حكيم عنكر... رحيل يباغت الصحافة

حكيم عنكر... رحيل يباغت الصحافة

09 ديسمبر 2020
أصيب عنكر بفيروس كورونا الجديد (العربي الجديد)
+ الخط -

"الكرامة أولاً وأخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً". كان هذا شعار الزميل الصحافي والشاعر والكاتب، حكيم عنكر، حتى آخر رمق في حياته التي انطفأت صباح يوم الأربعاء، في أحد مستشفيات الدار البيضاء المغربية، نتيجة مضاعفات إصابته بفيروس كورونا الجديد.

وُهب عنكر الذي رأى النور عام 1968 الملكة الأدبية والشغف بالشعر مع الإخلاص لمهنة الصحافة. لم يكن صحافياً عادياً، بل كان حارس مهنة لا يقبل بأنصاف الحلول. وخلال مشواره المهني الممتد لما يربو على العقدين، ترك الراحل بصماته في منابر إعلامية عدة مغربية وعربية، من أبرزها "أنوال" و"الأنوار" و"المنظمة" و"مغرب اليوم" و"المنعطف" و"المساء" و"الخليج" الإماراتية.

كما يعدّ عنكر من مؤسسي "العربي الجديد"، إذ انضم إلى أسرة الصحيفة والموقع منذ ما قبل الإطلاق عام 2014، وكان خلال هذه الفترة من العمل مثالاً يحتذى في الكفاءة والدماثة والالتزام، وفق ما وصفته المؤسسة في بيان نعيها.

ويصعب على كل من يحاول الكتابة عن شخصية عنكر أن يتتبعها على خط واحد مستقيم، فالرجل كان متعدّد الاهتمامات والأوجه، ففضلاً عن اشتغاله في مجال الصحافة، كان شاعراً رقيق الإحساس يكتب بريشة الفنان وبقلب الأديب، وتعكس كتاباته روح الإنسان المرح المفعم بالحياة والمحب للخير.

ويبقى من أبرز أعماله الشعرية ديوان "رمل الغريب"، من منشورات "اتحاد كتّاب المغرب"، عام 2001، والكتاب الشعري التشكيلي "مدارج الدائرة" بالتعاون مع التشكيلية الإماراتية نجاة مكي عام 2006.

وعن "مدارج الدائرة" كتب بشير البكر حينها: "يأخذنا إلى تجربة جديدة عُرفت على نطاق ضيق جداً على مستوى العالم العربي. نحن إزاء قصيدة طويلة، مقسمة محطات ومستويات وجهات مختلفة، تتداخل وتتنافر في الرؤية، لكن زمناً شعرياً واحداً يجمعها، ضمن وعي جمالي للعلاقة بين الذات والعالم، والشاعر والقصيدة، والنقطة والدائرة، والمركز والمحيط".

 وكما خبر الصحافة والشعر، خاض تجربة النضال الطلابي والعمل السياسي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عضواً في فصيل "الطلبة الديمقراطيين" و"المكتب الوطني لحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية" و"اللجنة المركزية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي".

عوامل عدة ساهمت في تشكيل شخصية عنكر، بعضها تأصّل في الذات منذ الصغر في منطقة دكالة (جنوب الدار البيضاء)، وبعضها الآخر أنتجتهُ الحياة بتقلباتها وتموّجاتها.

وكانت للراحل ذاكرة نادرة وطاقة خلاّقة، يقول عنها زميله رئيس تحرير موقع "الغد 24" أحمد النشاطي: "كان كل ما يفعله يبدع فيه بعنفوان: عندما يكتب الشعر، ويكتب النقد الأدبي، ويكتب السياسة، ويكتب المجتمع، ثم عندما يكتب كل أجناس الصحافة من الخبر إلى التعليق إلى التحليل الإخباري إلى التقرير وإلى التحقيق... كان حكيم دائماً المفرد والجمع".

