عن مهرجانات تؤجّل دوراتها: موقفٌ أخلاقي غير مؤثّر كثيراً

عن مهرجانات تؤجّل دوراتها: موقفٌ أخلاقي غير مؤثّر كثيراً

23 أكتوبر 2023
يسري نصرالله: لماذا لا تُعرض أفلامٌ فلسطينية بدلاً من التأجيل؟ (لُوِيك فِنانس/Getty)
+ الخط -

 

مهرجانات سينمائية عربية تؤجِّل/تُلغي دوراتها الجديدة، التي يُفترض بها أنْ تُقام في الربع الأخير من عام 2023، "تضامناً مع فلسطين" و"الشعب الفلسطيني". الحاصل في قطاع غزّة، منذ "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023) على الأقلّ، لا يُحتَمل. العنف والوحشية الإسرائيليان يكادان يكونان غير مسبوقَيْن، لشدّة البطش والتنكيل، وإبادة عائلات بكاملها إحدى دلائل البطش والتنكيل، كتدمير شوارع وأبنية بمن فيها.

تأجيل/إلغاء دورات مقبلة لمهرجانات سينمائية فعلٌ طبيعي سهل إزاء الإجرام الإسرائيلي بحقّ فلسطينيين وفلسطينيات. "مهرجان الجونة السينمائي"، أول المهرجانات العربية اللاغية دوراتها الجديدة، "يُصحِّح" خطأ (أيكون مقصوداً، أم لا؟)، فيُصدر بياناً لاحقاً على الأول، والأول يُشير إلى أنّ سبب التأجيل كامنٌ في "الوضع الراهن في المنطقة". هذا دافعٌ لعاملين وعاملات في السينما إلى إصدار بيان ينتقد المهرجان، الذي ـ في بيانه الثاني ـ يقول إنّ إدارته تتبرّع بـ5 ملايين جنيه مصري (نحو 160 ألف دولار أميركي) "لدعم جهود الإغاثة الإنسانية لأهالي غزّة"، بالتعاون مع "مؤسّسة ساويروس للتنمية الاجتماعية" و"الهلال الأحمر المصري".

خطأ ثانٍ ترتكبه إدارة "مهرجان الجونة". فالتأجيل حاصلٌ، أولاً، لأسبوع واحدٍ فقط، كأنّ "الوضع الراهن في المنطقة" عابرٌ، ولا بُدّ أنْ يستعيد هدوءه سريعاً. الدورة الـ6 محدّدة في الفترة بين 13 و20 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتأجيل يقول إنّ الفترة الجديدة بين 27 أكتوبر/تشرين الأول و2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. البيان الثاني غير متناولٍ فترة أخرى للدورة نفسها، رغم أنّه يعتمد مفردة "تأجيل"، لا إلغاء، وهذه (إلغاء) مفردة تستخدمها "وزارة الشؤون الثقافية" في تونس، بخصوص "أيام قرطاج السينمائية".

وزيرة الثقافة المصرية، نيفين الكيلاني، تُعلن تأجيل الدورة الـ45 (15 ـ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" (هناك نشاطات ومهرجانات ثقافية وفنية أخرى في مصر مؤجَّلة دوراتها الجديدة أيضاً). صحفٌ مصرية عدّة تنشر خبر الإعلان عن التأجيل، من دون إشارةٍ إلى سببه. البحث عن بيان الوزارة غير مُجدٍ، كأنّ هناك تغييباً للحاصل في فلسطين، وإعلان التأجيل يحتال على السبب، من دون قوله.

هذا مختلفٌ تماماً عن البيان الرسمي التونسي، الذي يُحدِّد السبب بالتالي: "تضامناً مع شعبنا الفلسطيني الشقيق، واعتباراً للأوضاع الإنسانية الحرجة التي يشهدها قطاع غزّة، وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلّة، جرّاء العدوان الصهيوني الغاشم".

لا تُشير الوزارتان إلى موعدٍ جديد. هذا يعني أنّ كلّ شيءٍ مُعلَّق "حتّى إشعار آخر" (عنوان فيلمٍ للفلسطيني رشيد مشهراوي، 1994). لكنّ "مهرجان بيروت للسينما الفنية"، مثلاً، غير مُنتبهٍ إلى النار المندلعة في بلدٍ، له معه حدود وتاريخ وعلاقات. "لوريان لوجور" (صحيفة يومية لبنانية باللغة الفرنسية) "تحتفل" (17 أكتوبر/تشرين الأول 2023) بدورته الـ9، التي يُفترض بها أنْ تُقام بين 7 و17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

التأجيل والإلغاء غير كافيين طبعاً، بل إنّهما غير مؤثّرين، فهما مجرّد موقف أخلاقي فقط، وإنْ تكن له ركيزة ثقافية ـ فنية، ولو متواضعة. هذا صحيح. لكنْ، أيكونان مَطلوبين في لحظة تحوّل مصيري خطر، في تلك المنطقة الملتهبة، حديثاً، منذ 16 يوماً؟ التبرّع بمبلغ مالي خطوة إيجابية، كالتأجيل والإلغاء، لأنّ الدم الفلسطيني كثيرٌ، والوحش الإسرائيلي متفلّتٌ من كلّ قيدٍ، ولن يُعاقَب دولياً. رغم هذا، ألا يُمكن إقامة دورة جديدة لأي مهرجان، من دون "مسابقة واحتفالات وتكريمات"، مع "عرض أفلامٍ عن فلسطين" فقط، كما في تعليقٍ للسينمائي المصري يُسري نصرالله (فيسبوك، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، الذي يكتب أولاً تمنّياته لو أنّ الدورة الجديدة لـ"مهرجان القاهرة" تُقام في موعدها. يُضيف نصرالله: "مجرّد قاعة عرض، وموضوع محدّد"، فهذا غير محتاج إلى ميزانية ورعاة، بل يحتاج فقط إلى أناسٍ تعرف أنّ "الفن والسينما والثقافة "مُش" (ليست) رفاهية".

إنّه سؤال غير محسومةٍ الإجابة النهائية عنه. ما يقوله نصرالله منطقيّ وصائب، ولعلّه أكثر إفادة من تأجيل وإلغاء، خاصةً مع اختيار أفلامٍ فلسطينية، وأفلام عربية وأجنبية تتناول فلسطين وشعبها، لعرضها، ولعلّ هناك إمكانية ما لنقاشٍ عنها، لن يكون ضرورياً حضور مخرجيها أو منتجيها أو صانعيها، فالنقاش مفتوح بين مُشاهدين ومُشاهدات، وهذا أفضل في لحظةٍ كهذه.

لكنْ، أيُمكن لهذا أنْ يحدث، في بلدانٍ عربية، سلطاتها مُصابةٌ بتبعيةٍ وخذلانٍ وانهيار وفراغ، ورقاباتها صارمةٌ في منع ورفض؟ خاصة أنّ فلسطين وشعبها يُثيران توتّراً مخيفاً في تلك السلطات والأنظمة العربية، الحاكمة بقوّة البطش والتنكيل؟

المساهمون