غرافيتي في غزة... ركام يتحوّل إلى جداريات حالمة

غرافيتي في غزة... ركام يتحوّل إلى جداريات حالمة

01 مارس 2024
بلال خالد ينجز إحدى جدارياته محاطاً بأطفال في مدينة رفح (عبد زقوت/ الأناضول)
+ الخط -

رغم كل ما يواجهونه، إلا أن كثيراً من فناني غزة عزموا على ألّا يتوقف إبداعهم، متحدّين آلة حرب جيش الاحتلال الإسرائيلي وجميع الظروف القاسية التي يعيشونها، آملين أن تحمل أعمالهم الفنية رسائل أرادوا إيصالها إلى العالم. في مقدمة هؤلاء الفنانين، نشط رسامو الغرافيتي، لينجزوا على الركام أعمالهم الجدارية.

بهدف جذب أنظار العالم إلى المجازر التي يرتكبها الاحتلال إسرائيلي يومياً في قطاع غزة، يرسم بلال خالد (33 عاماً) على جدران المباني التي دمرها القصف في مدينة رفح، المنطقة التي كان من المفترض أن تكون آمنة، ليدلل بلوحاته الجدارية على أكاذيب الاحتلال.

"أحلام"

على مدار الأشهر الماضية، عمل خالد مصوراً صحافياً يغطي وقائع حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وخلال ذلك، حظي عدد من صوره بشهرة عالمية، في مقدمتها صورة لطفل صغير يبكي استعملها المتضامنون في عديد من الفعاليات الداعمة لفلسطين حول العالم.

وفي تصريح صحافي، قال خالد إنه قرر تغيير أسلوبه في إظهار ما أحدثه الاحتلال من دمار ومجازر، وذلك عبر طريقة تتجنب صور الموت والعنف، مستعملاً من أجل ذلك شكلاً فنياً كان معجباً به وأحبه كثيراً، هو الخط العربي، لينفذ العديد من الأعمال في مدينة رفح التي نزح إليها.

من أبرز تلك الأعمال، واحد يحمل عنوان "أحلام". رسم خالد عبره كلمة "أحلام" بالخط العربي. يوضح الفنان الفلسطيني أنه اختار لتنفيذه جدار منزل عائلة فلسطينية مكونة من 13 فرداً، استشهدوا جميعاً خلال قصف إسرائيلي.

وعن المشروع بشكل عام، أوضح قائلاً: "أتحدث عن أطفال فقدوا أبسط أحلامهم في الحياة؛ مكان آمن، وملابس نظيفة، ووجبة ساخنة. نحن نتحدث عن أكثر من 16 ألف طفل سُلبوا حقهم في الحياة". وأضاف: "إن أحلاماً كثيرة دُفنت تحت أنقاض المباني التي أعمل عليها. آلاف المباني في قطاع غزة لم تعد قائمة بسبب الحرب الإسرائيلية".

ورغم أن العالم لا يحرك ساكناً، إلا أن ذلك لم يمنع خالد من محاولة أن يجعل المعاناة الفلسطينية مرئية عبر فنّه، مخاطباً الشعوب الحرة التي تتضامن مع شعبه، وتحاول أن تقدم شيئاً من أجله. وفي هذا الخصوص، قال: "نحاول أن نثبت للعالم من خلال الفن أننا شعب مصمم على البقاء والعيش على تلك الأرض".

يأمل خالد أن تنتهي الهجمات الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة وأن يعيش الأطفال حياتهم بشكل طبيعي، مثل أقرانهم في جميع أنحاء العالم.

على وجوه الأطفال

بالطباشير والفحم، تصنع منّة الله حمودة لوحاتها على جدران البيوت المهدمة في مدينة دير البلح، بعد نزوحها إليها من مدينة بيت لاهيا منذ أربعة أشهر. ترسم الفنانة الفلسطينية (21 عاماً) على وجوه الأطفال النازحين، لمساعدتهم على مغالبة خوفهم من القصف الذي لا يهدأ وعمليات القتل والعنف التي يشاهدونها يومياً.

