صحافيون عراقيون مختفون... أقلام جفّت في غياهب سجون سرية

صحافيون عراقيون مختفون... أقلام جفّت في غياهب سجون سرية

25 يناير 2024
من تظاهرة في 2022 إحياء لذكرى احتجاجات 2019 (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

لا تنقطع مطالبات ناشطي الحراك المدني والصحافيين في العراق بالكشف عن مصير زملائهم الذين اختُطفوا وغُيّبوا على أثر المشاركة في الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2019، ولا يُعرف مصيرهم لغاية الآن، رغم أن السلطات العراقية كانت قد فتحت تحقيقات بشأنهم، من دون الوصول إلى أي نتائج.

وعاد الحديث عن الصحافي باسم الزعاك، الذي اختطفه عناصر ينتمون إلى دائرة الأمن التابعة لـ"الحشد الشعبي"، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وسط بغداد، خلال تصويره بثاً مباشراً عبر حسابه في "فيسبوك"، إذ كان ينقل صور خيم المعتصمين من أنصار الأحزاب والفصائل المسلحة المعترضة على نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نفس الشهر آنذاك.

ونشرت منظمة العفو الدولية، بياناً قالت فيه: "اختفى الصحافي باسم الزعاك قسرياً قبل عامين في العراق أثناء تغطيته لاعتصام. وتقول تقارير شهود عيان إن اختطافه كان على يد عناصر من وحدات الحشد الشعبي"، مطالبة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني "بالكشف عن مصيره، ومعاقبة خاطفيه".

وسبق أن اختُطف الصحافيان مازن لطيف (كاتب ومؤلف ومهتم بحقوق الأقليات في البلاد)، وتوفيق التميمي (يعمل في صحيفة الصباح الرسمية)، بنفس الطريقة، ولم تتضح أي تفاصيل حول لجان التحقيق التي شكلتها الحكومة، فيما غاب أثرهما، لكن المطالبات تتواصل من الناشطين والمنظمات المحلية المعنية بحقوق الإنسان وحماية الصحافيين.

وكتب صاحب حساب "وزير عراقي"، الذي يحظى بمتابعة كبيرة على منصة إكس، منشوراً أثار استغراب العراقيين، حول مصير صحافيين اثنين توفيا متأثرين بإصابات بالغة من جرّاء التعذيب في أحد سجون الحشد الشعبي. وقال "وزير عراقي": "صحافيان عربيان شيعيان وطنيان توفيا في مديرية أمن الحشد الشعبي، إثر التعذيب الوحشي، الأول يعمل في جريدة الصباح لأنه دعم تظاهرات تشرين وكتب في إحدى المقالات هتاف ثورة تشرين الخالد: إيران برة برة، بغداد تبقى حرة. والصحافي الثاني يعمل في وكالة خبرية دولية، ولديه حس وطني عال ويرفض الاحتلال الإيراني، وتم خطفهما وتعذيبهما تعذيباً وحشياً حتى الموت في مديرية أمن الحشد الشعبي، وارتقت روحاهما إلى السماء وهما تلهجان بحب الوطن وهذا لا يروق لذيول إيران".

كما كتب رئيس الحكومة السابق، مصطفى الكاظمي، أخيراً على "إكس"، تدوينة خص بها الصحافي توفيق التميمي، في ذكرى ميلاده، وجاء فيها: "في ذكرى ميلادك يا صديقي العزيز توفيق التميمي، تعتصرني الذكريات ألماً على فراقك، وقد تركت زوجة صابرة وأولاداً يصارعون الخوف بحثاً عنك، والأمل يحدوهم بلقاءٍ قريب". وأضاف: "توفيق، الصحافي والمؤرخ، غيّبته عصابات الفكر المتطرف، وهو في طريقه إلى عمله في آذار/ مارس 2020. يومها، شكّلتُ فرقاً للجمع المعلوماتي وأخرى قتالية، للكشف عن مصيره وتحريره، ولكن - وللأسف - إن الأدوات التي احترفت الإجرام، أرادت له أن يغيب عنا... حتى اليوم". وأكمل الكاظمي أن "هذه المأساة، كغيرها من المآسي التي سكنت بيوت العراقيين الأعزاء، توجب علينا العمل أفراداً وأحزاباً ومؤسسات، حتى لا تتكرّر. فدولة المؤسسات في المفهوم والبناء والاستمرار، هي الخيار الأول والأخير لعراقٍ أفضل يحمي مواطنيه".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

بدورها، تواصلت "العربي الجديد" مع ناشطين عراقيين ومشاركين في الاحتجاجات الشعبية، وقالوا إن "الصحافي باسم الزعاك اختُطف أثناء ممارسة عمله داخل خيم الاحتجاجات التي نظمها الحشد الشعبي للاعتراض على نتائج الانتخابات البرلمانية (أكتوبر 2021). بالتالي، فإن الحشد الشعبي هو المتهم بهذه العملية، لكنه ينكرها، بل يهاجم أي جهة أو شخص يوجه الاتهام للحشد". وأضاف أحدهم أن "تغييب الصحافيين المختطفين بهذه الطريقة، وعدم وجودهم في أي مركز شرطة أو مؤسسة أمنية أو قضائية، يعنيان أنهم مختطفون من قبل جهة لا تتعامل مع الأجهزة النظامية بشكلٍ رسمي"، مؤكداً أن "للحشد الشعبي أقساما تمارس التحقيقات والاعتقال، وقد ثبت ذلك من خلال المعلومات التي تكشفها المنظمات، والقصص التي تحدث عنها ناجون من التغييب أو معتقلون سابقون لدى هذه الفصائل".

وبحسب معلومات يفيد بها ناشطون عراقيون، فإن "بعض السجون السرية تنتشر في مناطق متفرقة من البلاد، ومنها ما يقع تحت نفوذ الفصائل المسلحة وبعض ألوية الحشد الشعبي، وتحديداً في مطار المثنى وفي منطقة الرستمية، وحي القاهرة، إضافة إلى مزارع الزعفرانية والحسينية وشارع فلسطين في بغداد"، وتستند هذه المعلومات إلى شهادات ناشطين وصحافيين اختُطفوا خلال الأعوام الماضية.

لكن المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء كاظم الفرطوسي نفى وجود أي سجون سرية تابعة للحشد الشعبي. وقال لـ"العربي الجديد" إن "الانفلات الأمني الذي حصل في الأعوام السابقة بسبب الاحتجاجات واستغلالها من قبل جهات خارجية وداخلية، أدى إلى اضطرابات على الأصعدة كافة، وأسفرت عن اختطاف عراقيين، لكن ما علاقة الحشد الشعبي بهذه العمليات؟"، مبيناً أن "اتهام قوة عراقية مقاتلة وتعمل ضمن إطار الدولة العراقية، يحتوي على إجحاف كبير، وأن الحشد الشعبي بريء منه".

ووفقاً لتقرير سابق للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، فإنّ "حرية الصحافة في العراق أدنى بكثير مما يجب أن تكون عليه في بلد رفع شعار الديمقراطية منذ نحو 20 عاماً، ويكفل دستوره حق التعبير عن الرأي ويلزم السلطات بحمايته".

وفي حين لا تتوصل السلطات العراقية، سواء الأمنية أو الحكومية، إلى نتائج في تحقيقاتها التي تفتحها بهذه الأحداث، فإن ناشطين يقولون إن السلطات تخشى الاحتكاك بالجهات الخاطفة كونها "قوية وخطيرة"، ناهيك بكونها متغلغلة بالسلطة في البلاد.

المساهمون