وشكل نبأ وفاة عنكر، صباح الأربعاء، صدمة لدى الوسط الصحافي والإعلامي، باعتبار أن الفقيد كان من الصحافيين المتميزين، فيما نعى مجموعة من الزملاء الصحافيين عنكر على صفحاتهم الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال نائب رئيس تحرير "العربي الجديد" حسام كنفاني: "كيف نصدق أن مثل هذا الإنسان الخلوق والمحترم ممكن أن يرحل بهذه السرعة، وأن رحلة صداقة وزمالة عمرها أكثر من 15 عاماً ممكن أن تنتهي من دون مقدمات. وداعاً يا صديقي".

كما نعاه مسؤول قسم الرأي في "العربي الجديد" معن البياري قائلاً "الأخ الأعز، الصديق الأحب، الزميل اليومي... حكيم عنكر. ليس في وسعي أن أكتب عنه، وأنا في فائضٍ من النشيج عليه. الحجر ثقيل جداً ضربني به هذا الصباح النبأ المفزع، بعد شيءٍ من التفاؤل مساء أمس بأنه سيحتاز المحنة الصعبة، بأنه سيهزم الفيروس الغادر... سلاماً حكيم، رفيق مساءات بلا عدد في الدوحة والشارقة. صاحبي المقيم فيّ... سلاماً حكيم".

الأخ الأعز، الصديق الأحب، الزميل اليومي .. حكيم عنكر. ليس في وسعي أن أكتب عنه، وأنا في فائضٍ من النشيج عليه. الحجر ثقيل...

Posted by Maen Albayari on Wednesday, December 9, 2020

وتذكره الزميل صدام الكمالي: "حكيم عنكر، الزميل والصديق ورفيقي في العمل على مدى 6 سنوات، تركنا ورحل... صباح كل يوم يصل حكيم إلى مكتبه ويجلس على كرسيه بجواري ونتبادل الكثير من الحديث، لكننا نفتتح كل ذلك بالسؤال عن الحال بالمغربية (كل شيء لا بأس ابن العم، صافي، الأولاد بخير). لا أدري ماذا أقول عن صديق في مكانة حكيم وفي الفراغ الذي قد تركه في حياتي شخصياً".

وكتب مدير قناة "المغربية" عبد الصمد بنشريف: "الرزء مزلزل وغياب حكيم بسبب فيروس غادر وغاشم موجع بكل المقاييس. لكن كل واحدة وكل واحد سيحتفظ بذكرى ما وبصورة ما وبجملة ما وبقصيدة ما لحكيم الذي فقدناه من دون أن نصدق رحيله". وأضاف: "رحم الله صديقنا وشاعرنا النبيل والأصيل الذي كان دائماً مترعاً بالفرح والأمل وشغف الحياة، وكانت ذخيرته من الأسلحة سخرية انسيابية بدون رؤوس مسمومة ومدمرة، ولغة رشيقة خفيفة أنيقة وحس إنساني رفيع وتسامح منقطع النظير وأصالة مغربية عميقة حملها معه حيث حل وارتحل".

الشاعر وأستاذ الصحافة المكتوبة، عبد الوهاب الرامي قال في نعيه للزميل عنكر: "هناك خسارات لا تعوض. وفاة حكيم عنكر الرصين المرح، الرزين المتسامح، حقاً خسارة لأصدقائه وزملاء مهنة الصحافة وللمغاربة حتى وإن لم يكونوا يعرفونه، ربما لاشتغاله بعيداً عن أضواء الكاميرات. صحافي من بلاط الكبار. منقب وباحث عن الحقيقة وراء قشور تفاهات الكتبة عبدة الإلكترون المنفلت". وأضاف: "أخي حكيم. أخالهم هنالك يهللون لقدومك المباغت لهم. أكيد ستسعدهم كما أسعدتنا نحن الذين ننتظر دورنا للانخراط في الحضرة الكبرى".

المساهمون