قناة The Take... حكايات عن الدراما والسينما

قناة The Take... حكايات عن الدراما والسينما

30 ديسمبر 2022
من مسلسل You (نتفليكس)
+ الخط -

قليلة هي قنوات يوتيوب القادرة على أن تقدم لنا محتوى دسماً وعميقاً، لا يعتمد على المعلومات السطحيّة والمجمّعة من نتائج بحث غوغل. لكن، هناك استثناءات، منها قناة The Take، التي تأسست عام 2016، وبلغ عدد المشتركين بها حد لحظة كتابة هذا المقال ما يقارب المليون ونصف المليون متابع، وأنتجت ما يقارب الـ500 فيديو، نال بعضها اعتراف عدد من المعاهد السينمائية في الولايات المتحدة، وأصبح اسمها يُتداول في الصحف الجديّة. 
تأسست القناة على يد كل من Susannah McCullough وDebra Minoff، اللتين اعتمدتا على وسيط "المقالة البصريّة"، الشكل الصحافي الذي يمكن اعتباره جديداً نوعاً ما؛ إذ يتحرك بين النقد والعمل الصحافي والبحث الأرشيفي، ما أكسب القناة قدرة على الانتشار في زمن التصفح والانتباه الأسير، الزمن الذي تتعرض فيه الكلمة المكتوبة إلى التهديد، وخطر التلاشي.
أشهر فيديوهات السلسلة هي مجموعة All The Tropes، التي يمكن ترجمتها إلى "كل النماذج". المقصود هنا نماذج الشخصيات السينمائية والتلفزيونيّة، وتطورها وتحولها إلى ما يشبه الكليشيهات، التي تتكرر في تاريخ السينما والمسلسلات، مع تعديلات طفيفة عليها في كل مرة تنتج.
هذه التعديلات إما أسلوبية، أو جمالية، أو مرتبطة بالوضع السياسي والاقتصادي، كنموذج الرجل اللطيف، الذي نقرأ تطوره من مسلسلات المراهقين، مروراً بتشاندلر من "الأصدقاء"، حتى جو غولدبيرغ من مسلسل You الذي بثته "نتفليكس"، ونكتشف فيه أن الرجل اللطيف ليس إلا خدعة للسيطرة، كانت الصناعة الثقافية تخفي سميته لعقود، ثم كُشف مع جو غولدبيرغ الذي يبدو بائع كتب لطيفا وجذابا، لكنه في النهاية مترصد وقاتل يأسر موضوع رغبته في قفص حرفيّ ومجازيّ. 
ما يلفت الانتباه في مجموعة الفيديوهات هذه، أنها تتعامل مع هوليوود والصناعة الثقافية، سينمائيّة كانت أم تلفزيونية، بوصفها كلّاً يخاطب بعضه بعضاً من جهة، ويعكس التغيرات الثقافية التي يمر بها المجتمع من جهة أخرى، كما في فيديو مثلاً "الشقراء الغبية"، إذ تطورت أبعاد هذه الشخصية منذ سلسلة أفلام "الفطيرة الأميركية"، مروراً بـ Legally blond، إلى زمننا الحالي، زمن الصوابيات السياسية وما بعد "أنا أيضاً"، حيث أصبح شكل المرأة منفصلاً عن إنجازاتها وقدراتها.  هذا التطور الحكائي، وتعدد نماذج الشخصيات، يكشف لنا عن "صناعة" هوليوود بوصفها واعية بنفسها، وبالنماذج التي تقدمها، إذ نتعرف في الفيديوهات المتنوعة، إلى كيفية مخاطبة المنتجات الثقافية لبعضها بعضاً، وتقتبس من شخوصها، وكأن "عالم الشاشة" يمتلك استقلاله الخاص وأعرافه التي لا بد من "اللعب معها". 

سينما ودراما
التحديثات الحية

تركز مجموعة الفيديوهات على شخصية المرأة في المسلسلات والأفلام، فنشاهد نموذج المرأة النسوية، والشقراء، واللطيفة، واللعوب، والقوية، وغيرها من النماذج التي شكلت تاريخ السينما، في ذات الوقت شكلت الأدوار الجندرية التي تسعى النساء إلى محاكاتها. ولا تكتفي الفيديوهات باستعراضها، بل تقدم قراءة نقدية لها، في محاولة لرصد تاريخها ضمن النوع السينمائي، وهنا تظهر ملامح نظرية الجندر الأدائية، التي تفترض أننا نتعرف على أدوارنا عبر تبني وتقليد وتعديل ما نراه على الشاشة. 
ما يثير الاهتمام بالسلسلة هو طبيعة المعلومات التي تقدمها، والقراءة النقدية التي تفتح العيون على هوليوود بوصفها صناعة متكاملة، فكل فيلم جزء من تاريخ طويل، لا يمكن قراءته او مشاهدته بصورة منفصلة، وهذا ما يميز سلسلة All The Tropes عن باقي فيديوهات القناة. هي تدفعنا لإعادة مشاهدة ما نظن أننا نعرفه، لإعادة فهمه في سياقه وعلاقته مع الأفلام السابقة واللاحقة، وينسحب الأمر على باقي المقالات البصرية التي تنتجها القناة، ويمكن القول ببساطة، إننا أمام جهد نقدي وإبداعي، يختلف عن كل أشكال مراجعات الأفلام وتاريخ السينما وفيديوهات الشرح التي تقتصر على ما هو سطحي ومباشر بعيداً عن العمق في التحليل.

المساهمون