تنتقل حمودة خلال ذلك من ملجأ إلى آخر في دير البلح، لترسم البسمة على وجه 50 طفلاً يومياً، مستخدمة الأدوات التي أحضرتها معها من منزلها في شمال القطاع، بعد تخليها عن مرسمها ومركز تدريبي أسّسته لتعليم الرسم.

وعن هدفها من وراء نشاطها ذلك، قالت حمودة في تصريح لها: "أريد أن أبعث رسالة إلى العالم مفادها أن شعبنا يتطلع إلى عيش حياة طبيعية، وآمل أن يتحرك جميع الناس في كل أنحاء الدنيا ويكثفوا الضغط على إسرائيل لإنهاء حربها علينا في غزة".

وخلافاً للوحاتها الجدارية القاتمة التي عبّرت من خلالها حمودة عن معاناة شعبها جراء ويلات حرب إبادة يتعرض لها منذ أشهر، ترسم الفنانة الفلسطينية رسوماً أكثر بهجة على وجوه الأطفال، مثل الطيور وأغصان الزيتون والبيوت الصغيرة والعلم الفلسطيني.
تقول إن لوحاتها تنبع من عمق الوضع المأساوي الذي تحياه غزة، آملة أن تصل رسائل تحملها لوحاتها إلى العالم الغربي، والعربي الذي تقف حكوماته متفرجة على مآساة الشعب الفلسطيني.

تتطلع حمودة إلى أن يتدخل العالم لوضع حدّ للمجازر الإسرائيلية، لتعاود رسم ما كانت حريصة دوماً على ألا يفارق فنّها من معاني البهجة والاحتفاء بالحياة، مستكملة مشروعها في الفن التشكيلي.

لن نفقد شغفنا

مثلها مثل مئات الآلاف، نزحت أمل أبو السبح (26 عاماً) من وسط غزة، حاملة فرشاتها وألوانها لتستعملها في رسم الجداريات في مدينة رفح حيث لجأت. تعمل أبو السبح على تحويل الحقائق المريرة التي تخلفها الحرب إلى لوحات ترسمها على أنقاض المباني التي دمرها القصف في المدينة الواقعة جنوبيّ القطاع، مجسدة مأساة أهلها وما بلغه العدوان الإسرائيلي من وحشية.

"سنواصل المقاومة، ولن نفقد شغفنا"، قالت الفنانة الفلسطينية. ورغم خسارتها كل شيء خلال العدوان، إلا أنها عازمة على الاستمرار في تسليط الضوء على معاناة شعبها وصموده.

وفي تصريح لها، أكدت قائلةً: "رغم الظروف غير المواتية، نعبّر عمّا في داخلنا، محاولين التغلب على العقبات من خلال التعبير عنها فنياً، وبهذه الطريقة ننقل رسالة تحدٍّ إلى كل من لا يتعاطف مع شعبنا أو يدعمه".

وتصور إحدى جداريات أبو السبح التي تحمل عنوان "غزة 2024"، أشخاصاً يرفعون جدران أحد المباني المنهارة بعد هجوم لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بينما يرفرف العلم الفلسطيني فوقهم. في حين يصور عمل آخر بطلاً غزياً يقف في مواجهة جنود جيش الاحتلال بدباباتهم ومدرعاتهم، التي تتناقض تلك مع ألوان نابضة بالحياة تخصّ البطل الفلسطيني المزيَّن بالكوفية.

تنتشر لوحات أمل على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتستمر الفنانة الفلسطينية في الرسم كوسيلة لتجاوز وضع مأساوي تعيشه مع أهلها، وفي ذات الوقت ترسل من خلال فنّها رسالة إلى العالم تكشف عبرها مدى ما بلغه الإجرام الإسرائيلي في حربه المستمرة على القطاع المحاصر.

المساهمون