"طريق السموني" و"غزة"... عن حياة أصبحت من الماضي

"طريق السموني" و"غزة"... عن حياة أصبحت من الماضي

23 نوفمبر 2023
من فيلم "طريق السموني" للمخرج الإيطالي ستيفانو سافونا (IMDb)
+ الخط -

تحضر غزة في لندن، من خلال مهرجان الفيلم الفلسطيني، الذي يعرض أفلاماً تتناول حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، من أبرزها "طريق السموني" و"غزّة"، اللذان يقدمان لمحة تاريخية عن معاناتهم وصمودهم.
في "طريق السموني"، الذي أخرجه الإيطالي ستيفانو سافونا، نتعرّف إلى عائلة السموني في قطاع غزة، خلال عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي وبعده في عام 2009.
يركّز "طريق السموني" على حياة المزارعين الذين لم ينخرطوا في العمل السياسي، ويسعون للعمل في أرضهم والإنتاج منها. يبدأ الفيلم بالفتاة أمل، ابنة عطية السموني، التي تتحدّث عن أبيها بحزن، وهي تستعيد ذكرياتهما معاً. ثمّ ننتقل إلى أخيها المراهق الذي يتحدّث عن أعمار أشجار الزيتون والجميزة، التي تزيد على 150 عاماً، ثمّ يروي قصة والده الذي اقترض المال قبل استشهاده بفترة قصيرة، تحضيراً لزواج ابنه فرج.
ويقول بحسرة إنّ والده وعد المقرض بسداد المبلغ عقب بيع محاصيل الأرض، لكن قصف الاحتلال الإسرائيلي أطاح الأشجار ووالده.
يظهر الوثائقي تأثّر أطفال العائلة بالأجواء المحيطة بهم. وعلى الرغم من أنّهم لم يتجاوزوا العاشرة، إلّا أنّهم يردّدون أغاني عن الشهداء، ويرسمون وجه والدهم الشهيد مع جنود جيش الاحتلال الذين قتلوه.
بانسيابية، تنتقل هذه المشاهد إلى الجمهور، وتعكس الصور المؤلمة التي ترسّخت إلى الأبد في ذاكرة الأطفال وشوّهت براءتهم. يعتمد أسلوب سرد "طريق السموني" على المزج بين اللقطات الحقيقية والرسوم المتحركة، التي تظهر وكأنّها خيالات الطفلة أمل، التي أصيبت بشظايا في رأسها جراء القصف الإسرائيلي.
في النهاية، نشاهد عائلة السموني تتشاور في إخلاء المنطقة من عدمه، عقب إلقاء الاحتلال منشورات تطالب بإخلاء مناطق مجاورة لها.
هكذا، يقرّر كبار العائلة البقاء. يلي ذلك مشهد يخيب آمالهم، إذ نسمع طرقاً عنيفاً على باب منزل عائلة عطية السموني التي تحتمي بداخله، يليه صوت من جنود الاحتلال يأمرونه بفتح الباب وإبراز هويته. وبرغم خضوع عطية لأوامرهم، يطلقون عليه الرصاص؛ فيقع جثّة هامدة أمام أطفاله وزوجتيه.
أمّا الفيلم الوثائقي "غزة"، من إخراج غاري كين وأندرو ماكونيل، فيقدم لمحة عامّة عن الفلسطينيين في قطاع غزة، وبالتحديد حياة الصيادين، والتحدّيات اليومية التي يواجهونها في ظلّ القوانين التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي.
يبدأ الفيلم بمعلومات عن مساحة غزة واكتظاظها بالسكان. وينتقل بعدها إلى المراهق محمد، الذي يقول إنّ والده متزوج بثلاث نساء، وإنّ أمّه وحدها أنجبت 14 طفلاً، وإنهم يعيشون في منزل من ثلاث غرف فقط، ويعبّر عن سعادته بعائلته الكبيرة، ويتحدث عن أحلامه البسيطة وحبّه للبحر.
يأخذنا الوثائقي بعدها إلى عائلة تبدو ظروفها المعيشية أفضل. وهنا أيضاً تظهر أهمية البحر، عند حديث الفتاة كرما التي ولدت قبل الانتفاضة بعام، حين تشبّه استنشاق هواءه بمن يتنفس هواء الحرية، رغم إحساسها بحاجز لامرئي فاصل. ويعرض الوثائقي شخصيات مختلفة، يجمعها رابط حبها للبحر، الذي كان بمثابة كنز للصيادين عندما كان مفتوحاً لهم، إلى أن حظر الاحتلال الصهيوني الصيد خارج نطاق مسافة ثلاثة أميال.

نعود بين الفينة والأخرى إلى لقطات من شوارع غزة الصاخبة بالحياة، رغم الدمار الذي يلفّ مبانيها. كذلك، نشهد انبثاق الأفراح من صميم المعاناة والاحتجاجات المستمرة على حدود ما يُسمّى "إسرائيل"، من حرق إطارات السيارات وما يرافقها من جرحى وشهداء ودمار نفسية الشباب والمجتمع.
حاز "غزة" آراءً إيجابية، وعبّر النقّاد عن إعجابهم بقدرة صانعي الفيلم على تصوير الحقائق اليومية للحياة في غزة بتفاصيلها.
لم يقتصر تركيز الفيلم على الجوانب السياسية وفهم التعقيدات التاريخية والثقافية لغزة بشكل أفضل، بل تعمّق في الحياة الشخصية والأحلام والتطلعات، حتى الاعتياد على المعاناة لدرجة عدم إدراك الناس لها، لكونها باتت جزءاً من حياتهم اليومية.

المساهمون