تلفزيون سوريا... تجربتان نسائيتان

تلفزيون سوريا... تجربتان نسائيتان

29 مارس 2022
الإعلاميتان نور الهدى مراد وآلاء هاشم (تلفزيون سوريا)
+ الخط -

احتفل "تلفزيون سوريا" مطلع الشهر الحالي بالذكرى الرابعة لانطلاقه. سنوات أربع تحوّل خلالها التلفزيون إلى منصة أساسية للخبر والتحليل المرتبط بالشأن السوري. وقد شهدت في هذه الأعوام ظهور أسماء إعلامية عدة، بات لها حضورها على الساحة التلفزيونية العربية، إلى جانب الحضور الواسع على مواقع التواصل.
"العربي الجديد" التقى في هذه المناسبة الإعلاميتين في القناة آلاء هاشم، ونور الهدى مراد، للحديث عن تجربتيهما الإعلاميتين، خصوصاً أنّهما باتتا من الوجوه الرئيسية في المحطة.

تجربة السنوات الأربع

"تلفزيون سوريا محاولة ناجحة في الإعلام السوري، تجاوز محدودية ما يسمى الإعلام البديل، وشكّل لنفسه مكاناً راسخاً لدى الجمهور السوري داخل البلاد وخارجها. وتنوع مضمونه بين الجاد والمنوع، بين السياسي والاجتماعي، ورغم التجربة القصيرة، إذ لا تشكل أربع سنوات في عمر التلفزيونات إلا مشواراً يسيراً لكن هذا المشروع يمشي بخطوات جيدة، بهمة الكفاءات التي تعمل فيه"، هكذا ترى الإعلامية السورية نور الهدى مراد، تجربة "تلفزيون سوريا" في الذكرى الرابعة لانطلاقه. وتعطي بعداً ودوراً أكبر للقناة، إذ تسلّط الضوء على أهمية التوقيت الذي انطلق فيه هذا المشروع في وقت تراجع خلاله الاهتمام في الملف السوري في وسائل الإعلام العربية والعالمية، "شكل التلفزيون مصدراً مهماً لمتابعة الخبر والتحليل السوري، وأعطى منصة إضافية لمواهب متنوعة ولكتاب كثر ليعيدوا رواية القصة السورية وتوثيقها على مسافة زمنية جيدة من بدء الأحداث، تتيح تناول كل التفاصيل بمنظور أكثر عمقا وموضوعية".
وجهة النظر هذه عن دور التلفزيون تتشاركها مراد مع زميلتها الإعلامية الاردنية ــ الفلسطينية آلاء هاشم التي تقول: "يذكرني تلفزيون سوريا أني أنتمي لجيل صنع الربيع العربي"، شارحة تفاصيل علاقتها كإعلامية فلسطينية ــ أردينة بالملف السوري "أنا قرأت عن النكبة والاحتلال واللجوء والمخيم في الكتب، وسمعت عنها في حكايا جدتي لكنني لم أعش شيئاً منها، بل عاينته فقط مع القضية السورية... أشعر أنّ جزءاً مني من سورية".

أبعد من التقديم

تقدّم هاشم حالياً برنامجاً سياسياً أسبوعياً بعنوان "المؤشر" كما تشارك في تقديم الأخبار والبرامج اليومية "هويتي في تلفزيون سوريا كمقدمة في المجال السياسي بدأت تستقر. وقد كان واضحاً أن إدارة التلفزيون ترغب بإدخال الخط العربي على الملف السوري، وهذا منطقي جداً لأن سورية جزء من محيطها. القضايا تتقاطع في الملف السوري على نحو غريب، من هنا مرة أخرى شكل الالتحاق بتلفزيون سوريا فرصة لي كمذيعة، للعمل في ملف أحبه واحتكاك مباشر مع الملفات العربية والدولية". لكن هاشم ترفض حصر دورها بالتقديم، وتؤكد عملها على إعداد وتحرير مختلف الحلقات التي تقدّمها "أعتقد أن الحكم عين المشاهد، المشاهد ذكي، يستطيع تمييزك من اللحظات الأولى لمتابعتك، هو من يميز من صوتك وتفاعلك مع الخبر، أنك تقرأ خبراً تفهمه جيداً وتدرك خلفياته وسياقاته، لذلك من المهم جداً أن يكون المذيع صحافياً، فغرفة الأخبار مطبخ التلفزيون، وإذا اعتبرنا أن المذيع مجموعة من المهارات فإن المذيع القادم من المطبخ يمتلك نقطة قوة إضافية. 
وفي المؤشر نعمل معاً كفريق متكامل نوزع العمل بيننا نتفق على المحاور ونقترح الضيوف، التناغم والجهد الجماعي أحد مفاتيح النجاح الذي أتمنى أن يكون حليفنا. الفريق دوماً هو من يصنع الفارق، وحدك لن تقدم عملاً إعلامياً مميزاً مهما بلغت ثقافتك وقدرتك وحضورك، بيضة القبان في الفريق".

