قضبان حديديّة تحاصر صحافيي مصر

قضبان حديديّة تحاصر صحافيي مصر

02 مارس 2021
عناصر أمنية دائمة التواجد أمام نقابة الصحافيين المصريين (فرانس برس)
+ الخط -

أكوام من السقالات الحديدية أمام مقر نقابة الصحافيين المصريين، لا تمس حائطًا ولا ترتفع لتبلغ سقفًا. طولها متران تقريبًا، بينما تبعد أمتارًا قليلة عن واجهة النقابة، وأمتارا أكثر عن واجهتها المعلقة المميزة. فالداخل إلى نقابة الصحافيين، عليه أن يعبر إلى المساحة الصغيرة الفارغة من تلك السقالات الصدئة ليصل للمدخل، أو أو يحني رأسه بين قضبانها الحديدية ويصعد درجات السلم الـ16 في خطوات بهلوانية إلى أن يصل للباب. أما العابر والمتجول العادي في شارع عبد عبد الخالق ثروت، في وسط القاهرة، فبإمكانه ببساطة بمجرد نظرة خاطفة أن يكتشف أن تلك السقالات المتهالكة المفككة، موضوعة فقط على السلم دون أي يكون لها علاقة من قريب أو بعيد بعمليات تطوير أو ترميم أو حماية للمبنى. 

على هذا الحال، بقي مبنى نقابة الصحافيين المصريين، خلف قضبان السقالات منذ ثلاث سنوات، وأمام عناصر أمنية دائمة التواجد على الرصيف المقابل للنقابة؛ منذ أن أعلن سكرتير عام مجلس نقابة الصحافيين المصريين، محمد شبانة، بدء عمليات تطوير المبنى وترميم واجهته. وحتى الآن لا تزال السقالات موضوعة رغم عدم وجود تطوير ولا عمال ولا حتى دراسة جدوى أو خطة زمنية لإنهاء التطوير. لذلك، لا يصدق صحافيون مصريون "حجة تطوير واجهة النقابة" للإبقاء على السقالات لمدة ثلاث سنوات، مهما كرر سكرتير عام النقابة تلك الحجة في بيانات متتالية كان آخرها ذلك الصادر السبت 27 فبراير/شباط الماضي، وقبل أقل من أسبوع على الدعوة للجمعية العمومية لنقابة الصحافيين وإجراء انتخابات التجديد النصفي لاختيار النقيب وستة من أعضاء المجلس. 

بقي مبنى نقابة الصحافيين المصريين خلف قضبان السقالات منذ ثلاث سنوات، وأمام عناصر أمنية دائمة التواجد على الرصيف المقابل للنقابة

لكن شبانة حاول تجديد خطاب السقالات في بيانه الأخير، بالاستعانة بالجيران، فقال موجهًا حديثه للصحافيين: "لمن يوجهون الاتهامات دون دراية أو تصلهم معلومات غير صادقة أو لمن يعيشون على طول الخط نظريات المؤامرة أو لمن يلعب على كل الأحبال لأجل أصوات انتخابية دون وضع اعتبار لحياة الناس أو لمن يعمل لصالح قنوات خارجية وإعلام مأجور؛ فإن نادي القضاه -المجاور لمبنى النقابة- يوجه إنذارا على يد محضر لإصلاح أو إزالة الكرانيش أعلى حائط نقابة الصحافيين بتاريخ 27 فبراير/شباط 2021"، وهو نفس يوم صدور بيان شبانة. ثم أكمل بيانه بخطابه التهديدي والمتعالي والتخويني دائمًا "لهذا وضعت السقالات، وسترفع بعد أن ينتهي العمل قريبا إن شاء الله، والصمت دائما شيمة الكبار، فحقا أشكر النقيب ضياء رشوان وبعض أعضاء المجلس الذين تحملوا المسؤولية واعتبروا أن الطعن فيهم هينا مقابل الحفاظ على أرواح الناس والزملاء".

لتكون جملة "سترفع السقالات قريبًا إن شاء الله"، هي الجدول الزمني في خطة إزالة "كرانيش" أعلى حائط النقابة منذ ثلاث سنوات. أما عن خلفيات إنذار نادي القضاة المجاور للنقابة، فقيل إنه "أثناء توجه أحد السادة القضاة لصلاة العصر يوم 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي فوجئ بسقوط قطعة حجارة من الكرانيش المحيطة بأعلى مبنى نقابة الصحافيين من جهة المسجد وكادت أن تودي بحياته".

وفي الأسبوع الأول من الشهر الجاري، كانت هناك محاولة من قبل عدد من أعضاء مجلس النقابة مثل محمد خراجة وهشام يونس، لفك تلك السقالات وإزالتها من على سلم النقابة، لكنها انتهت إلى لا شيء سوى تعميق الفجوة بين المؤيدين للنظام والمعارضين له في مجلس النقابة. ورغم أن أعضاء المجلس وعددا من الصحافيين عزموا على إزالة السقالات أو الاعتصام في النقابة لحين إزالتها؛ إلا أن أحدًا لم يعتصم، وقيل حينها عن السقالات "لابد أن يفكها عمال".

