قصيدة "آراز آراز" التي أثارت أزمة بين تركيا وإيران

قصيدة "آراز آراز" التي أثارت أزمة بين تركيا وإيران

13 ديسمبر 2020
أنقرة: الإيرانيون فهموا الأبيات التي ألقاها أردوغان بالخطأ (الأناضول)
+ الخط -

أبيات شعرية، ألقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس الماضي، في خطاب له في العاصمة الأذربيجانية باكو، أثارت أزمة دبلوماسية بين تركيا وإيران. 

وتبادلت إيران وتركيا استدعاء السفراء، وسط هجمات إيرانية حادة على تركيا ورئيسها، قبل محادثة هاتفية بين وزيري خارجية البلدين، مساء اليوم السبت، لاحتواء التوتر، مع تأكيد الطرفين على "علاقات الصداقة" بين إيران وتركيا. 

وجاءت كلمة أردوغان في احتفال النصر بمناسبة انتصار القوات الأذربيجانية على أرمينيا في الحرب الأخيرة بمنطقة ناغورنو كاراباخ، حيث استعادت أذربيجان السيطرة على أجزاء مهمة من المنطقة، قبل أن تنتهي المواجهات باتفاق ثلاثي بوساطة روسية بين أذربيجان وأرمينيا.  

واشتعلت الأزمة بُعيد إلقاء أردوغان أبياتاً شعرية في الاحتفال، تتحدث بحزن عن قصة الفصل الموجود بين أراضي جمهورية أذربيجان ومنطقة أذربيجان الإيرانية.

وسرعان ما اجتاح مقطع فيديو لأردوغان وهو يلقي تلك الأشعار، شبكات التواصل الاجتماعي في إيران، مع نشر تعليقات حادة عليه، اعتبرت أن الرئيس التركي استهدف وحدة الأراضي الإيرانية، متهمة إياه بتحريض الأذريين الإيرانيين على فصل منطقة أذربيجان الإيرانية عن إيران وضمها إلى دولة أذربيجان. 

وفي أول تعليق إيراني اتخذ طابعاً حاداً، كتب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في وقت مبكر من صباح الجمعة، في تغريدة عبر "تويتر"، أن "أردوغان لم يُخبر أن القصيدة التي أخطأ قراءتها في باكو كانت عن الفصل القسري بين مناطق شمال نهر أرس وأرضها الأم إيران، ألم يعلم أردوغان أنه قد تكلم ضد استقلال جمهورية أذربيجان؟".  

وأكد ظريف أن "لا أحد يمكنه الحديث عن عزيزتنا أذربيجان"، وذلك في إشارة إلى أذربيجان الإيرانية التي تقع على الشطر الآخر لنهر أرس. 

وقامت طهران باستدعاء سفير تركيا وإبداء احتجاج "شديد" على إلقاء رئيسها تلك الأبيات، قبل أن ترد أنقرة بالمثل من خلال استدعاء السفير الإيراني، احتجاجاً على ما وصفتها بنشر "مزاعم" ضد أردوغان. وتقول أنقرة إن الإيرانيين فهموا الأبيات التي ألقاها أردوغان بالخطأ وأنها "خرجت عن سياقها".  

وفي آخر تعليق تركي، وصف المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر جليك، اليوم السبت، الهجوم الإيراني عبر تصريحات لعدد من السياسيين على الرئيس رجب طيب أردوغان، بأنه "يفرح أعداء طهران"، واصفاً أردوغان بأنه صديق إيران أثناء أزماتها. 

ولا تزال القصة متفاعلة في إيران، ووصل الحال بالبعض إلى استحضار الماضي والحروب بين الإمبراطورية العثمانية والدولة الصفوية في إيران، إذ دعا ناشطون إيرانيون إلى "الصفوية الجديدة" في مواجهة "العثمانية الجديدة"، غير أن مثقفين وناشطين إيرانيين حذروا من إثارة الخلافات والتوترات بين البلدين الجارين، مع التذكير بأن المستفيد منها هم الأعداء المشتركون لإيران وتركيا. 

