صالات تُغلَق ومنصّات تنتشر... عن مصير السينما بعد كورونا

صالات تُغلَق ومنصّات تنتشر... عن مصير السينما بعد كورونا

27 ديسمبر 2020
مشهد من فيلم The Eight Hundred للمخرج الصيني غوان هو (فيسبوك)
+ الخط -

المسألة مُكرّرة منذ أشهر: بسبب كورونا، تُغلِق صالات السينما أبوابها في دولٍ كثيرة، لفتراتٍ تختلف من بلد إلى آخر. هذا يؤدّي إلى تأجيل إطلاق العروض التجارية لأفلامٍ عدّة، أو إلى انتقال العروض من شاشة كبيرة إلى منصّة أو موقع إلكتروني، يتردّد، في تقارير وتحقيقات صحافية، أنّ عددها يزداد، وأنّ المشتركين فيها يتفاقم عددهم بين حينٍ وآخر. كاتبو تقارير وتحقيقات صحافية كهذه يتساءلون: "هل ستستعيد صالات العرض السينمائي حالتها السابقة على تفشّي كورونا؟".

تصعب الإجابة الحاسمة. قبل أيامٍ قليلة على انتهاء عام 2020، ينتشر نوعٌ جديد من كورونا، يُصيب العالم بقلقٍ إضافيّ، رغم أنّ لقاحاً بدأ تداوله، ورغم أنّ اختصاصيين يقولون بطبيعية ظهور نوع جديد من سلالة الوباء نفسه، فهذا سلوك فيروسات كثيرة في تاريخ الأوبئة.

في مناخٍ كهذا، يلتقي صحافيون على عنوان واحدٍ لمرحلةٍ مضطربة: "بيانات الانهيار". فالإيرادات غير مُلبّيةٍ توقّعات منتجين وموزّعين، والإغلاق قاسٍ، والمنصّات غير قادرة على تأمين أرباحٍ أعلى من تلك التي تُحقّقها صالات السينما، مهما يرتفع عدد المشتركين فيها. تقارير هؤلاء وتحقيقاتهم تلتقي عند أمثلةٍ كهذه:

دفع إغلاق صالات العرض شركات الإنتاج لتأجيل إطلاق أفلامها

The Eight Hundred للصيني غوان هو الذي تبلغ إيراداته 461 مليون دولار أميركي، ما يجعله بحسب هؤلاء "أكثر الأفلام إيرادات وأرباحاً"، رغم أنّ مبلغاً كهذا لن يُدخله في لائحة أكثر 15 فيلماً تُحقّق إيرادات عالية، لو أنّ عرضه التجاري حاصلٌ العام الماضي. في مقالة له بعنوان "فيلمٌ ناقص سياسياً يُنقذ السينما الصينية" ("لوموند" الفرنسية، 27 أغسطس/ آب 2020)، يذكر فرِدريك لوماتر أنّ إيراداته في الأسبوع الأول لعرضه التجاري في الصين تُحقِّق 160 مليون يورو. وBad Boys For Life لبلال فلاح وعادل العربي، المعروض قبل انتشار الوباء، محقّقاً أعلى إيرادات في العام الآيل إلى الأفول: 206 ملايين دولار أميركي. هذان مثلان يأتيان بعد تحقيق "أفنجرز: نهاية اللعبة" (2019) لجو وأنتوني روسّو مليارين و798 مليون دولار أميركي العام الفائت، "ليُصبح الفيلم الأكثر تحقيقاً للأرباح"، من دون احتساب التضخّم.

