زيارة إلى الخور... الحكاية منذ 150 عاماً

زيارة إلى الخور... الحكاية منذ 150 عاماً

14 ديسمبر 2022
افتُتح كأس العالم في استاد البيت (Getty)
+ الخط -

دخلت مدينة الخور، الواقعة شمالي قطر، التاريخ بعدما شهد استاد البيت، الذي تحتضنه المدينة، حفل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم فيفا 2022، يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي تقام لأول مرة على أرض عربية.
تبدو المدينة في أبهى حلة مع أجواء العرس الكروي العالمي، الذي يتزامن ختامه مع احتفالات اليوم الوطني القطري (18 ديسمبر/ كانون الأول). وقد تزينت شوارعها ومبانيها بـ"الأدعم"، وشعار المونديال ذي اللونين العنابي والأبيض، اللذين يرمزان إلى العلم القطري، إلى جانب أعلام الدول المشاركة، ومجسم التعويذة "لعّيب"، ولافتات تحمل عبارات "عالوعد" و"هيّا"، للترحيب بضيوف قطر من أنحاء العالم.
وتغوص الخور في التاريخ، إذ تعود إلى عام 1786. وقبل اكتشاف النفط في عام 1939، اعتمد سكان الخور، كما سكان غيرها من المدن القطرية، في معيشتهم على الصيد في البحر، واشتهروا بتصنيع المراكب الشراعية. وتشير المصادر التاريخية إلى أن أهل الخور كانوا يملكون ثمانين قارباً، استخدمت لاستخراج اللؤلؤ، وثلاثين قارباً لصيد الأسماك، وتسعين قارباً للبحارة.
الخور تعني الخليج، وتقع على الساحل لمسافة نحو 50 كيلومتراً شمالي الدوحة. وحول التسمية، يقول عضو المجلس البلدي المركزي عن الدائرة 25 عبد الله مقلد المريخي، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنه على خلاف ما هو شائع في تسمية "خور شِقيق"، فإن شِقيق جمع شقة، وهي القطعة البيضاء في أرض البحر المفشوتة (أرض ساحلية تبرز عندما يتراجع البحر عنها وتختفي عندما يغطيها الماء). ولكثرة هذه القطع في مدخل الخور، سمي بخور شِقيق، وهو ما أكده الرواة المعروفون، ومنهم الشاعر الراحل عبد الله بن سعد المسند.

استاد البيت في مدينة الخور (Getty)

وتشتهر المدينة بعدة مواقع أثرية، من أبرزها عين حليتان، التي يعود اكتشافها إلى أكثر من 150 عاماً، وكانت إحدى العوامل المهمة في استقرار عدد من القبائل في هذه المنطقة، ولذا فإن لها مكانة خاصة عند أهل الخور.
ونظراً إلى أهميتها ومكانتها التاريخية ودورها على مدار عقود في حفظ التراث، فقد أقيم بالقرب منها سوق عين حليتان، وهو يشبه إلى حد بعيد سوق واقف التراثي في الدوحة، ويضم 74 محلاً، بالإضافة إلى المطاعم والمقاهي، ما يجعله وجهة سياحية لجماهير المونديال القادمين من مختلف القارات.
وتقع العين ذات الشكل الأسطواني على الساحل الغربي للخور، وهي مبنية من الحصى والطين والجص، وتنقل الحكايات المحلية أنه منذ قرابة 150 عاماً، عثرت مجموعة من القناصين على هذه العين مصادفة خلال رحلة صيد، ليستقروا فيها في ما بعد، وتنشأ مدينة الخور التي اشتهرت في الماضي بميناء لصيد للأسماك وتجارة اللؤلؤ الطبيعي.
ومحاكاة للاسم، افتتح قبيل انطلاق المونديال بأيام منتجع حليتان بالقرب من استاد البيت. يتكون المنتجع من 130 غرفة، بالإضافة إلى برك للسباحة ومرافق أخرى، كالمجالس، والمطاعم والمقاهي، والحدائق، وأيضاً هناك مسطحات خضراء تمتد على مساحة واسعة، لتضيف منظراً جمالياً للمنتجع الذي خصص خلال هذه الفترة لسكن مشجعي كأس العالم.
وأوضح المريخي أن تسمية المنتجع تعود إلى اسم عين حليتان التي كان أوائل السكان يستقون منها طول اليوم، مؤكداً أن للاسم دلالته ورمزيته الكبيرة لدى أهالي الخور.

