سينما 2023 في فرسا: المحليّ غالبٌ و"الآخر" حاضرٌ

سينما 2023 في فرسا: المحليّ غالبٌ و"الآخر" حاضرٌ

15 يناير 2024
"أستريكس وأوبلِكيس" لغييوم كاني: فيلم فرنسي في الطليعة (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

بيّنت إحصائيات "المركز الوطني للسينما والصورة المتحركة"، في فرنسا، ازدياداً في عدد المتردّدين على صالات العرض السينمائي، عام 2023، ليقترب أخيراً من ذاك الذي كان عليه قبل أزمة كورونا.

لكنّ الرقم، الذي بلغ 181 مليوناً، لا يزال أدنى من معدّل فترة 2017 ـ 2019، الذي يُعتَمد عليه اليوم كمقياسٍ لجودة التردّد على الصالات السينمائية. فعدد المتردّدين انخفض إلى 65 مليوناً في الأزمة الصحية، ثمّ تصاعد تدريجياً، وتجاوز هذا العام 180 مليوناً، مُحقّقاً تقدّماً قياسياً عن عام 2022، بنسبة 19 في المائة. هكذا نجحت فرنسا في تحقيق أفضل عودة سينمائية بعد الوباء، مقارنة بجاراتها الأوروبيات، وحتى بالولايات المتّحدة الأميركية، التي لا تزال تعاني انخفاضاً نسبته -21.6 في المائة، وبكوريا أيضاً، بنسبة -47.3 في المائة. يعزو مسؤولون في "المركز الوطني" الأمر إلى "تنوّع الأعمال المعروضة وتعدّدها"، وإلى "فضول الجمهور الفرنسي وانتقائيته".

تبدّى الوضع الحيوي للفيلم الفرنسي، العام الماضي، بوصول 3 أفلام فرنسية إلى قائمة الـ10 الأوائل التي لقيت إقبالاً جماهيرياً كبيراً: "أستريكس وأوبلِكيس، إمبراطورية الوسط" لغييوم كاني (المرتبة 4)، و"Alibi.com" لفيليب لاشو (6)، و"الفرسان الثلاثة" بجزأيه ("دارتانيان" و"ميلادي") لمارتان بوربولون (8). إليها، هناك إنتاجات أميركية احتلّت معظم القائمة، منها فيلم التحريك "الإخوة سوبر ماريو" للأميركيين آرون هورفاث ومايكال جَلَنيك، و"باربي" لغريتا غرويغ، و"آفاتار" لجيمس كاميرون، و"أوبنهايمر" لكريستوفر نولان. أمّا الأفلام المُعتَبرة فنية، فلها نصيبٌ من النجاح، إذْ تردّد عليها أكثر من مليون مُشاهد (معيار الإقبال في فرنسا). في أول تلك القائمة، هناك "أوبنهايمر"، فـ"الصبي واللقلق" لهاياو ميازاكي، و"بابل" لداميان شازيل، و"تشريح سقوط" لجوستين تريّيه، و"قتلة زهرة القمر" لمارتن سكورسيزي.

تستمرّ السينما الفرنسية في جذب جمهور، ارتفع عدده، مقارنة بعام 2022 (62 مليوناً)، إذْ بلغ عدد البطاقات المُباعة للفيلم الفرنسي نحو 72 مليوناً، من أصل 181 مليوناً، ما جعله يُحقّق نحو 40 في المائة في السوق، متجاوزاً حصة ما قبل الأزمة (معدل 2017 ـ 2019)، البالغة 37 بالمائة. يمكن الاستنتاج أنّ السينما الفرنسية استفادت من انخفاض المعروض أميركياً، منذ الأزمة الصحية، وبسبب إضراب كتّاب السيناريو في هوليوود العام الفائت. فحصة الفيلم الأميركي في السوق الفرنسية انخفضت من 48.4 في المائة قبل الأزمة إلى 41 في المائة العام الماضي، ما أثّر أيضاً في نسبة حضور الفيلم الآخر، أي الأوروبي والآسيوي والأفريقي، التي ارتفعت 1.4 في المائة، إذ بلغ عدد البطاقات المباعة للفيلم الآخر هذا 34 مليوناً، وحصته في السوق الفرنسية باتت نحو 19 في المائة. بذلك، تجاوزت الحصة المعدّلَ الذي كانت عليه قبل كورونا، أي 14.4 في المائة، مستفيدة من هبوط عدد الأفلام الأميركية المعروضة في فرنسا.

