صالات السينما الفرنسية: 450 فيلماً وضحايا كُثر

صالات السينما الفرنسية: 450 فيلماً وضحايا كُثر

19 مايو 2021
ثلاثون فيلماً ستُعرض يوم الافتتاح (بيرتراند غوي/ فرانس برس)
+ الخط -

مع الإعلان عن افتتاح صالات السينما الفرنسية اليوم (19 مايو/ أيار 2021)، بعد أشهر طويلة من الإغلاق، ووجود أكثر من 450 فيلماً فرنسياً وعالمياً تنتظر العرض منذ وقتٍ، بدأت منافسة قوية بين شركات توزيع الأفلام في فرنسا، لتنظيم مواعيد العروض حتى نهاية العام الجاري، عزّزها غياب الشركات الكبرى عن اجتماعٍ لإعداد مشروع توافقي للبرمجة، برعاية "المركز الوطني للسينما" في فرنسا.

في إبريل/ نيسان الماضي، دعا "مجلس المنافسة" (هيئة إدارية فرنسية، تُعنى بمحاربة الممارسات الحائلة دون المنافسة، وبدراسة أداء الأسواق) إلى اجتماع تشاوري بين الموزّعين، للتوصّل إلى مشروع تفاهم مؤقّت بين العاملين في القطاع (هذا ممنوعٌ عادة، حفاظاً على حرية التنافس)، يسعى إلى تنظيمٍ ذاتيّ لتهدئة المنافسة، وبرمجة جدول العروض، حتى نهاية العام. وذلك بهدف إعطاء فرصة لسينما المؤلّف والأفلام المستقلة للوصول إلى جمهورها، ومقاومة المدّ العارم للسينما الجماهيرية، من أفلامٍ أميركية وإنتاجات فرنسية كبرى. وبينما أعلنت هيئاتٌ عدّة - تُمثّل الموزّعين، ونقابة التوزيع المستقلّة، والموزّعين المستقلّين الأوروبيين - موافقتها على المشاركة في مشروع توافق مؤقّت، فضّل اللاعبون الأساسيون (شركات التوزيع الفرنسية الكبرى، كـ"غومون" و"ستديو كانال" وغيرهما، والمعتمدون المحليّون لاستديوهات هوليوود) عدم المشاركة رسمياً في الاجتماع، المنعقد في 5 مايو/ أيار الجاري لهذا الخصوص، تاركين الحضور خيارياً للأفراد، وفق الصحيفة الفرنسية "لو موند" (6 مايو/ أيار).

كما عارضت الاستديوهات الأميركية عقد اتفاق كهذا، بسبب ارتباطها بمواعيد عروض محدّدة لأفلامها في كافة أنحاء العالم. في غياب تفاهمٍ مشترك مؤقّت، يبدو وضع سينما المؤلّف والسينما المستقلّة صعباً، وكذلك احترام الاتفاق المعقود في فرنسا عام 2016 بين العاملين في قطاع التوزيع، لتأمين تنوّع للأفلام في السوق الفرنسية، وضمان حدّ أدنى من مدّة وجودها على الشاشات. كما تزيد الإجراءات الصحية الاحترازية، المتعلقة بكورونا، الأمور تعقيداً.

رغم توفّر عددٍ كبير من شاشات العرض الفرنسية (2000 شاشة)، فإنّ فرض ترك مقعدين فارغين بين مُشاهد وآخر، لـ3 أسابيع، يُجبر الصالات على استخدام 35 بالمئة فقط من طاقتها الاستيعابية. لكنّ هذه النسبة سترتفع تدريجياً، حتّى يُسمح للصالات بملء العدد الكامل للمقاعد، نهاية يونيو/ حزيران المقبل. ويُساهم حظر التجوّل، بدءاً من 9 مساءً، في تقليل فرص العرض.

بالنسبة إلى الأفلام، تقرّر عرض 30 منها يوم الافتتاح (19 مايو/ أيار)، بعضها عُرض أياماً قليلة قبل مفاجأة إغلاق الصالات نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. سيكون "وداعاً للمُغفّلين" لألبير دوبونْتل ـ الفيلم المُنتظَر، والفائز بأكثر جوائز السينما الفرنسية وأهمّها ـ على رأس اللائحة. عُرض أسبوعاً واحداً فقط قبل الإغلاق، استطاع فيه جذب أكثر من 700 ألف مُشاهِد، واليوم باتت له 7 جوائز "سيزار"، منها أفضل فيلم وأفضل إخراج، ويتوقّع أنْ يشهد إقبالاً كبيراً: مُمرّضة أربعينية (فيرجيني إفيرا) تقرّر، بعد إصابتها بمرض خطر، البحث عن ابنها، الذي أجبرتها ظروفٌ على التخلّي عنه، عندما كانت تبلغ 15 عاماً. هجاءٌ اجتماعي ساخر، ودعابة قاتمة، يتميز بهما المخرج، ويجسّد انتكاسات شخصيات تائهة في عالم معاصر، وتحدّيها الأزمات للخروج من الركود ومرارة الحياة. هناك أيضاً ADN لمايوين ("العربي الجديد"، 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020)، الذي عُرض أياماً قليلة قبل الإغلاق: تطرح المخرجة أسئلة الهوية والانتماء والجذور، الراقدة في الأعماق، قبل اشتعال جذوتها مع وفاة الجدّ الجزائري.