يعود تاريخ المدينة إلى عام 1786 (Getty)

تتميز الخور بأبراج قديمة شيدت قبل نحو 100 عام حول المدينة، لغرض الرصد والحماية، وقد استخدمت لمراقبة السفن وحماية مدخل بئر عين حليتان، التي شكلت المصدر الرئيسي للمياه. وكانت الأبراج الثلاثة، ذات الشكل الأسطواني والجدران الحجرية السميكة، قائمة على طول الساحل، وتتمتع بمنصة استُخدمت كشرفة لحراسة المدينة الساحلية، التي كانت مركزاً مهماً لصيد السمك واللؤلؤ في أوائل القرن العشرين. 
ومع النهضة العمرانية والحضارية التي شهدتها الدولة الخليجية الغنية بالغاز الطبيعي، تحولت الخور إلى مدينة عصرية، وشهدت طفرة عمرانية وخدمية ملحوظة، وتزايد عدد السكان إلى أكثر من 38 ألف نسمة. وأنشئت في المدينة المستشفيات والمدارس والمراكز التعليمية، وافتتحت فروع للبنوك وشركات الصرافة، إلى جانب المتاجر الكبرى والمولات والحدائق، وغيرها من المرافق. وفي المدينة ناد رياضي يحمل اسمها (نادي الخور الرياضي)، له تاريخ عريق وجمهور واسع، وساهم في تطوير الرياضة، وأصبح مركزاً تعليمياً وتدريبياً رياضياً لسكان المنطقة. كما تحتوي المدينة على عدد من الفنادق، بعضها من فئة الخمس نجوم.
ويعتبر متنزه الخور العائلي وجهة ترفيهية وسياحية ليس لأهل الخور فحسب، بل لسكان قطر وزوارها. وقد استقطب آلاف المشجعين خلال الأيام الماضية، وتبلغ مساحة المتنزه نحو 240 ألف متر مربع، ويتميز بمسطحاته الخضراء وأشجاره الكثيرة، مثل القرط والسدر وغيرهما، ويستضيف أكثر من 500 ألف زائر سنوياً. ينقسم المنتزه إلى جزأين رئيسيين، بيئي ويمثل 35 بالمائة، ويضم حديقة حيوان تحتوي على أكثر من 315 حيواناً من 49 نوعاً وفصيلة، منها الأسود، والنمور، والفهود، والتماسيح، والدببة، والزرافات، والغزلان، والنعام، والقرود، ووحيد القرن وغيرها، إضافة إلى قفص طيور يحتوي على عدد من طيور الببغاء، والطاووس، وطائر الحب، والحمام البري، وطائر أمازون، والأوز الأبيض، والبط الأبيض، والدجاج الحبشي.
أما القسم الترفيهي، ويمثل 56 بالمائة من مساحة الحديقة، فيحتوي على منطقتين لألعاب الأطفال مغطاتين بأرضية مطاطية، وبحيرة صناعية تبلغ مساحتها قرابة 2500 متر مربع، ويضم منطقة مغطاة مكيفة وفناءات خارجية تطل على البحيرة، وشلالات ونوافير، ومطعم للعائلات، ويضم أيضاً مسرحاً رومانياً مكشوفاً يتسع لـ400 شخص.
أما المعلم الأبرز الذي سيذكره جميع  القطريين ويفخرون به فهو استاد البيت، الذي شهد حفل افتتاح مونديال 2022، والعديد من مباريات البطولة حتى الدور نصف النهائي‎، وتبلغ طاقته الاستيعابية 68 ألف مشجع.
واستوحي تصميم الاستاد من بيت الشّعر الذي سكنه القطريون قديماً، والذي يعرف بالخيمة العربية الأصيلة، التي تعد رمزاً من رموز الكرم والضيافة. وكانت الخيمة تبنى في مناطق مرتفعة فوق تلة، وتشعل أمامها النيران حتى تستقطب الضيوف، وهو ما جرت محاكاته عند بناء الاستاد، وأيضاً الأضواء المحيطة به حتى تخلق الأجواء نفسها.
يعتبر استاد البيت من أكبر المشاريع الرياضية في العالم، فهو مصمم على مساحة مليون و400 ألف متر مربع، ويحتوي على مركز للطاقة وأبراج للتبريد ومحطة كهرباء، فضلاً عن حديقة مساحتها 400 ألف متر مربع، وأربع بحيرات تحيط بالاستاد الذي يتضمن مسارات للجري والمشي ومضامير للخيل والهجن.

(Getty)

وستُخفض طاقة استاد البيت الاستيعابية إلى 30 ألف مقعد بعد انتهاء منافسات كأس العالم، تاركاً إرثاً يوزع على الدول المحتاجة،  بينما ستتحول المنطقة الخالية من المقاعد إلى صالة متعددة الأغراض، لخدمة احتياجات السكان في منطقتي الخور والذخيرة.

المساهمون