صحافيون في جنوب لبنان: قصف الاحتلال وإهمال المؤسسات

صحافيون في جنوب لبنان: قصف الاحتلال وإهمال المؤسسات

15 نوفمبر 2023
من استهداف الاحتلال للصحافيين يوم الاثنين في جنوب لبنان (بلال قشمر/ الأناضول)
+ الخط -

بعد شهر بالضبط على استهداف صحافيين في جنوب لبنان واستشهاد مصور وكالة رويترز اللبناني عصام عبدالله، عاد الاحتلال الإسرائيلي مرة أخرى بعد ظهر الاثنين الماضي، إلى قصف موكب للصحافيين في بلدة يارون في الجنوب اللبناني، ما أدى إلى إصابة مصوّر قناة "الجزيرة" عصام مواسي بجراحٍ طفيفة، بينما نجا باقي الزملاء.
وكانت قذيفتان إسرائيليتان قد سقطتا على بعد أمتارٍ من سيارات الصحافيين ــ الذين كانوا في جولة إعلامية نظمها حزب الله في المناطق الحدودية ــ وسط تأكيداتٍ من قبل الموجودين أن الاستهداف كان مباشراً ومقصوداً، خصوصاً أنهم كانوا في مكان مفتوح، وظاهر، وهوياتهم الصحافية مُعلنة.
وتشهد القرى الحدودية تصعيداً عسكرياً بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي يسير على وتيرة متزايدة منذ بدء المناوشات النارية في 8 أكتوبر/تشرين الأول بالتزامن مع العدوان على قطاع غزة، وسط خشية من توسع رقعة الحرب وتفاقم المخاوف من مواصلة استهداف الاحتلال للأطقم الإعلامية في الجنوب اللبناني على غرار جرائمه المرتكبة بحق الصحافيين في غزة، وهو ما دفع وسائل إعلامية، خصوصاً الأجنبية منها، إلى الانسحاب من الجبهة الجنوبية.
وسحبت وكالات أجنبية مراسليها من جنوب لبنان، إبان الاستهداف الأول الذي استشهد فيه عبدالله، منها، وكالات "رويترز"، و"فرانس برس"، و"أسوشييتد برس" وغيرها، وقد لوحظ تراجع لافت في عدد وسائل الإعلام التي تقوم بتغطية التطورات جنوباً.
أما لبنانياً وعربياً، وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن غالبية المؤسسات الإعلامية لم تتخذ أي إجراءات استثائية ما عدا بعض القنوات العربية التي أجرت إعادة تقييم للمخاطر، ودرست المساحات والنقاط الجغرافية من بوابة تقييم الوضع الأمني، وطرق الخروج أو الانسحاب حفاظاً على سلامة الفريق الإعلامي. وبحسب المعلومات أيضاً، طلبت هذه الوسائل الإعلامية من مراسليها تجنب الأماكن الساخنة، التي تشهد تصعيداً عسكرياً خطيراً وعشوائياً في الضربات والقصف.
في المقابل، يشكو عددٌ من الصحافيين، في حديثهم مع "العربي الجديد"، من افتقار المؤسسات الإعلامية التي يعملون لديها إلى التجهيزات والخطط اللازمة عند تغطية الحروب أو النزاعات على سبيل تأمين السترات والخوذ المناسبة للحروب، عدا عن دفع بعض المؤسسات صحافييها ومصوريها نحو مخاطر غير ضرورية.
ويقول أحد المراسلين، ويعمل في موقع إلكتروني سياسي لبناني، لـ"العربي الجديد"، إن "المؤسسة كانت ترسلني من دون أي معدات إلى الجنوب، فأُترك لمصيري، ومن دون تنسيق متواصل، ولم تؤمن لي حتى إقامة في الفندق، فكنت أعود إلى صيدا  أو بيروت لأرتاح قليلاً ومن ثم أعود في اليوم الثاني إلى الحدود".
بدوره، يقول مراسل "التلفزيون العربي" في بيروت محمد شبارو، لـ"العربي الجديد"، إن استهداف الصحافيين في المرّة الأولى كان له تأثير كبير عليه سواء على الصعيد الشخصي المباشر أو المهني، باعتبار أولاً الصداقة التي تربطه بالشهيد عصام عبدالله، والتغطيات الميدانية التي جمعتهما معاً، وثانياً "أظهر هذا الاعتداء على الأطقم الصحافية، أننا في نمطٍ متكررٍ من الاستهداف، إذا ما ربطناه بالجرائم التي ترتكب في غزة بحق الصحافيين... وقد رأينا الاستهداف الثاني يوم الاثنين، وقد نجت المجموعات الإعلامية بأعجوبة، ما أكد المشهدية الخطرة على العمل الصحافي".
ويلفت إلى أن الاعتداء على الصحافيين يجب أخذه على محمل الجدّ، فالاستهداف "مباشر، ويسير على نمط ما يحصل في غزة، وهما عاملان يؤكدان أن العمل سواء في الجنوب أو في نطاق العالم العربي عالي المخاطر، الأمر الذي يحتّم بطبيعة الحال اتخاذ إجراءات إضافية أكثر تشدداً".