من الأفلام غير الفرنسية، التي ستجرّب حظّها مجدّداً، هناك "ثمل" للدنماركي توماس فنتربيرغ ("العربي الجديد"، 8 يناير/ كانون الثاني 2021)، الحائز على جائزة أفضل فيلم أجنبي في "أوسكار 2021" لهذا العام: آراء 4 أصدقاء عن نظرية عالِم نفس نرويجي، تقول إنّ الرجل يعاني نقصاً في الكحول في الدم منذ الولادة. في لائحة الجديد المرتقب، هناك "الفكّ"، للفرنسي كونتان دوبيو، ذي الأسلوب المتميّز في اعتماده على شخصيات غريبة وأجواء فانتازية، تتمثّل هنا في صديقين طيبين، يعثران على ذبابة عملاقة عالقة في صندوق سيارة، فيُقرّران تدريبها، لكسب المال بفضلها. تحضر أفلامٌ أميركية بقوّة، منذ الأسابيع التالية، لا سيما تلك الفائزة بجوائز "أوسكار"، كـ"شابّة واعدة" للبريطانية أيمرالد فينّيل (امرأة تنتقم من الرجال)، و"الأب" للفرنسي فلوريان زيلّر، تمثيل أنتوني هوبكنز ("العربي الجديد"، 23 ديسمبر/ كانون الأول 2020)، و"نومادلاند" للصينية الأميركية كلوي تشاو ("العربي الجديد"، 1 إبريل/ نيسان 2021). سيكون يونيو/ حزيران المقبل غنيّاً بأفلامٍ عربية، أو لها علاقة بالعالم العربي: "رجالٌ"، للفرنسي لوقا بلفْو (تمثيل جيرار دوبارديو وكاترين فروت): دراما تاريخية، تتابع مُحاربين قدامى للجيش تمّ استدعاؤهم إلى الجزائر في "وقت الأحداث"، عام 1960. لكنْ، بعد أعوام طويلة، يعود الماضي إلى حياة أولئك الذين اعتقدوا أنّهم يستطيعون إنكار ما قاموا به. هناك أيضاً "تحت سماء أليس"، لكلوي مازول ووجدي معوّض: زوجان غير عاديّين من لبنان، منتصف خمسينيات القرن الـ20؛ و"إبراهيم"، لسمير قاسمي: علاقة حسّاسة ومتوتّرة بين أبٍ وابنه، بعد ارتكاب الأخير سرقة؛ و"الرجل الذي باع ظهره"، للتونسية كوثر بن هنية ("العربي الجديد"، 6 يناير/ كانون الثاني 2021): لاجئ سوري يتّفق مع فنان معاصر لتحويل جسده إلى عمل فني مميز.

تكتمل اللائحة مع "أخوات"، للوزيرة السابقة للفرنكوفونية الفرنسية، الجزائرية يامينا بن غيغي: سيرة ذاتية مع ممثّلات ذوات أصول جزائرية، كإيزابيل أدجاني ومايوين ورشيدة براكني وحفصية حرزي، في بحثٍ لا ينتهي عن الجذور والانتماء الثقافي المزدوج، وتحرّر المرأة، والعلاقة الشائكة بين الأخوات. عن الجزائر أيضاً، لكنْ في الصيف المقبل، هناك "مهنة الأب"، للفرنسي جان ـ بيار أميريس: مُراهق في الستينيات الفائتة، مأخوذٌ بوالده ومهنته كمستشار شخصي للجنرال ديغول، الذي يُكلِّف الأبّ لاحقاً بمهمّات خطرة لإنقاذ الجزائر؛ و"شغف ببساطة"، للّبنانية الفرنسية دانيال عربيد: علاقة شغف "بسيطة" بين رجل وامرأة.

وفي فصل الخريف، هناك "غزّة مونامور"، للأخوين الفلسطينيين طرزان وعرب ناصر ("العربي الجديد"، 21 سبتمبر/ أيلول 2020). شهر يوليو/ تموز 2021 سيكون مزدحماً، مع أفلام مهرجان "كانّ" السينمائي، الذي تُقام دورته الـ74 بين 6 و17 من الشهر نفسه، وبعضها سيُعرض في اليوم نفسه لعرضه في المهرجان: "أنيت" للفرنسي ليو كاراكس (تمثيل ماريون كوتيار)، الذي سيفتتح الدورة الجديدة هذه، و"بِنِديتّا"، للهولندي بول فرهوفِن، وتؤدّي فيرجيني إفيرا فيه دور راهبة شابّة، في القرن الـ15، في إيطاليا، مع انتشار وباء الطاعون (مع شارلوت رامبلينغ ولامبير ويلسون).

أفلامٌ كثيرة ومتنوّعة، ومنافسة شرسة ربما لن تسمح لبعض الأفلام بالبقاء طويلاً على الشاشات، وسيكون عليها جذب المُشاهدين منذ الأسبوع الأول، كي لا تُسحب من العروض، وترك الشاشات لأفلامٍ أكثر جماهيرية. فهل سيكون الضحايا كثيرين؟

المساهمون