سر ليالي الدنمارك الحمراء... هل شاهدت يوماً قوس الدم؟

سر ليالي الدنمارك الحمراء... هل شاهدت يوماً قوس الدم؟

17 ابريل 2023
يتزامن ظهور قوس الدم مع تعرض الأرض لعاصفة مغناطيسية (رسلان ميرزلياكوف)
+ الخط -

ظاهرة طبيعية فريدة يحتفي بها سكان الدنمارك في غير وقت الشفق، إذ تكتسي السماء باللون الأحمر، حتى في أوقات المساء، في ما تعارف الناس على تسميته "قوس الدم". 

هو ضوء على شكل قوس يشبه قوس المطر، لكنه يتميز بلونه الداكن، ولا يراه الناس إلا في الدنمارك وبعض الدول الاسكندنافية، ويعطي للسماء مظهراً مخيفاً، وكأنها ستقطر دماً.

وترجع الظاهرة إلى انعكاس الضوء على الثلوج المتجمدة في الجو، خاصة في الليالي القطبية الشتوية وفي المناطق الشمالية من الدنمارك، وأحياناً يشاهدها الناس في النرويج والسويد وفنلندا.

 ويثير قوس الدم إعجاب الكثيرين بمظهره الفريد وندرة ظهوره، إلا أنه ليس غريباً على سكان الدنمارك، حيث يظهر لهم بشكل متكرر لأسباب تتعلق بطبيعة بلادهم المناخية.

وكان آخر ظهور للقوس في سماء الدنمارك الأسبوع الماضي، بعد أن ضربت عاصفة شمسية مفاجئة الأرض وتسببت في حدوث شفق قطبي مذهل عبر الكوكب.

لكن القوس الأحمر الساطع لم يكن شفقاً، بل استمر ظهوره وكأنه نهر من أضواء حمراء تمتد بعرض السماء ليلا، في مشهد وثقه المصور الفلكي روسلان ميرزلياكوف، ونشره عبر "إنستغرام".

حرارة الأكسجين

تُظهر صور ميرزلياكوف مشاهد الليالي الحمراء الدنماركية، وتحديدا في مونز كلينت، وهي مجموعة من منحدرات الحجر الجيري في جزيرة مون ببحر البلطيق.

ينبعث الضوء الأحمر من جزيئات الأكسجين الموجودة في الغلاف الجوي العلوي التي تصبح شديدة السخونة بفعل نظام "التيار الدائري" للأرض، وهو عبارة عن حلقة ضخمة من التيار الكهربائي تحيط بكوكبنا.

ويتزامن ظهور قوس الدم مع تعرض الأرض لعاصفة مغناطيسية، ولذا كان ظهوره الأسبوع الماضي شديد الوضوح، إذ تعرضت الأرض لأقوى عاصفة مغنطيسية منذ 6 سنوات، حسب ما أورد موقع سبيس ويزر المتخصص في متابعة النشاط الشمسي.

ونتجت تلك العاصفة عن اندفاع مفاجئ للكتلة الإكليلية، وهي تجمّع من البلازما والغازات المشحونة تندفع بشدة من الشمس إلى الفضاء الخارجي، وتحدث عادةً عندما يحدث انفجار شمسي أو عندما يتشكل حقل مغناطيسي بقوة في الجزء العلوي من الغلاف الجوي الشمسي.

وتظهر تلك الكتلة على شكل قوس من اللهب والغاز المتأين، ويمكن أن تصل سرعتها إلى ملايين الأمتار في الثانية، وتؤثر على عمل الأقمار الاصطناعية، كما تتسبب في "عواصف مغناطيسية" تؤثر على التيار الدائري للأرض.

كتلة محيرة

لا يزال فهم الكتلة الإكليلية يمثل تحدياً كبيراً لعلوم الفضاء، ولذا فإن التفسير الكامل لظهور قوس الدم في الدنمارك والدول الاسكندنافية ليس متوفراً بعد. ما يعرفه العلماء حتى اليوم هو أن الجسيمات عالية الطاقة، الناتجة عن العواصف الشمسية، تثير جزيئات الغلاف الجوي العلوي للأرض، ويؤدي ذلك إلى نشوء أضواء دوامة متعددة الألوان تنحسر وتتدفق بمرور الوقت. وتأتي الألوان المختلفة لهذه الأضواء من ذرات مختلفة، تنبعث منها ألوان محددة عند إثارتها مغناطيسياً.

وفي حالة قوس الدم في الدنمارك، تؤثر الطاقة في نظام التيار الدائري الذي يحيط بالغلاف المغناطيسي للأرض، وتعمل على تسخين الغاز في الغلاف الجوي العلوي وتجعله يتوهج مثل الشفق القطبي.

لكن العلماء لا يعرفون سبب تفاعل الأكسجين وحده، دون باقي الغازات، مع هذه الظاهرة، إذ ترتفع حرارته وتنبعث منه درجة اللون الأحمر الداكن، الشبيهة بلون الدم.

وكثيرا ما يتكرر نشوء قوس الدم نتيجة تفاعلات العواصف الشمسية مع الغلاف الجوي، لكنه عادةً ما يكون غير مرئي للبشر لأن اللون الأحمر غالباً ما يكون باهتاً جداً إلى حد غير مرئي بالنسبة لأغلب سكان الأرض، باستثناء سكان المناطق القطبية الشمالية، خاصة الدنمارك.  

ففي هذه المناطق من العالم، يظهر قوس الدم شديد الوضوح، إذ تضعف العواصف الشمسية الغلاف المغناطيسي، ما يزيد من حرارة الأكسجين، وبالتالي يظهر الضوء الأحمر بصورة واضحة.

قوس ستيف

لا تقف العواصف الشمسية وراء ظاهرة قوس الدم الفريدة والمحيرة في الدنمارك والدول الاسكندنافية فقط، بل تتسبب في ظواهر أخرى بمناطق أخرى من العالم، مثل ظاهرة الشفق القطبي القوي "ستيف"، وهي عبارة عن قوس عريض من الضوء الملون يتدلى في السماء لمدة تصل إلى ساعة.

وظهر هذا النوع من الشفق الملون بوضوح في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأجزاء من المملكة المتحدة، الأسبوع الماضي، تزامنا مع ظهور قوس الدم في الدنمارك.

وهناك بعض الأدلة العلمية على وجود ارتباط بين "ستيف" وقوس الدم، ففي مارس/آذار 2015، شاهد مراقبو السماء في نيوزيلندا تحول قوس الدم الأحمر الساطع ببطء إلى قوس "ستيف" الملون على مدار نحو نصف ساعة، حسب ما أورد موقع لايف سَينس العلمي.

لكن تلك الأدلة لم تكشف حتى الآن عن سر حرارة الأكسجين التي تقف وراء ظهور قوس الدم، وهو ما يعكف العلماء حالياً على دراسته، فيما يحتفي سكان الدنمارك وسياحها بمظهره الفريد.

المساهمون