"بيت التنين"... صراع آخر يدور خارج الشاشة

"بيت التنين"... صراع آخر يدور خارج الشاشة

15 نوفمبر 2022
يقدم العمل تجربة متفردة ومتقنة وحكاية أصيلة (HBO)
+ الخط -

تتضارب الآراء حول مسلسل "بيت التنين" (House of the Dragon) الذي أنهت شبكة HBO بثه أخيراً. هناك من قاطع المسلسل بأكمله، بحجة أن الإضاءة فيه منخفضة وباهتة، ولا تُمكن مشاهدة ما يحصل. وهناك من رأى فيه رائعة تلفزيونيّة، وامتداداً لشهرة وإتقان مسلسل "صراع العروش" (Game of Thrones). لكن محاولة الكتابة عنه هنا صعبة، فنحن أمام HBO، وما زلنا في الموسم الأول، وككل مسلسلات HBO، ليس هذا الموسم من "بيت التنين" إلا تمهيداً لما سيحصل لاحقاً.
يمكن القول، بداية، إن المسلسل يحوي كل ما أراده الجمهور وانتظره. تريدون تنانين، إليكم قطيعاً منها، جنساً وسفاح قربى وتوتراً دائماً بخصوصه، هاكم إياها! قتالاً، إليكم الكثير منه، تشوهات وأمراضاً وقلع عيون، أيضاً إليكم بعضها. شارة تتغير في كل حلقة لتلبي رغبات عشاق المسلسل، أيضاً تم الأمر. لكن، بعد كل هذا، نحن أمام تمهيد لحرب أهلية. الزمن يمضي سنوات بين كل حلقة وثانيّة، ويترك لنا شأن تعبئة الفراغات وإعادة اكتشاف الشخصيات. وكأن "بيت التنين" يراهن على أن الجمهور نشيط وفضولي. وما لا يظهر على الشاشة، سيقوم مقدمو برامج يوتيوب بالحديث عنه، والعودة إلى المسلسل الأصلي والكتاب، وكأننا أمام صراع يدور خارج الشاشة أيضاً، وبحث دائم عن معنى ما نراه.
يكشف "بيت التنين" عن الصراع داخل أسرة واحدة وتداخل نسلها. نحن أمام فرضية تختلف عن الفرضيات التقليدية في ما يخص تقاسم السلطة، فنحن لسنا أمام الملك لير الذي يريد تقسيم مملكته بين بناته وهو حي، ولسنا أمام أوديب الذي ورث المملكة وخطيئته، بل أمام صراع على السلطة البحتة، تلك التي لا يتغير شكلها؛ أي الوراثة، إذ يتحول الأبناء والأحفاد إلى بيادق للحفاظ على احتكار السلطة وامتدادها. وهنا ما يلفت النظر، سلطة الوراثة أقوى من حقيقة الدم، وهذا ما تكتشفه وتتمسك به رينايرا تارغارين: أبناؤها، ولو كانوا محط الشبهة، لا بد لهم من ولاية العهد، وإلا ستنهار المملكة وقيمها بأكملها.
يقترب الملك من الموت، متمسكاً بالنبوءة وبقرار توريث ابنته، مخالفاً الأعراف والتقاليد، هو واع للمكائد من حوله، لكن الحرب ستقوم لا محالة. وهنا اللافت في المسلسل وأسلوب كتابته وبنائه، نحن نعلم النهاية، وشاهدناها، التحذير من "الشتاء القادم" بالنسبة لنا شأن نوستالجي، إذ نعلم نتيجته، لكننا نشاهد على كلّ حال. وهنا الرهان اللافت من HBO؛ كل حلقة تضطرنا إلى إعادة النظر في ما نعرفه عن التنانين وأصحابهم، وكيف تلاشت سلالتهم، ولم تنج منها إلا أم التنانين، دينيريس، وحتى لو توصّلنا إلى إجابة، فسنستمر بالمتابعة بكل الأحوال.

انتهى المسلسل، وأجاب عن بعض الأسئلة التي كانت عالقة في "صراع العروش"، خصوصاً في ما يخص التنانين؛ إذ عرفنا عن تاريخها، والأهم، انتهى كأي موسم أول لأي مسلسل تبثه HBO. حدث جلل، ثم تمهيد للموسم الثاني. لكن الأمر لم ينته، مئات وآلاف الفيديوهات التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصة "يوتيوب"، تشرح لنا كل تفصيل، وتقارن "منزل التنين" مع الكتاب، والمسلسل الأول (لعبة العروش"، وكل ما يخطر على البال، كل ما تُمكن كتابته عن المسلسل نُشر ونُوقش واستُهلك، وهنا اللافت، "لعبة العروش" و"بيت التنين"، كلاهما أشبه بمحركات للمحتوى والتحليلات التي ستكرر إلى حين بث الحلقة الأولى من الموسم الثاني.
هل يمكن القول إن "بيت التنين"، وبرغم كل الإتقان والحذر في صناعته وتلبيته مطالب الجمهور وانصياعه للصوابية السياسيّة، لم يقع في فخ النوستالجيا؟ تلك التي يُتهم بها كل ما يبث حالياً. نعم ولا، نعم لأنه يقتات، ولو بصورة مباشرة، على شهرة المسلسل الأول. ولا، لأنه يقدم تجربة متفردة ومتقنة وحكاية أصيلة. مع ذلك، من منا لم يشاهد أو يبحث عن التقاطعات بين هذا المسلسل وذاك السابق؟

المساهمون