نور الهدى مراد: البراعة تكمن في ألّا يكون المحاور طرفاً (تلفزيون سوريا)
نور الهدى مراد: البراعة تكمن في ألّا يكون المحاور طرفاً (تلفزيون سوريا)


مراد كذلك ترى أنه يجب على المذيع أن يكون صحافياً بالدرجة الأولى، هي التي اشتهرت بين زملائها بتحضيرها العميق للحلقات والمقابلات التي تديرها، "مقدمون كثر يعملون بطريقة القارئ، ويختلف الأمر حسب الخلفية العلمية والثقافية التي ينحدر منها المقدم، لكن بالنسبة إليّ أنا صحافية في المقام الأول لديّ الخبرة في الإعداد ولدي التمكن من الملفات، وأؤمن بأن جودة الحوار المقدم يعتمد بالدرجة الأولى على كم معلومات المحاور ومعرفته عن الضيف ومادة الحوار، وهو ما يميز محاور عن آخر. ثم يصبح لدى المحاور طابعه المميز، وجلسته، وانطباعاته، وأسلوبه في التفاعل والانتقال بسلاسة بين الأفكار، ، طريقته في قطع الضيف والعودة إليه تحت الإلزام الشديد بالوقت، وقدرته على استخراج ما هو أكثر قيمة وجدة من الضيوف، المحاور هو مذيع يبرع في إدارة الحوارات، وليس كل مذيع محاوراً. وهنا تكمن الفوارق بين مذيع وآخر". 

حيادية أم موضوعية؟

لكن هل العمل على الشأن السوري منهك، خصوصاً من الناحية الإنسانية، إذ يكاد لا يمرّ يوم واحد من دون مأساة سوى داخل سورية أو في دول اللجوء؟ هنا تستعيد هاشم لحظة إعدادها لتقرير عن الأطفال ضحايا مجزرة الكيماوي التي نفّذها النظام السوري ضد أهالي خان شيخون "بكيت كثيراً وأنا أتابع الصور القادمة عن المجرزة، هذا تقرير لا يمكن أن تكتبه وأنت متصحّر المشاعر، لابد أن تكتبه وأنت تبكي، صوتك يجب أن يقرأ هنا بصوت مختلف، يجب أن تكون بحجم الألم بعد المجزرة، هذه أمانة ..أن تستطيع الكتابة عن تلك الأوجاع بالشكل الملائم لإيصال القضية، الإعلام برأيي هو التأثير أو قدرتك أن تؤثر وأن تصنع رأياً عاماً".

آلاء هاشم/تلفزيون سوريا
آلاء هاشم: الإعلام هو القدرة على أن تصنع رأياً عاماً (تلفزيون سوريا)