ومن خلال عمله على الحدود اللبنانية ــ الفلسطينية يشير شبارو إلى سقوط الصحافي أحياناً في فخ انكار الواقع، سواء لأسباب تنافسية، أو لعوامل ترتبط بطبيعة التغطية الميدانية الحربية، إذ مع امتداد التغطية لأيام طويلة، تصبح قدرة الصحافي على الحكم وتقييم الوضع الأمني على الأرض بعد هذه الفترة "غير سوية وتجعله يعتاد على المخاطر".
وفي وقتٍ يلفت شبارو إلى أن التنقل هو أصعب ما يمكن مواجهته خلال وجود الصحافيين في القرى الحدودية، يشير إلى أنه مستمرّ بالتغطية خصوصاً أنه يتمتع بحرية الحركة من قبل المؤسسة التي يعمل فيها، من دون دفعه إلى أماكن تضعه في دائرة الخطر، إضافة إلى التقييم المشترك الذي يحصل مع المؤسسة، ويُدرس من خلاله واقع الأرض.
من جهته يقول مراسل قناة "العالم" الإخبارية حسين عز الدين، لـ"العربي الجديد"، إنه يغطي التطورات على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر الماضي، مشيراً إلى أن الصعوبات التي يواجهها، تتمثل في التنقل الميداني.
ويشير عز الدين إلى أن التغطية تختلف كثيراً. إذ كان الصحافي بمنأى عن الخطر وأصبح مستهدفاً، "فبعد استهدافين طاولا الفرق الصحافية، يجب اتخاذ الحيطة والحذر بشكل أكبر، والالتزام بإجراءات استثنائية وأكثر تشدداً خصوصاً عندما تكون التغطية على الأرض في أماكن مكشوفة في الميدان، ولا سيما أن الاحتلال لم يعد يميّز بين هدف عسكري أو مدني أو صحافي، لذلك، فإن الحصانة الصحافية التي تحميها الوثائق الدولية، تسقط عادة في الحروب المفتوحة، سواء عن طريق الخطأ أو العمد من خلال استهداف مباشر للصحافيين والإعلاميين".

ومع بدء التغطية في جنوب لبنان، أصدر تجمع نقابة الصحافة البديلة في لبنان، بياناً (راجع الكادر) انتقد فيه إرسال بعض المؤسسات المحلية لمراسليها ومصوريها إلى الحدود الجنوبية، من دون الحد الأدنى من الحماية اللازمة، وغياب أي تدريب للفرق الصحافية حول التغطية في مناطق الحروب، إلى جانب الضغط على الصحافيين والمصوّرين للاقتراب من نقاط القصف الإسرائيلي، ما يعرض حياتهم لخطر واضح. في هذا الإطار تشدد عضوة لجنة التنسيق في التجمّع، إليسار قبيسي  لـ"العربي الجديد"، على نصائح أساسية يجب على الصحافيين والعاملين في الإعلام التقيّد بها للحفاظ على سلامتهم وأمنهم خلال التغطية في حال النزاعات والحروب، أبرزها، عدم إجبار أي صحافي أو مصوّر على العمل في مناطق النزاع، وعدم  المخاطرة بطواقم العمل من أجل صورة أو خبر أو نقل مباشر من أي موقع قريب من ساحة المعركة، وتعيين مسؤول لمتابعة طواقم العمل على الأرض والتنسيق مع الجهات الأمنية وفرق الإسعاف لمتابعتهم، وتجهيز كل أعضاء فرق العمل بكل المعدات اللازمة للتغطية أثناء الحروب، وتأمين دعم نفسي لهم، خصوصاً الموجودين في الخطوط الأمامية، وتأمين المداورة في العمل بين مراسلين محددين لتغطية مناطق معينة.
وتؤكد قبيسي أن الاحتلال يريد توجيه رسالة إلى الصحافيين لإسكاتهم وتهديدهم وترهيبهم وحجب الضوء عن جرائمه وارتكاباته وذلك عبر استهدافه الإعلام المباشر سواء في لبنان أو في غزة.
وتشدد قبيسي على ضرورة أن تلعب الأجهزة الأمنية والجهات المعنية على الحدود اللبنانية الجنوبية دورها لحماية الصحافيين وعدم جعلهم هدفاً للإسرائيلي، سواء قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان أو الجيش اللبناني.
وتلفت إلى أن على الجهات المعنية حماية الفرق الإعلامية، وتحمّل مسؤولياتها، كما على المؤسسات الإعلامية وضع سلامة العاملين لديها فوق أي اعتبار أو تغطية، ورفع مستوى الحذر والسلامة لطواقمها، مشيرة إلى "أننا نعرف أن إسرائيل لا تخضع للجان الأممية والدولية، لكن نريد أن نسجل من خلال تتوثيقنا للجرائم أنها دولة مجرمة، وأن دم زملائنا لن يذهب هدراً، خصوصاً أن التقرير الذي صدر باغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة، منحنا الأمل ولو كان ضئيلاً بإمكان ادانة إسرائيل ومعاقبتها".

المساهمون