عودة ستالين: من سيُشيّد تمثال الزعيم السوفييتي؟

عودة ستالين: من سيُشيّد تمثال الزعيم السوفييتي؟

10 اغسطس 2021
لوحة "فريق ثورة أكتوبر" للفنان فاسيلي سفاروغ (Getty)
+ الخط -

في مؤشر إلى ارتفاع شعبية الزعيم السوفييتي الراحل، جوزيف ستالين، بعد ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفييتي، كشف استطلاع لمركز "ليفادا" المستقل، أن نحو نصف المواطنين الروس يدعمون تشييد تماثيل جديدة له، كما أبدى نحو 60 في المائة من المستطلعة آراؤهم، استحساناً لفكرة إنشاء مجمع "مركز ستالين" للتعريف بحياته وإنجازاته.
وأشار مركز "ليفادا"، إلى أن نسبة أنصار بناء التماثيل ارتفعت بنحو الضعفين في السنوات العشر الأخيرة، إلى 48 في المائة مقارنة بنحو 25 في المائة في عام 2010. وفي المقابل، عارض نحو 20 في المائة من الروس فكرة بناء تماثيل جديدة تزامناً مع احتفالات روسيا في الذكرى الـ 75 للانتصار على النازية في العام المقبل، ورأى 29 في المائة أنّ الأمر سيان، في حين أشار 3 في المائة فقط إلى صعوبة في الإجابة عن السؤال.
وكشف الاستطلاع أنّ فكرة بناء التماثيل تحظى بدعم أكبر من قبل الشباب (18-24 عاماً) والفئات العمرية فوق 55 عاماً، وكذلك شريحة الحاصلين على تعليم متوسط أو أدنى، والعائلات الأكثر فقراً. وفي المقابل؛ فإن الفئات العمرية المتوسطة، والحاصلين على تعليم عال، والعائلات ميسورة الحال لا تستحسن هذه الفكرة.
وفي العقدين الأخيرين، وتزامناً مع صعود الرئيس فلاديمير بوتين، ومع اشتداد المواجهة مع الغرب، بدأت تتغير الصورة النمطية لستالين، وبات يشار إليه على أنه باني الاقتصاد السوفييتي، وبطل النصر في الحرب الوطنية الكبرى على ألمانيا النازية.
وفي استطلاعات الرأي لأهم شخصيات روسيا، يتنافس بوتين وستالين وشاعر روسيا الأهم، ألكسندر بوشكين، بينما تنحى مؤسس الدولة السوفييتية فلاديمير لينين، جانباً؛ ما يشير إلى ازدياد شعبية الحاكم القوي مع التغيرات الحاصلة في روسيا.

وفي تعليقه على نتائج الاستطلاع، أشار ليف غودكوف مدير مركز "ليفادا"، إلى تغيرات كبيرة في مزاج ومواقف الروس منذ أن بدأ المركز بتنظيم استطلاعات في عام 1998، موضحاً أنه في ذلك العام "كانت الغالبية المطلقة من المواطنين تنظر إلى ستالين على أنه دكتاتور وطاغية، تسبب في مقتل ملايين الأبرياء، ومنظم حملات القمع والترحيل القسري، والسبب هو الانتقادات الشرسة في تلك الفترة، وإن كانت سطحية للغاية، للنظام السوفييتي". وقال إن نحو 10 في المائة فقط من الروس حينها نظروا بإيجابية لستالين. وزاد: "اعتقدت حينها (1998) أنه في غضون 20-25 عاماً لن يتذكره أحد، وسينساه الجميع". وعزا غودوف التحول الكبير في نظرة الروس إلى موقف السلطات منذ صعود بوتين قبل نحو عقدين، مشيراً إلى أنّ "بوتين وحاشيته لم يحددوا موقفاً واضحاً من ستالين في أحاديثهم، والسلطات تعاملت مع شخصيته بغموض إلى حد ما، فقد سلطت الضوء أساساً على دوره في تحقيق الانتصار في الحرب الوطنية العظمى (التسمية الروسية للحرب العالمية الثانية)، وانتقلت لاحقاً إلى امتداح دوره الفعال في زيادة الانتاج الصناعي في روسيا، ووفقًا لمُنظّري بوتين، فقد حوّل ستالين بلدًا متخلفًا إلى قوة عظمى حديثة".
ويخلص غودكوف، عالم الاجتماع ومدير المركز، إلى أن "مقولات إنه ربح الحرب وبنى الاقتصاد وغيرها هي حجج غامضة وغير واضحة، ويبدو أن الضعف وانعدام الأمن والعدل تدفع الناس إلى استحسان شخصية الحاكم المطلق العادل"، مستدركاً "من جهة أخرى هذا تعبير غامض للغاية عن عدم الرضا عن الحاضر... هذه آلية مهمة للأشخاص العاجزين الذين لا يشاركون في السياسة".
وحكم جوزيف ستالين (1879 ــ 1953) اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، بين عامي 1924 و1953، وعملياً كان الحاكم المطلق الوحيد في تلك الحقبة رغم أنه لم يكن أبدا على المستوى الرسمي رئيساً للدولة، بل شغل منصب الأمين العام للحزب الشيوعي (1922ــ 1934)، ولاحقًا أصبح سكرتيرًا للجنة المركزية للحزب (1941 ــ 1953)، ورئيساً للحكومة السوفييتية.
ومعلوم أنّ فترة حكم الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف شهدت مراجعة كبيرة لحقبة ستالين، وأطلقت حملات تنديد طاولت سجل ستالين السيئ في حملات تطهير وإرهاب أودت بحياة نحو 30 مليون مواطن سوفييتي، وبلغت الحملة أوجها في 1961 بتغيير اسم مدينة "ستالينغراد" التي شهدت إحدى أكبر معارك الحرب العالمية الثانية إلى فولغاغراد. كما منع ذكر اسم ستالين في كتب التاريخ المدرسية، ليعود في الكتب الجديدة كرمز من رموز تحديث روسيا وبناء اقتصادها، وتحقيق النصر على رغم إشارات تقرّ بممارسته التطهير العرقي وبناء "معسكرات العمل القسري". وهي المعسكرات التي عرضها الكاتب الروسي الحائز جائزة نوبل للأدب ألكسندر سولجنيتسين، في رائعته "يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش" ووثق فيها معاناة فلاح روسي بسيط حارب الألمان لكنّه اتهم بخيانة ستالين ليقضي ثماني سنين في معسكرات العمل.
ويشير خبراء إلى أن شعبية ستالين تزداد مع رحيل معظم أبناء الجيل الذي عانى من اضطهاده، واقتناع عدد أكبر من الروس بأن مبدأ القوة هو الأهم في التعامل مع العالم الخارجي في ظل تصاعد المخاوف من مواجهات عسكرية مع الغرب.

في المقابل، يرى المؤرخ نيكيتا سوكولوف أنّ السلطات الحالية معنية بـ "تلميع وتحسين" صورة ستالين من أجل التغطية على غياب أي إنجازات كبرى في تاريخ روسيا الحديث. ويشير سوكولوف في تصريحات لراديو "سفوبودا" (الحرية) إلى أن "تقديم بروباغاندا الكرملين صورة مثالية عن ستالين، ليست قضية عرضية، فالانتصار هو الإنجاز الأهم في التاريخ الروسي الحديث، ولا يوجد أي إنجاز يمكن تقديمه اليوم".

المساهمون