أما في تقديم الأخبار فبحسب هاشم، لا بد أن "تتفاعل مع الحدث، مؤلماً، كان أم مفرحاً، وهذه مهارة أخرى يجب إتقانها، إن كان الخبر عن سقوط ضحايا مثلاً كيف يمكن قراءته بلا تفاعل؟ يجب أن تشعر المستمع أن الحدث محزن للغاية، كأن تعيش الحدث المؤلم خلال قصف نظام الأسد مجمعاً سكنياً للمدنيين، على سبيل المثال".
مراد بدورها ترى أن هذا التعاطف "مبرّر في حالات وجدانية معينة متفق عليها بين السوريين من ناحية إظهار الانحياز والتعاطف والتطرف ــ بالمعنى الإيجابي ــ لما هو حق وعدل، لكن تلفزيون سوريا كتلفزيون معارض يتبنى قيم الثورة، أتاح لي مساحات كبيرة من التقاطع بين ما اعتنقه وبين السياسة التحريرية، والتطابق في الانحياز إلى الحق والحرية والحلم الكبير بسورية ديمقراطية".
وإن كانت صناعة الرأي العام تشكّل جزءاً من مهام الإعلام، هل يتعارض هذا الدور مع ما يفترض أن يكون حياداً أو موضوعية للتغطية الصحافية؟ تجيب مراد بدورها بالقول إنه "أصعب ما في العمل في ملف يمسنا وجدانيًا هو اتخاذ المسافة المناسبة منه، والبراعة تكمن في ألا يكون المحاور طرفًا، وتظهر الحاجة لهذه المسافة في التلفزيونات التي تتناول شأنا عربياً أو دولياً منوعاً أكثر من التلفزيونات المحلية". لا يبدو رأي هاشم مختلفاً، وترفض في الوقت نفسه استخدام تعبير "الحياد" فتقول "تلفزيون سوريا موضوعي، يأخد الخبر من جوانبه المختلفة، مثلاً نتناول تصريح الائتلاف وتصريح النظام، نضيء على معاناة السوريين في الشمال، ولا نغفل معاناتهم في مناطق النظام، لدينا ثوابت واضحة من القضايا المركزية فلسطين، سورية، نحن مع الشعوب وضد الظلم أينما كان. ببساطة تلفزيون سوريا موضوعي ويتحرى الحقيقة، وهذا المطلوب برأيي. أما عن تعبير (حيادي) فلا أفهمه في الإعلام، هو كذبة ابتدعها الآخرون. إذ لا يوجد أي إعلام حيادي، ولا يجب أن نسعى أن يكون الإعلام حيادياً، ثمة قيم وثوابت ومواقف يجب تبنيها".

نساء وشاشات

تطلّ نور الهدى مراد وآلاء هاشم على الشاشة وهما ترتديان الحجاب، في خطوة كانت تعتبر حتى سنوات قليلة عائقاً أمام الكثير من النساء لدخول عالم الإعلام المرئي. الهاجس الأساسي عند هاشم في هذا الإطار هو "ألا يمنع خياري الشخصي أي الحجاب، تقييمي بشكل عادل وإعطائي الفرصة كغيري، لذا أتمنى ألا يتم تصنيفي بناء على شكلي فقط، فأنا أنظر لنفسي كسيدة محجبة بصفتي جزءا من المجتمع، بالتالي من حقي أن أكون موجودة، وكفاءتي المهنية هي الفيصل". وتتمنى إدماج المحجبات بشكل أكبر على الشاشات العربية "صحيح أن الواقع اليوم مختلف عما كان عليه قبل عشر سنوات مثلاً، اليوم هناك مؤسسات تتيح ظهور المحجبات من دون أي عوائق، لكن الحالة العامة تستثني المحجبة من المشهد، بل ثمة أماكن تفرض فيتو على المحجبات، في حين أن الغرب نفسه تجاوز الأمر وبتنا نشاهد محجبات في أكبر وأهم الشاشات العالمية. أتمنى أن نصل لهذه المرحلة في الإعلام العربي". 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

نور الهدى تذهب أبعد من الحجاب نفسه، إذ ترى أنّ وجود السيدة على الشاشة بحد ذاته، لم يعد حدثاً هاماً منذ زمن "لكنّ الانخراط في ملفات سياسية حساسة وخلافية أحياناً في الجو السوري المستقطب أصلاً يجلب بعض الانتقادات... وهذا أمر صحي فلا يوجد صحافي يتفق عليه الجميع، ولابد أن يشعر الصحافي بمسيره في حقل أشواك، حتى يبقي حافزه لتوخي المهنية صاحيا وموجوداً. وتضيف أن أكثر ما هو سلبي، "ارتباط اسم المقدم ووجهه بشاشة المؤسسة، فتصبح خطواته على وسائل التواصل الاجتماعي محسوبة، وحتى ظهوره في المجال العام حذرا... لكن هذه المحاذير تصبح ثانوية إذا زاد الانسجام بين قناعات المقدم ومؤسسته، وتمسك بمهنيته ونبذ الشعبوية ولحاق سوق الرائج".

المساهمون