وبالطبع لم يخل الأمر من بيان تخويني لسكرتير عام النقابة، نشر فيه أجزاءً من محادثات خاصة بينه وبين عضو المجلس محمد خراجة. كما أن صحيفة "الجمهورية" القومية المصرية، نشرت تقريرًا بعنوان "غزوة السقالات.. تحت قيادة مجاهدي خراجة"، احتوى على تطاول واتهامات جزافية وأمنية ضد عضو المجلس محمد خراجة، لكنها سقطة صحافية عدت كمرور الكرام دون محاسبة كغيرها.

بعد يومٍ واحد من البيان، قضت محكمة القضاء الإداري المصرية، الأحد الماضي، برفض جميع دعاوى تأجيل عقد انتخابات نقابة الصحافيين المصريين، بسبب انتشار فيروس كورونا. وأسست النقابة دفاعها على أن مجلس نقابة الصحافيين، نقيباً وأعضاءً، حرصاء على صحة أعضاء الجمعية العمومية في مواجهة تفشي الفيروس، إلا أن هذا يتصادم مع قانون نقابة الصحافيين رقم 76 لسنة 1970. وحضر الجلسة نقيب الصحافيين المصريين، ضياء رشوان بشخصه، وقدم طلب تدخل للمحكمة طالب فيه برفض الدعاوى وإجراء الانتخابات في موعدها ودون تأجيل.

يذكر أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، انتهت في الطلبين المقدمين من نقيب الصحافيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حول إمكانية تأجيل انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحافيين، إلى عدم ملاءمة نظر الفتوى، لوجود دعوى قضائية تطالب بإلغاء الانتخابات أمام القضاء الإداري.

وتجرى انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحافيين المصريين، في الخامس من مارس/آذار المقبل، بالتزامن مع دعوى عقد الجمعية العمومية للنقابة كل عامين، لمناقشة التصديق على محضر الجمعية العمومية المنعقدة في (15 مارس/آذار 2019). والتصديق على تقرير مجلس النقابة عن الفترة من (مارس/آذار 2020 حتى فبراير/شباط 2021). وهذا إلى جانب اعتماد الحساب الختامي للسنة المنتهية في 31-12-2019، وكذلك المنتهية في 31-12-2020، وإقرار مشروع الميزانية التقديرية لسنة 2021. وإجراء الانتخابات على منصب النقيب، والتجديد النصفي لـ(6) من أعضاء المجلس، وفي حالة الإعادة إلى منصب النقيب تجرى الانتخابات في اليوم التالي من الساعة الثالثة إلى السابعة مساء. وتلقت النقابة 61 طلبًا للترشح، منها 6 طلبات للترشح على منصب النقيب، و20 طلبا لعضوية المجلس فوق 15 عاما، و35 طلبا تحت السن، 15 عاما. والمرشحون على مقعد النقيب هم: سيد الاسكندراني، وضياء رشوان، وطلعت هاشم، وكارم يحيى، ورفعت رشاد، ومحمد مغربي. 

النصاب القانوني للجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المصرية، 50% +1 من أعضاء النقابة الذين يحق لهم التصويت والبالغ عددهم أكثر من عشرة آلاف صحافي عضو. وفي حال اكتمال النصاب القانوني، يبدأ الفرز وإعلان النتيجة. وفي حال عدم اكتمال النصاب القانوني تؤجل الجمعية العمومية والانتخابات أسبوعين بنصاب قانوني 25% +1 من الأعضاء الذين يحق لهم التصويت، ثم تؤجل للمرة الثانية لمدة أسبوعين بنصاب قانوني 25% +1 أيضاً، حال عدم اكتمال النصاب، وهكذا حتى الانعقاد الثامن للنصاب القانوني.

يشار إلى أنه وعلى مدار السنوات الطويلة الماضية، لم يكتمل النصاب القانوني للانتخابات من المرة الأولى التي تسلتزم تسجيل 50%+1 ممن يحق لهم التصويت من أعضاء الجمعية العمومية، وغالبًا ما يكتمل النصاب القانوني في التأجيل الثالث، بنصاب 25%+1.

يقبع 15 صحافياً نقابياً في السجون المصرية

ومع ذلك؛ ورغم استحالة تجمع عدد من الصحافيين يوم الجمعة 5 مارس/آذار المقبل في نقابتهم بوجود تلك السقالات، أو حتى إذا ما تم تأجيل الجمعية العمومية أسبوعين لعدم اكتمال النصاب القانوني؛ تبقى تلك السقالات معبرة بحق عن واقع الصحافة المصرية بشكل عام، وتبقى قضبانها الحديدية خير من يعبر عن أوضاع عشرات الصحافيين المصريين النقابيين وغير النقابيين في السجون. 

ووفقاً للمرصد العربي لحرية الإعلام، يقبع 15 صحافياً نقابياً في السجون المصرية. وطبعاً لمنظمة "مراسلون بلا حدود" التي تصنّف مصر كواحدة من أكبر سجون المنطقة، هناك حوالى 30 صحافياً مصرياً في السجن، ليرتفع العدد الإجمالي إلى الـ80 صحافياً نقابياً وغير نقابي في بيانات منظمات محليّة تحصي جميع العاملين في مجال الصحافة والإعلام.

المساهمون