عائشة المرطة... "منسية" على عرش الأغنية الكويتية

عائشة المرطة... "منسية" على عرش الأغنية الكويتية

02 نوفمبر 2020
فقدت بصرها في طفولتها (تويتر)
+ الخط -

عند استعادة الأسماء النسائية التي طبعت الأغنية الخليجية، يظهر مباشرة اسم عائشة المرطة. فتحت الفنانة الكويتية الراحلة (1931 ــ 1978) الباب أمام الصوت الخليجي النسائي ليخرج من الظلّ، في ظلّ العادات والتقاليد التي كانت تعتبر غناء النساء عاراً.

مناسبة الحديث اليوم عن المرطة هو انتشار الأغنية الخليجية، بأصوات نسائية خارج حدود الخليج العربي، واستعادة بعض الفنانات أغاني الفنانة الكويتية.

ولدت عائشة المرطة في فريج الفوادرة عام 1934، وعاشت في أسرة بسيطة حياة هادئة، حتى جاءتها الضربة الأولى، ورحل والدها وهي في السادسة من عمرها، فانتقلت للعيش مع خالها النهام سالم المرطة. ما لبثت أن تعوّدت على حياتها الجديدة حتى جاءتها الضربة الثانية المتمثلة في مرض الجدري الذي تسبب بفقدان بصرها وهي لم تكمل العاشرة من عمرها بعد. بعدها بثلاث سنوات، توفيت والدتها. لكن الطفلة بدت متماسكة بشكل جعلها تعرف كيف تكمل حياتها. فكانت تستمع إلى أغاني الفولكلور في الأفراح، وتحفظها. وفي مقابل هذا الحب للموسيقى التحقت بمعهد النور لحفظ القرآن. هناك اكتشفت أنها تتمتّع بصوت جميل فقررت أن تسير خلف حلمها وبدأت تغني وسط النساء بصوتها الحاد القوي أغاني التراث الكويتي.

الفنانة الكويتية التي بدأت الغناء في الأفراح وبين الأهل والأقارب، انضمت لاحقاً إلى فرقة عودة مهنا الشعبية، تحت قيادة الفنانة الشعبية الأشهر والأهم عودة مهنا، وانطلقت معها في الحفلات الغنائية. حصل كل ذلك وهي لم تبلع الـ16 من عمرها بعد. وبينما كان نجمها قد بدأ بالظهور، تزوّجت ومنعها زوجها من الغناء. لكن قراره هذا لم يصمد طويلاً أمام ضغط أهلها ومعارفها الذين أقنعوه أن زوجته تتمتّع بموهبة كبيرة. هكذا عادت إلى الساحة الغنائية مستعيدة أغاني التراث التي سمعتها وهي طفلة بصحبة أمها في قرية الفنطاس.

واستمرت عائشة في لفت الأنظار وحصد النجاحات، حتى شجعتها عودة المهنا في دخول اختبار الإذاعة في نهاية الستينيات وهو ما حصل، فغنت أغنية "يا متلف الروح"، ونجحت بالفعل لتبدأ مرحلة جديدة من مسيرتها. مرحلة التحول من مطربة شعبية، تغني مع النساء، إلى الغناء بشكل حقيقي واحترافي. هنا برز دورالملحن وأستاذها ورفيقها خالد الزايد الذي بدأ معها رحلة تدريب وتهذيب الصوت، وتعليمها الغناء بشكل صحيح. فقدم معها أغنيتها الأولى "حكم الهوى"، وكانت المفاجأة النجاح الكبير التي حققته تلك الأغنية، لتصبح بذلك عائشة المرطة أول سيدة كويتية تغني وخلفها فرقة موسيقية.

بعد أغنيتها الأولى، فُتحت لها أبواب النجاح، فقدمت أغانيها الخاصة إلى جانب الأعمال التراثية الشعبية، وبرعت في كل ما قدّمته. هكذا بدأت أغانيها تخرج إلى باقي الدول الخليجية ثم العربية، فقدمت حفلات في مصر، وفي دول خليجية مختلفة. كما استعادت فنانات الجيل الحالي أغانيها مثل الراحلة ذكرى، والسورية أصالة نصري اللتين استعادتا أغنيتها "أبشري يا عين"، لكن من دون الاقتراب من أداء عائشة المرطة. ولعلّ جزءاً كبيراً من الجمهور العربي لا يعرف المرطة إلا من خلال أغنية "منسية" التي قدّمتها الفنانة المصرية أنغام في ألبوم "أغاني أعجبتني" عام 1996. وهو واحد من ألبومات كثيرة قدمتها أنغام باللهجة الخليجية لخلق سوق وجمهور بعيدين تماما عن جمهور مصر.

كذلك كان للفنانة الكويتية إسهامات كثيرة في الغناء الوطني، مثل "يا أعلام العز"، و"يا بلدنا السعيدة"، و"يا نجمة الفجر"، و"يا طيور الفرح"، و"شيلات التهاني"، وغيرها الكثير، وهو ما زاد من مكانتها داخل الكويت وخارجها. وكانت عائشة صديقة لأم كلثوم، وكانت بينهما جلسات في مصر والكويت، وأحبت أم كلثوم صوت عائشة الشعبي الجميل، وكانت تطلب منها الغناء في جلساتهما. وقد انتشر قبل سنوات تسجيل خاص من إحدى تلك الجلسات.

وفي شهر يوليو/تموز عام 1979 رحلت عائشة المرطة بعد معاناة مع مرض السرطان تاركة خلفها إرثاً يجعلها حتى اليوم مطربة الكويت الأولى.

المساهمون