ضد هاني شاكر

ضد هاني شاكر

02 ديسمبر 2021
لا أحب نمط غناء هاني شاكر (تويتر)
+ الخط -

شخصياً، والدنيا أذواق، لا أحب نمط غناء هاني شاكر الحزين الملتاع الباكي دوماً. وشخصياً، أعتبر نفسي من "السّمّيعة" إذ لا يطربني إلّا ناظم الغزالي، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وصباح فخري، وفيروز ومن هو في مستواهم الفني.
مع ذلك لا يسعني إنكار أنّ لشاكر معجبيه ومعجباته وأذكر أنّ شقيقة زوجتي المراهقة حينها، كانت تضع صورته على خزانتها، وكنت أمازحها دائماً بالقول: "أنا أوسم منه وصوتي أحلى" فتزعل وتضع أغنية له وغالباً ما تكون "أنا حذرتك منه" أو "آدي الي نابك من الهوى ويسألوك يا قلبي ليه ترضى بعذابك تقول نصيبي" أو "يا ريتك معايا" من ألبومه "الحب مالوش كبير" (صادر عام 1987).
بمعايير السمّيعة يعتبر غناء هاني شاكر حداثياً ولا يمثل الخط الطربي الأصيل وكلمات أغانيه عادية جداً، ومع ذلك لم أسمع أنّ أحداً من الفنانين الكبار، هدر صوته أو صوت غيره كما فعل هو مع مطربي المهرجانات حين قام بمنعهم من الغناء في مصر مستغلاً سلطته كنقيب للمهن الموسيقية.
ولتبرير هذا الحكم الجائر، استخدم شاكر الشعارات الكبيرة الوطنية والقومية، وحماية الذوق العام، وتربية الجيل، وحفظ التراث والأصالة من الفن الهابط المنحط: "لن أسمح بهذه المهازل" لأنّ "هذا لا يليق بمصر في عهد الرئيس السيسي" و"نحن في حالة حرب" واتهم مغني المهرجانات بالفساد الفني والإرهاب الثقافي، علماً أنّ معركته مع هؤلاء المغنين وهذا النوع من الموسيقى مستمرّة منذ أكثر من 3 سنوات، وتتجدّد عند كلّ نجاح جديد لهذا النوع الغنائي الشعبي.
وعندما أقف ضد هاني شاكر في قراراته القراقوشية فهذا لا يعني أنّني أستلطف كلّ أغاني المهرجانات مع إعجابي ببعضها لناحية هضامة الكلمات وسلاسة الألحان وجو الفرح والفكاهة التي تشيعها "بنت الجيران" و"يا خواتي" و"إنتِ معلمة".
لا بدّ أولاً من فهم طبيعة هذا الغناء المتمرد والمتجذر في البيئة الشعبية، لا سيما في مناطق العشوائيات والأحياء المهملة والفقيرة التي تقع تحت خط الفقر. فمنع هؤلاء المطربين أشبه بالاعتراض على فيلم "ريش" لأنّه يصور الفقر الأسود في مصر، ولأنّ معظم ممثليه من غير المحترفين، وهكذا.

صحيح أنّ بعض كلمات هذه الأغاني بذيء وقبيح، والأمثلة هنا كثيرة وتتجلى ببعض ألقاب مؤلفي الأغاني مثل " الشاعر الفاجر" وألقاب المغنين مثل "كزبرة وحنجرة" وبعناوين المهرجانات والأغاني ومنها "أمك صحبتي وأختك بترقص على مطوتي" و"انتحار على خط النار " و"كلّ البنات ببلاش" و"أمك حصالة وبتكسب الملايين". لكنّ ما سبق يبقى أقل بذاءة وقبحاً من أوضاع الناس وأحوال معيشتهم التي غالباً ما يستوحي منها مغنو المهرجانات كلمات أعمالهم.
تخلط موسيقى المهرجانات بين الراب، والموسيقى الإلكترونية، والموال الشعبي المصري، ومفردات البيئة المصرية. وهي تعبّر بأسلوب بسيط عن رفض الواقع ومحاولة تغييره، ولو كان ذلك أحياناً بشكل فج ومباشر وبذيء. وقد انتشرت أواخر حكم الرئيس مبارك في أوساط الطبقات الفقيرة والمتوسطة ثم وصلت الى أوساط النخب الحاكمة اقتصادياً واجتماعياً وازدهرت أكثر مع ثورة يناير 2011 ولعلّ ذلك أحد أسباب منعها ومحاولة استئصالها الآن.
كان الأجدى لو انتبه شاكر ومن معه لدور النقابات الحقيقي من الاهتمام بالصنعة وتطويرها وعملوا على التعاون والحوار مع هؤلاء الفنانين لتطوير هذه الظاهرة وتشذيبها وتهذيبها من البذاءة والرداءة بدلاً من الإقصاء.

لن يقضي قرار نقابة المهن الموسيقية على هذه الظاهرة بل سيزيد من انتشارها والطلب عليها وسيدعى فنانوها للغناء خارج مصر وتهدى لهم ملايين الدولارات والسيارات الفخمة وتحظى أغانيهم بمليارات المتابعات على يوتيوب ومنصات النشر الإلكتروني، خصوصاً أنّ هذه المنصات باتت خارج أي سيطرة للسلطة وأجهزتها، وحتماً سيسقط حكم النقابة والنقيب.

المساهمون