طيارون بدون طيارات: من قُمرة القيادة إلى الأعمال الحرة

طيارون بدون طيارات: من قُمرة القيادة إلى الأعمال الحرة

28 ديسمبر 2020
خمسة ملايين وظيفة معرضة بشكل مباشر للخطر في مجال الطيران (Getty)
+ الخط -

مند بدء أزمة كوفيد- 19، يشهد قطاع الطيران كارثة حقيقية. فوفقًا للاتحاد الدولي للنقل الجوي، ما يقرب من خمسة ملايين وظيفة معرضة بشكل مباشر للخطر في مجال الطيران في جميع أنحاء العالم. ولمواجهة الوضع الكارثي لم يتردد العديد من الطيارين والمضيفين والمضيفات في العمل على مزاولة مهن أخرى حالياً لا علاقة لها بالطيران. فبينما لا يزال الكثير من المستخدمين يستفيدون من البطالة المؤقتة في أوروبا، فإن هذا ليس هو الحال في القارات الأخرى، ما يجبر ممتهني الطيران على التأقلم القسري المذهل في بعض الأحيان. هذه هي حالة أزرين محمد الزواوي، الطيار السابق في شركة ماليزية، والذي يدير الآن كشكاً صغيراً لبيع المعكرونة على أرصفة ضواحي كوالالمبور. فقد أثار الزواوي ضجة، أخيراً، عندما نشر صورة لنفسه على صفحته في "فيسبوك" مرتدياً زي طيار محاطاً بزي عمله الحالي خارج كشكه المسمى "كابتن كورنر". ويقول هذا الأب لأربعة أطفال "أحتاج إلى دخل لأن شركتي القديمة استغنت عني". وفي محاولة لتشجيع زملائه السابقين على الصمود قال إنه يجب "مواجهة التحدي وعدم الاستسلام أبداً. الأمر مثل قيادة طائرة، نتحرك دائماً إلى الأمام".

في بلجيكا، تعد حالات التسريح نادرة جداً في الوقت الحالي بفضل نظام البطالة المؤقت
 

في أوروبا أيضاً، يُظهر الطيارون قدراً كبيراً من البراعة في التأقلم بسبب جائحة كورونا. فقد اضطر الكثير منهم إلى اقتراض مبالغ كبيرة لدفع تكاليف تدريبهم، وغالباً ما لا يكفي الدخل من البطالة الاقتصادية لتغطية نفقاتهم. وهكذا تحول البعض منهم، بشكل مؤقت أو دائم، إلى سائقي تاكسي لنقل الأشخاص أو تسليم البضائع. فقد أنشأ طيار إيطالي موقعه الخاص، "طيار لأي عمل"، حيث يقدم خدمات في المساعدة على إصلاح المعدات المنزلية. ويوضح طيار بلجيكي لـ"العربي الجديد": "في هذه الأزمة، عليك أن تنحي غرورك جانباً وأن تراجع طموحاتك. وأنا أرفع القبعة احتراماً لهذا الطيار الإيطالي المستعد لإصلاح المراحيض ليتمكن من الحصول على أجرة". وتطول لائحة المهن التي اختارها الطيارون السابقون، من كهربائي ومدير سوبر ماركت وصانع شوكولاتة ومدرس ومصرفي وحتى طيار لطائرة بدون طيار أو مدرب رياضي. ويتبادل هؤلاء الطيارون، على الشبكات الاجتماعية، الخبرات ويقدمون المشورة لبعضهم البعض.

في بلجيكا، تعد حالات التسريح نادرة جداً في الوقت الحالي، وذلك بفضل نظام البطالة المؤقت. ويوضح لـ"العربي الجديد"، بيرت فان رومباي، مدير الموارد البشرية في شركة بروكسل للطيران، أن "إيجاد مهنة بديلة غالباً ما يكون أمراً صعباً بالنسبة للطيارين. لا يتعلق الأمر بسهولة العثور على وظيفة، ولكن الرغبة في تغيير المهنة. إذ يجب أن يكون الدافع حقيقياً وملحاً، لأن كونك طياراً هو مشروع حياة، حلم طفولة للكثيرين. وهذا هو سبب قرارنا مع النقابات عدم فصل أي من طيارينا". وبدلاً من ذلك، وافق هؤلاء على خفض أجورهم وتقاسم ساعات العمل القليلة بشكل دوري مع زملائهم. "بصرف النظر عن المتقاعدين، كان الطيارون الوحيدون الذين غادروا شركة بروكسل للطيران هم الذين يمتلكون بالفعل مشروعاً آخر أو أرادوا تكريس المزيد من الوقت لعائلاتهم، مثل هذا الطيار الذي أصبح يعمل لدى شركة من الشرق الأوسط مما يسمح له برؤية ابنه البالغ من العمر عامين بشكل منتظم"، يشدد بيرت فان رومباي. وكما يقول الطيار الذي التقته "العربي الجديد": "رغم قبولي بالمهنة فأنا ضائع بعض الشيء لأنني كنت أسافر دائماً ولا أتقن فعلياً غير هذه المهنة".

الطيارون الوحيدون الذين غادروا شركة بروكسل للطيران هم الذين يمتلكون بالفعل مشروعاً آخر أو أرادوا تكريس المزيد من الوقت لعائلاتهم

ومع ذلك، فإن الطيارين يتمتعون بمؤهلات مطلوبة في قطاعات أخرى. "الطيار هو شخص صارم للغاية ويحترم الدقة"، كما يوضح بيرت فان رومباي. مضيفاً "لا يمكنك قيادة طائرة إذا لم يكن كل شيء تحت السيطرة. هم أيضاً أشخاص يتفاعلون جيداً مع الإجهاد. وعلّمهم تدريبهم إعطاء الأولوية للإجراءات التي يتعين تنفيذها في حالات الأزمات"، مشيراً إلى أن أحد المشاريع المرهقة إلى حد ما والمعقدة تقنياً في أحد المصارف البلجيكية تم إنشاؤه على يدي طيار سابق، وعمل بشكل جيد للغاية. "يمكن للطيار أيضاً تنظيم الإنتاج بشكل جيد للغاية في مصنع كيميائي، حيث توجد أحياناً أحداث غير متوقعة ويتعين الرد بسرعة وبشكل جيد"، يضيف بيرت فان رومباي. تبقى مسألة الرواتب هي التي يتعين على الطيارين القبول بانخفاضها مقارنة مع رواتبهم السابقة، وذلك في بداية مشوارهم الجديد على الأقل. ففي شركة بروكسل للطيران، يكسب الطيار حوالي 6000 دولار شهرياً، وأكثر من 8000 دولار للقباطنة، وهي رواتب من بين الأسوأ في أوروبا.

المساهمون