"بلاء" المراجعات المزيفة يجتاح مواقع التقييم على الإنترنت

"بلاء" المراجعات المزيفة يجتاح مواقع التقييم على الإنترنت

27 يناير 2023
تملك منصات مثل "تريب أدفايزر" محقّقين يتأكدون من صحّة المراجعات (بودرول شوكروت/ Getty)
+ الخط -

يدفع أصحاب المطاعم والفنادق المال للناس مقابل كتابة مراجعات إيجابية عن أماكن لم يزوروها يوماً، فيما تحاول منصات التقييم، مثل "يلب" و"تريب أدفايزر"، محاربة سيل التعليقات المزيفة.

وفقاً لتقرير من صحيفة نيويورك تايمز الجمعة، كان أوبا بتلر يعرف أنّ من الخطأ كتابة مراجعات وإعطاء تقييمات وهمية عبر الإنترنت لمطاعم لم يزرها يوماً، لكنّه كان شاباً مفلساً، يبلغ من العمر 21 عاماً، ويسكن مع أهله في قرية فيكينهام التي تبعد قرابة 200 كيلومتر عن العاصمة البريطانية لندن.

بدأ الأمر حين قرأ إعلاناً من شخصٍ مجهول الهوية يعرض دفع 10 جنيهات إسترلينية (نحو 15 دولاراً أميركياً) مقابل كلّ مراجعة تُكتب وتنشر على موقع السفر تريب أدفايزر.

كان العمل بسيطاً: يتلقى بريداً إلكترونياً باسم المطعم المطلوب تقديم مراجعةٍ عنه، ويدخل إلى "تريب أدفايزر" بواسطة واحدٍ من الحسابات الوهمية المختلفة التي أنشأها، ويلقي نظرة على صور الأكل، ويدرس قائمة الطعام. بعد ذلك، يكون عليه تقييم المطعم مع كتابة مراجعة مطوّلة وإيجابية عنه.

في إحدى مراجعته، مدح النادل، ووصفه بأنّه "متيقظ جدّاً"، وطالب بحصوله على علاوة، فيما وصف مطعماً في مراجعةٍ أخرى بأنّه "من أفضل الأماكن التي تقدّم المعجنات اليونانية في لندن".

وقال بتلر لـ"ذا نيويورك تايمز" عن هذه الفترة: "لم أكن أعيش في لندن في ذلك الوقت، وكنت أكتب انطلاقاً من خبرةٍ محدودةٍ للغاية مع الطعام". اليوم، مرّت 10 سنوات منذ أن عمل بتلر الذي تجاوز الثلاثين وبات يعيش في لندن في كتابة المراجعات المزيفة، لكنّ الكثيرين اليوم يواصلون المشاركة في عمليات التقييم المزيفة.

عام 2022، قال موقع يلب، المخصّص لتقديم المراجعات والتقييمات إنّ المشرفين على المحتوى أزالوا أكثر من 700 ألف مشاركة تنتهك سياساته، ومن بينها العديد من المنشورات المسيئة أو المضللة.

بدوره، أعلن "تريب أدفايزر"، في تقرير الشفافية الصادر عام 2021، عن نشر أكثر من 26 مليون تقييم عبر الموقع خلال عام 2020، قرّر إزالة مليون تقييم منها باعتبارها مزيفة.

وأدّت المراجعات المزيفة إلى عواقب قانونية أحياناً. فعام 2018، حُكم على مالك "برومو سالنتو"، وهي شركة إيطالية تقدّم خدمة كتابة مراجعات مدفوعة عن الفنادق والمطاعم، بالسجن تسعة أشهر، بعد أن رأت هيئة المحكمة أنّه استخدم هويات مزيفة لكتابة مراجعات مزيفة على "تريب أدفايزر".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رفعت "غوغل" دعوى قضائية ضد عشرات الشركات والمواقع الإلكترونية، متهمةً إياها بتنفيذ "عملية احتيال واسعة النطاق" لتضليل الشركات الصغيرة، عبر بيعها "خدمات مزيفة أو لا قيمة لها"، بما في ذلك "إغراق المنافسين التجاريين بالتعليقات والتقييمات السلبية التي يمكن الوصول إليها عبر غوغل".

تقول مواقع مثل "يلب" و"تريب أدفايزر" إنّ التعليقات المزيّفة تمثل نسبة ضئيلة من إجمالي المشاركات المنشورة على الإنترنت، وتلفت إلى أنّها تستخدم التكنولوجيا والمشرفين للتخلص من المراجعات المضللة لتجنب نشرها.

