"ذا بيتلز" في عين العاصفة المُغمضة

"ذا بيتلز" في عين العاصفة المُغمضة

26 سبتمبر 2023
التقط الصور عازف غيتار الفرقة بول مكارتني (جيف هوشبيرغ/ Getty)
+ الخط -

في مطلع الستينيات من القرن الماضي، شاع استخدام الصحافة البريطانية لكلمة بيتليمانيا (Beatlemania ) لوصف الأجواء الهستيرية المصاحبة لحفلات فرقة ذا بيتلز. وعلى الرغم من الصخب غير المألوف المصاحب لحفلات الفرقة، إلا أن هذه الهستيريا التي أثارت حفيظة الصحافة البريطانية حينها، لم تكن قد بلغت ذروتها بعد. كانت الفرقة المؤلفة من أربعة موسيقيين شباب تشق طريقها إلى العالمية في ذلك الوقت، ولم يتوقع أحد كل هذا التأثير الذي كان يثيره أعضاؤها في كل مكان يحلّون فيه. لم يكن فريق ذا بيتلز، الذي توهج بريقه عالمياً على نحو مفاجئ طوال عقد الستينيات، يمثل ظاهرة موسيقية فحسب، بل اجتماعية ونفسية وسياسية أيضاً.
ارتبطت حفلات الفرقة في هذه الفترة بالعديد من الظواهر غير المعتادة، من إغماءات وصراخ متواصل، وحشود من المراهقين تحاصر أماكن إقامة أعضاء الفرقة ليل نهار. إلى جانب هذه التفاصيل، كانت هناك العشرات من كاميرات التصوير تلاحق أفراد الفرقة من مكان إلى آخر. بين المئات من عدسات الكاميرا التي تتبعت حركة فريق ذا بيتلز، كانت هناك عدسة واحدة فقط هي التي نجحت في اختراق الحصار المفروض حول هؤلاء الفتيان الأربعة. استطاعت هذه العدسة التسلل إلى مقرات أعضاء الفرقة، وإلقاء نظرة قريبة على حجرات نومهم، وتسجيل لحظات اختلائهم بأنفسهم ومسامراتهم.
لم تكن هذه العدسة سوى عدسة بول مكارتني (1942)، أحد أعضاء الفرقة وكاتب كلمات معظم أغانيها مع زميله جون لينون. كان مكارتني مولعاً بالتصوير، لذا فقد وجه كاميرته نحو زملائه في الفرقة، وظل محتفظاً بهذه الصور التي التقطها لزملائه كنسخ سلبية (نيغاتيف) حتى أعاد اكتشافها في عام 2022. ولأول مرة، تخرج هذه الصور النادرة التي التقطها عضو الفرقة إلى النور، ليراها الجمهور في معرض الصور الوطنية في لندن (National Portrait Gallery). يقام المعرض تحت عنوان "صور بول مكارتني: عين العاصفة"، ويستمر حتى الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. ومن المقرر أن ينتقل عرض الصور بعد انتهائه في لندن إلى متحف كرايسلر للفنون في الولايات المتحدة الأميركية، ليتواصل حتى السابع من إبريل/ نيسان 2024 .
يضم المعرض أكثر من 250 صورة فوتوغرافية التقطها مكارتني بين نوفمبر/تشرين الثاني 1963 وفبراير/شباط 1964. هذه الفترة التي تسجلها الصور، شهدت بداية الانعطافة الكبيرة في مسيرة الفرقة، بتحولها من فرقة محلية إلى ظاهرة عالمية مثيرة للجدل. تكشف الصور أعضاء الفرقة الأربعة وهم يتكيفون مع حياتهم الجديدة كأيقونات عالمية. يظهر هؤلاء النجوم لأول مرة من دون حراسة بعيداً عن المسرح وصرخات المعجبين وكاميرات الصحف.
دور بول مكارتني كعازف غيتار وأحد مؤلفي الأغاني الرئيسيين في فرقة البيتلز معروف وموثق جيداً، غير أن براعته خلف عدسة الكاميرا كانت مجهولة تماماً. في هذا المعرض يتم الاحتفاء بمكارتني كموسيقي ومصور أيضاً، ما يوفر منظوراً جديداً وشخصياً لأبرز فرق الروك في التاريخ. يحمل المعرض أهمية كبيرة لدى عشاق فرقة البيتلز والمهتمين بتاريخ هذه الظاهرة، وهو يعد فرصة لرؤية أعضاء الفرقة بعيون أحد أعضائها.
تركز الصور على عامين فقط من مسيرة الفرقة، بداية من الظهور التاريخي لها في أحد أشهر البرامج التلفزيونية في الولايات المتحدة الأميركية. ظهرت الفرقة على شاشة التلفزيون الأميركي في إحدى حلقات برنامج "إد سوليفان شو" (Ed Sullivan Show) وشاهدها أكثر من 73 مليون أميركي، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المشاهدات التلفزيوينة في ذلك الوقت. ساهم ظهور الفرقة في هذا البرنامج في انتشارها والتعريف بها على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة والعالم. انعكس هذا الانتشار على كثافة الحضور في أول حفل للفرقة في أميركا، إذ حضره نحو 55 ألف متفرج، وكانت المرة الأولى التي ينظم فيها حفل غنائي داخل أحد ملاعب الكرة.
توفر الصور نافذة قريبة على أعضاء الفرقة الأربعة: جون لينون وجورج هاريسون ورينغو ستار، فضلاً عن صاحب الكاميرا جون مكارتني.

تحكي كل صورة من الصور المعروضة قصة مختلفة وترسم ملامح هذه الفرقة التي لم تكن تصنع الموسيقى فحسب، بل تشكل المشهد الثقافي وذائقة الناس خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات.

تقول سارة تومسون، أمينة المعرض، إن الصور الفوتوغرافية التي التقطها بول مكارتني ليست مجرد شهادة فقط على عينيه الثاقبتين وقدرته على التقاط جوهر اللحظة، بل لكونها تتبع عن قرب هذه الفرقة الاستثنائية وهي تغزو العالم. إضافة إلى الصور نفسها، يتضمن المعرض أيضاً عدداً من المقابلات مع مكارتني للحديث عن ذكرياته عن تلك الحقبة. يوفر هذا البعد الإضافي سياقاً غنياً لفهم أهمية هذه الصور، ما يتيح للزائرين اتصالاً أعمق بالرجل الذي شهد هذه اللحظة الاستثنائية في تاريخ الموسيقى وساهم في خلقها.

المساهمون