وأجرى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، مساء السبت، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، لاحتواء التوتر الناتج عن الأبيات الشعرية التي ألقاها أردوغان.  

وقال أوغلو، حسب ما ورد في بيان للخارجية الإيرانية، إن الرئيس أردوغان "لم يمكن على علم بالحساسيات حول الأبيات"، مشيراً إلى أن إلقاءها كان له صلة بمنطقتي "لاتشين" و"كاراباخ".  وأضاف الوزير التركي أن أردوغان يحترم "السيادة ووحدة الأراضي الإيرانية". 

أبيات القصيدة

أما الأبيات التي ألقاها أردوغان وأثار بيت منها الأزمة مع طهران، فهي جزء من قصيدة محلية أذرية، غناها مغنون إيرانيون أتراك، خلال العقود الماضية، غير أنها ارتبطت باسم الكاتب الإيراني الأذري صمد بهرنغي، الذي قيل إن النظام الملكي السابق أغرقه في نهر "أرس" أو "أراز" باللغة الأذرية.  

ويعود نظم الشعر إلى قبل نحو 50 عاماً، يسردها الأذريون في إيران ودولة أذربيجان، تحسراً وحزناً على الفصل الحاصل بين شطري نهر أرس الأذريين، أي جمهورية أذربيجان ومنطقة أذربيجان الإيرانية، بعدما كانت دولة أذربيجان جزءا من الأراضي الإيرانية، قبل أن تنفصل عنها لتُضم إلى روسيا القيصرية بموجب اتفاقية "غولستان" مع إيران، في تاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول 1813، بعد حروب بين البلدين.  

وفي إيران، تكتسب هذه الأشعار مكانة رمزية بين القوميين الأذريين، فضلاً عن أن كثيرا من أبناء القومية أيضاً يحفظونها ويلقونها.  

والبيت الذي ألقاه أردوغان وأثار تحفّظ الإيرانيين، هو "فصلوا بين (نهر) أرس وعبّوه بالحديد والحجر، لكن أنا لن انفصل عنك وبالقوة فصلونا".  

وفي إيران، لأن الأشعار أُلقيت في دولة أذربيجان ومن جانب رئيس تركيا، فإنها فُهمت في إيران على أنها محاولة مقصودة تهدد وحدة الأراضي الإيرانية، ودعوة إلى فصل أذربيجان الإيرانية وضمها إلى جمهورية أذربيجان.

وفي السياق، فإن ما دفع الإيرانيين أكثر إلى هذا الفهم هو استحضار اتهامات سابقة لأنقرة وباكو من قبل ناشطين ومراقبين إيرانيين بإثارة النزعة القومية لدى الأذريين الإيرانيين لفصل أذربيجان الإيرانية، علماً أن الأذريين الإيرانيين يشكلون نحو 30 بالمائة من عدد سكان إيران (80 مليون نسمة) يتوزعون في عدة محافظات أخرى، مثل أذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وأردبيل وزنجان وقزوين وفي محافظات أخرى.  

كما أن حجم الغضب الكبير ضد تركيا في إيران هذه الأيام، له علاقة أيضاً بنتائج الحرب الأخيرة في كاراباخ، والتي وقفت فيها تركيا بكل قوتها إلى جانب دولة أذربيجان، إذ انتهت الحرب إلى ظهور تركيا كلاعب مهم في القوقاز الجنوبي، ولم يكن ذلك مرحبا به في إيران، بالنظر إلى العلاقات التنافسية بين القوتين الإقليميتين.

ووجهت أوساط إيرانية، منها أوساط رسمية، اتهامات لتركيا بإحضار مقاتلين سوريين إلى الحدود الغربية الإيرانية، حاربتهم القوات الإيرانية في سورية خلال السنوات الماضية، مع إطلاق تحذيرات من بقاء هؤلاء المقاتلين في المنطقة القريبة من الحدود الإيرانية.  

المساهمون