من جهتها، تذكر "هوليوود ريبورتر" أنّ صالات السينما في الولايات المتحدّة الأميركية وكندا تمرّ في حالة تراجع بالنسبة إلى الإيرادات، إذْ تُحقِّق في العام الجاري "أرباحاً أقلّ، وهذه أول مرة لها منذ 4 عقود". إيرادات تبلغ مليارين و300 مليون دولار أميركي فقط (من دون احتساب التضخّم)، مقابل 11 مليار و400 مليون دولار أميركي عام 2019. "الرابطة الوطنية لأصحاب صالات السينما" تُصدر بياناً، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تذكر فيه أنّ 69 بالمئة من الشركات الصغيرة والمتوسّطة، التي تملك صالات عرض، "ستضطر إلى إعلان الإفلاس، أو إلى الإغلاق النهائي، إنْ لم تتلقَّ مساعدة فيدرالية". هذا حاصلُ قبل إعلان الحكومة الأميركية مؤخّراً عن نيّتها تخصيص 15 مليار دولار أميركي "لمُساعدة صالات السينما وقاعات الحفلات الموسيقية والمسارح، وأماكن أخرى".

بحسب وكالة الأنباء الإسبانية "إفي"، فإنّ "أسابيع العزل الإجباري وإغلاق صالات العرض دافعٌ لشركات الإنتاج إلى تأجيل إطلاق أفلامٍ مهمّة لها"، كالجزأين الجديدين لجيمس بوند، No Time To die لكاري جوجي فوكوناغا و"سريع وغاضب 9" لجاستن لي، "بانتظار انتهاء الأزمّة، أو عندما تفتح الصالات أبوابها مجدّداً، بكامل قدراتها الاستيعابية". لكنّ تجربة كريستوفر نولان، مع جديده "تينيت"، مُثيرة للتنبّه، إذْ يفشل رهانه على عرضه تجارياً رغم الأزمة، بتحقيقه 362 مليون دولار أميركي كإيرادات دولية: "هذا يُعزّز مخاوف شركات الإنتاج في هوليوود، التي تُفضِّل عدم المجازفة بأفلامها، فتؤجّل إطلاق عروضها التجارية".

هذا يؤدّي إلى انتعاش المنصّات الرقمية والمواقع الإلكترونية، بحسب تقارير وتحقيقات صحافية عدّة، بعضها تنشره "إفي" أيضاً، يقول إنّه "في مقابل خطر الإفلاس والإغلاق التام، الذي تواجهه شركات صغيرة ومتوسّطة تمتلك صالات عرض، تنتعش سوق المنصّات"، إذ يجد منتجون فيها "ملاذاً لتحقيق أرباحٍ في زمن الركود". تُضيف التقارير أنّ المنصّات تشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً، في مراحل العزل الإجباري تحديداً، "علماً أن أفلاماً عدّة تُعرض في صالات سينمائية تزامناً مع عرضها على منصّات رقمية".

في مقابل خطر الإفلاس والإغلاق التام الذي تواجهه شركات صغيرة ومتوسّطة تمتلك صالات عرض، ينتعش سوق المنصّات الرقمية والمواقع الإلكترونية

أفلامٌ عدّة معروضة هكذا: التحريك Trolls World Tour، لوالت دورن، أول فيلم يُعرض على منصّة، بإصداره في "فيديو بحسب الطلب" في الولايات المتحدة، ثم "مولان" لنيكي كارو و"سول" لبيت دوكتر على "ديزني بلاس"، و"وندر وومان 1984" لباتي جنكينز على HBO Max، تزامناً مع عروضها التجارية في صالات السينما. أما استديو "يونيفرسال"، فيوقّع اتفاقاً مع AMC، أكبر سلسلة صالات عرض في الولايات المتحدّة، في يوليو/ تموز 2020، بهدف تقليص الفترة الحصرية لعرض الأفلام على الشاشة الكبيرة من 90 إلى 17 يوماً. أما الضربة الأقوى، فلـ"وارنر إخوان"، القائلة بعرض أفلامها كلّها لعام 2021، بما فيها Dune لدوني فيلنوف و"ماتريكس 4" للأخوين واتشوفسكي، في الصالات وعلى منصّة HBO Max في وقتٍ واحد. 

لكنّ السؤال الأبرز يبقى، إلى الآن، من دون إجابة حاسمة: هل ستحلّ تلك المنصّات، تدريجياً، محلّ صالات العرض، حتّى بعد انتهاء الوباء؟

المساهمون