 

 

لم يخلُ العام الماضي من نجاحات ومفاجآت وخيبات، لحقت بالسينما الفرنسية. أحد النجاحات "تشريح سقوط" لتريّيه، و"سأرى وجوهكم دائما" لجانّ هيري، و"جريمتي" لفرنسوا أوزون، التي حقّقت، مع 9 أفلامٍ أخرى، مدخولاً تجاوز المليون. لكنّ البعض الآخر أخفق في استقطاب الجمهور، رغم شهرة صانعيه، كـ"دورة ثانية" لألبير دوبونتيل، الذي يكشف خبايا عالمي الصحافة والسياسة في فرنسا، والذي جذب أقلّ من نصف مليون مشاهد. كما أخفق "دوغمان" للوك بيسون في استقطاب أكثر من 290 ألف فرنسي.

يُذكر أنّ السينما الفرنسية تعرّضت، في العام الماضي، إلى تشكيكٍ، بسبب الدعم المالي الكبير الذي تتلقّاه من هيئات رسمية، والمساهمات في الإنتاج المفروضة على المحطات التلفزيونية، العامة والخاصة، بهدف استمرار "الاستثناء"، أو "النموذج" الفرنسي، "المحسود" عالمياً. انخفاض الإقبال على صالات العرض عام 2022 أحد أسباب عودة أصوات تُطالب بكفّ دعم الفن السابع. في محاولة منها لمواجهة الأزمات التي أصابت السينما بعد كورونا، من انخفاض التردّد على الصالات، وانخفاض نسبة حضور الأفلام الأميركية في السوق، ما أثّر في المردود والمساعدات معاً (تعتمد تلك في ميزانيتها على حصة ثابتة لها من مدخول الصالات)، وما طرأ من عادات جديدة على الفرنسيين، كلّفت وزارة الثقافة الرئيسَ السابق لـ"هيئة المنافسة" برونو لاسير بمهمّة، تهدف إلى مساءلة وإعادة تعريف التنظيم في قطاع السينما.

التقرير المُقدَّم إلى وزارتي الاقتصاد - المالية والثقافة، في إبريل/ نيسان الماضي، يحتوي على 13 مقترحاً، ويؤكّد مجدّداً على حرية موزّعي الأفلام ومالكي الصالات، وعدم التدخل في خططهم للتوزيع، مع مطالبة بتعديلات على نظام "البطاقة اللامحدودة"، التي يشتريها فرنسيون للدخول إلى الصالات على هواهم (أنْ يشاهدوا أي فيلمٍ في أي وقت). يُذكر أنّ هذا الاشتراك ينصبّ في مصلحة أفلام مصنّفة "فن وتجربة"، إذْ يُسمح للمشترك بتحمّل مزيد من المخاطر في التعرّف إلى أفلام "أخرى" و"هشّة" اقتصادياً. كما أكدّ تقرير لاسير على الحاجة إلى دعم التنوّع، على أنْ يتضمّن أيضاً قدراً أكبر من الانتقائية في تصنيف الفن، مع الأخذ في الاعتبار الإمكانات الاقتصادية للأفلام.

السينما الفرنسية، التي عانت صدمة غير مسبوقة مع أزمة كورونا، انقسمت بشكل خاص بين مؤيدين لـ"البحث عن توازنات جديدة"، ومؤيدي تدخّل أكبر من السلطات العامة في القطاع. ظهر هذا جليّاً بعد شهر من نشر تقرير برونو لاسير، مع إشارة السيناتور ل. ر. روجر كاروتشي، عضو اللجنة المالية في مجلس الشيوخ الفرنسي، إلى "مسيرة الفن المدلّل" (كما يصف المعارضون دعم الفن السابع)، وأوصى خاصة بـ"تطوير الإمكانات التجارية" للأفلام، ومراجعة كلّ آليات الدعم، لـ"إعفاء الدولة تدريجياً من تمويل المخاطر الفنية، من خلال أدوات الميزانية".

أخيراً، في سبتمبر/ أيلول الماضي، قدّم ديوان المحاسبة في مجلس الشيوخ، كردٍّ على تقرير السيناتور، ملاحظاته على "المركز الوطني للسينما والصورة المتحركة"، مُقرّاً بدوره في إنجاز مهامه وتمكّنه، خاصة في الأزمة الصحية، من "حماية صناعة وطنية رائدة ودعمها". لكنّه انتقد، في الوقت نفسه، الإدارة الداخلية للمركز، داعياً إلى تعزيز الرقابة الخارجية عليه، لاستكمال الإصلاح الضروري للمساعدات. يُذكر أنّ دومينيك بوتونات، مدير المركز، يتعرّض للانتقاد بسبب النهج الليبرالي الجديد من جهة، وبسبب إهدار المال العام من جهة أخرى.

المساهمون