرياضة لولاية الشلف، أنها تستحسن وجود قنوات محلية جزائرية خالصة موجهة للأطفال، تبث مضامين هادفة برؤية جزائرية، ويمكن أن تمثل بديلاً جيداً للأطفال مقارنة بقنوات غير جزائرية، لكنها تبدي في الوقت نفسه تخوفها من أن تكون بعض البرامج غير مدروسة بالقدر الكافي، أو أن تتضمن مشاهد عنف، أو تقدم بعض الحقائق الدخيلة على المجتمع الجزائري.

أمام زخم البرامج العالمية التي ينقلها التلفزيون والهواتف الجوالة من موسيقى وأغان وأفلام كرتونية، تؤكد الباحثة في علم النفس إيمان داسة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ضرورة أن توائم البرامج في القنوات الموجهة للأطفال المحتوى والقيم المحلية الجزائرية، وأن تساهم في انفتاح وتوجيه الأطفال أكثر إلى ما يحفز العقل والتفكير ويسهم في التربية وتكوين الشخصية السليمة. لكنها حذرت من خطورة تحويل الأطفال الجزائريين إلى دمى يمكن التحكم فيها عن بعد.

تجدر الإشارة إلى أن الجزائر كانت في الثمانينيات تهتم ببرامج الأطفال على التلفزيون الحكومي، إذ اشتهرت وقتذاك بعض البرامج الخاصة بالأطفال، من بينها "مع ماما نجوى" الذي نال شهرة واسعة وكبرت معه أجيال جزائرية، إلا أنه اختفى كلياً قبل أكثر من عقدين.

المساهمون