لكن، ومع اعتماد المزيد من الناس على المراجعات المنشورة عبر الإنترنت لاختيار المطاعم أو الفنادق التي يريدون قصدها، تتزايد الحاجة لتحسين التكنولوجيا التي تفرّق المنشورات الحقيقية عن المضلّلة.

في أكتوبر/ تشرين الأوّل، التقى ممثلون من "يلب" و"تريب أدفايزر" و"ترستبيلوت" و"غوغل"، إضافة إلى ممثلي عددٍ من مواقع المراجعة الأخرى، في مؤتمرٍ مغلق ليوم واحد في سان فرانسيسكو، لمناقشة سبل تعزيز مواجهة انتشار المراجعات المزيّفة عبر الإنترنت.

وقالت المديرة في "تريب أدفايزر" والمسؤولة عن تنظيم هذا المؤتمر، بيكي فولي، إنّها المرة الأولى التي يُعقد فيها اجتماع من هذا النوع. ولفتت فولي إلى أنّ سوق المراجعات المزيفة "مضر للجميع"، وأضافت: "إذا كان الناس لا يثقون بالتعليقات المنشورة على يلب، فإنّهم لن يثقوا بالتعليقات المنشورة على موقعنا أيضاً".

المحققون في مهمة صعبة

تستخدم مواقع المراجعة أنظمة آلية ذات خوارزميات مدمجة لتحليل البيانات واكتشاف المشاركات المزيّفة أو المثيرة للشبهات. لكن "يلب" و"تريب أدفايزر" لا يقدمان تفاصيل حول كيفية عمل هذه الأنظمة، خشيةً من أن يساعد ذلك المحتالين في عملهم.

هناك بعض الأمثلة الواضحة التي تثير الشكوك، فهناك على سبيل المثال عددٌ كبير من المراجعات الإيجابية الواردة من فندق في كانكون في المكسيك، ما يدلّ على أنّ القائمين على الفندق هم من كتبوا هذه المراجعات، لا الأشخاص الذين أقاموا هناك في الحقيقة.

ولفتت فولي إلى أنّ معظم المشاركات المزيفة تكون إيجابية، فهي تأتي إمّا من أشخاص دفع لهم، وإمّا من زبائن أحرجوا أو حصلوا على حوافز من قبل المطاعم والفنادق لكتابة "مراجعة 5 نجوم".

وقالت نائبة رئيس عمليات المستخدمين في "يلب" نوري مالك، في حديث مع "ذا نيويورك تايمز"، إنّ بعض الفنادق تعطي الألواح الذكية للضيوف أثناء مغادرتهم وتطلب منهم ترك التعليقات على الفور، ما قد يضعهم تحت ضغط إعطاء مراجعة إيجابية غير مستحقة.

وأشارت مالك إلى أن أحد الفنادق في بوينا بارك في ولاية كاليفورنيا الأميركية عرض خصومات للضيوف الذين وافقوا على إعطائه تقييم 5 نجوم، لافتةً إلى أنّ الشركة عرفت بذلك من خلال أحد المستخدمين.

ويعطي هذا النوع من المعلومات قدرةً للمشرفين البشريين على مواجهة التقييمات المزيفة أكثر من خوارزميات الكمبيوتر. لذلك، تعتمد المواقع على المحققين المتخصصين الذين يعملون بشكل استباقي، بحثاً عن المخالفات.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

ولفتت فولي إلى أنّ المحققين في بعض الأحيان يقومون بعمليات مفاجئة، فيتواصلون مع مواقع الإنترنت التي تبيع المراجعات، متظاهرين بأنّهم أصحاب مؤسسات يسعون لرفع تقييماتهم.

وقال أحد كبار المحققين في "تريب أدفايزر" الذي انتقل للعمل في الشركة منذ 15 عاماً بعد أن كان ميكانيكياً: "عادةً ما أكون أجري محادثات مع 3 أو 4 نصابين محتملين".

يأتي المحقّقون الذين يستعين بهم الموقع من خلفيات متنوعة، فمنهم ضبّاط الشرطة والمحقّقون وخبراء الأمن السيبراني. وقالت فولي إنّ بعضهم تعرّض للتهديد من قبل المستخدمين الذين طردوا بسبب نشرهم مراجعات مزيّفة.

وقال محقق آخر في "تريب أدفايزر" إنّه تقدم للوظيفة بناءً على نصيحة صديق اعتقد أنّه سيكون مثالياً للعمل مشرفاً على المحتوى، بسبب هوسه بالبحث عن المطاعم ووجهات لقضاء العطلات. ولفت إلى أنّه يأخذ مهمة الكشف عن التعليقات المزيفة "بشكل شخصي".

واستذكر كيف أصيب بتسمم غذائي خلال رحلة عملٍ في لندن بسبب فطيرة دجاج اشتراها من أحد المطاعم، ما دمّر الجزء الثاني من رحلته في هولندا. قال: "من المحزن عندما تفكر في هذه اللحظات من حياتك وكيف دمرت بسبب وجبة سيئة أو فندق رديء".

أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية أنّها كانت تبحث في وضع قاعدة من شأنها "منع التسويق غير العادل أو المخادع باستخدام المراجعات والتقييمات"، ووصف مدير مكتب حماية المستهلك في اللجنة، سامويل ليفين، في بيان، الأمر بأنّه "آفة مستمرة".

وتحظر الممارسات غير العادلة أو الاحتيالية بموجب قانون لجنة التجارة الفيدرالية، وتسعى اللجنة إلى فرض غرامات على من يقوم بكتابة ونشر المراجعات المزيفة، وطالبت لهذه الغاية بشهادات من شركات مثل "غوغل" و"يلب" و"تريب أدفايزر".

"ابتزاز"

قال بتلر إنّ تجربته في كتابة منشورات كاذبة جعلته "مهووساً" بالمراجعات على "تريب أدفايزر" والسطوة التي يملكها على الجمهور، وعلى أصحاب المطاعم في الوقت نفسه.

عام 2017، انتقل بتلر في الخداع إلى مستوى جديد، عندما افتتح مطعماً في الفناء الخلفي المهمل للبناء الذي يسكن فيه، وبدأ بكتابة مراجعة مزيّفة عنه.

ووصف بتلر تجربة تناول الطعام في "ذا شد أت دولويتش" بأنّها "فريدة من نوعها"، وأشار إلى أنّ الحجز المسبق ضروريٌ للاستمتاع بالأكل فيه، كما قدّم معلوماتٍ عن الوجبات التي يقدّمها. بمساعدة أصدقائه، الذين شاركوا في كتابة تقييمات الخمس نجوم، صار المطعم الأعلى تصنيفاً في لندن على موقع تريب أدفايزر.

افتتح بتلر مطعمه لليلة واحدة من دون أن يأخذ أيّ مالٍ من الزبائن الذين قدّم لهم علب لازانيا ومعكرونة معدّة مسبقاً، قبل أن يكشف عن خدعته في مقالٍ نشر آنذاك في موقع فايس.

جذب بتلر اهتمام وسائل الإعلام، وكذلك أصحاب المطاعم الذين رؤوا في تجربته نموذجاً يوضح المشاكل التي تواجههم في محاولة إرضاء الزبائن للحصول على تقييمات مرتفعة.

ولفت إلى أنّ "العاملين في مجال الضيافة يشعرون بالمظلومية تجاه منصّات التقييم"، وهو ما أكده كريس ويكن الذي ورث مطعم بيكنغ هاوس الذي افتتحه والداه عام 1974.

قال ويكن إنّه اضطر طوال سنوات للتعامل مع المراجعات السلبية التي تأتي في العادة من "نوعين من الأشخاص: الزبائن الذين ينتظرون مغادرة المطعم ليشكوه عبر الإنترنت، وأولئك الذين لم يزوروا المطعم من الأساس".

وأشار إلى أنّه عند الرد على منشوراتهم، يكتشف أنّ معظمهم يبحث إمّا عن المال أو القسائم للأكل المجاني، معتبراً أنّ ذلك "ابتزاز"، اضطر أن يخضع له. خلال 5 سنوات، أنفق ويكن آلاف الدولارات على القسائم الشرائية لإزالة التقييمات السلبية. رأى أنّه لا يوجد حلّ آخر، فالبديل "هو استمرار نشر المراجعات السيئة من حساباتٍ مزيفة مختلفة".

وعلى الرغم من حصوله على تقييمات تفوق أربعة نجوم على "يلب" و"تريب أدفايزر"، فإن ويكن قال إنّه مستعدٌ للتخلي عنها لقاء إغلاق منصات التقييم عبر الإنترنت.

وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها المنصات، وكذلك الضغط الفيدرالي للقضاء على التعليقات المزيفة، فإنّ الحافز المالي ما زال مغرياً للعاملين في هذا المجال، حتّى وإن كانوا مدركين أنّ ما يفعلونه خاطئ، أو كما قال بتلر: "عندما تكون يائساً، لا تفكر في تبعات الأمور".

المساهمون