القرية السيبرانية الروسية... كبعد الأرض عن المريخ

القرية السيبرانية الروسية... كبعد الأرض عن المريخ

30 نوفمبر 2020
روبوتات تقوم بدور المزارعين (يوتيوب)
+ الخط -

بعد نحو خمسة أيام على تحميله على يوتيوب، حقق مقطع فيديو "القرية السيبرانية الروسية" نحو 3.5 ملايين مشاهدة. ومع أن مدة الفيديو الساخر لا تتجاوز أربع دقائق ونصف الدقيقة، فقد استطاع الغوص في تناقضات الحياة الروسية الحالية الجامعة بين التخلف التقني، وموت القرى والأرياف في أنحاء روسيا شاسعة المساحة، وحياة المعاناة مع الطرق وانعدام الخدمات من جهة، ومتابعة أنباء التطور التقني في روسيا والعالم، ومخططات قيادة البلاد لإرسال بعثات لاستكشاف الكواكب في المجموعة الشمسية، وإرسال بعثات للاستيطان خارج الكوكب الأزرق، رغم أولوية تأمين خطوط مواصلات واتصالات عصرية بين موسكو والأرياف.

نُشر مقطع الفيديو على موقع يوتيوب يوم 19 من الشهر الجاري، وهو عبارة عن فيلم خيال علمي قصير عن الحياة في قرية روسية افتراضية في المستقبل. يستعرض المقطع على لسان مزارع روسي، يتحدث بلغة إنكليزية ضعيفة، ظروف الحياة في "القرية السيبرانية الروسية"، التي تحمل اسم "مقاطعة ريازان"، في إشارة إلى منطقة ريازان التي تبعد عن موسكو 200 كيلومتر. 

يظهر الرجل محاطاً بروبوتات تحلب الأبقار، وتعمل على رعاية الحيوانات والطيور، إضافة إلى الزراعة، بينما يتحدث عن حياته وعن منتجات المزرعة، قائلا إنه "ليس حقيقياً أننا دولة متخلفة تقنيا، فلدينا روبوتات حديثة"، معرباً عن شكره للحكومة التي تمنح المزارعين "روبوتات آندرويد لدعم أعمالنا"، في إشارة ساخرة على ما يبدو لتجاهل الحكومة الروسية للمزارعين الروس، الذين لا يحظون بدعم وتتراجع أعمالهم في ظل عدم قدرتهم على التنافس مع المنتجين الأجانب.  

يظهر المزارع، واسمه نيكولاي، وهو يقود سيارة قائلاً: "يقولون إن الطرق لدينا سيئة، هذا كلام فارغ. نحن لا نحتاجها"، ليظهر أن السيارة التي يقودها من طراز سوفييتي قديم، تحلق على علو منخفض عن الأرض على محركات نفاثة. مع إشارة مرورية تحذر من "مطبات هوائية"، في إسقاط على أزمة الطرق المستعصية في روسيا. بعد هذا، يظهر نيكولاي حاملا طردا بريديا، مبديا سعادته بوصوله بفضل استخدام بريد روسيا عربات طائرة، ولكن البطل يكشف لنا أنه استلم الطرد بعد انتظار طال لنحو سنتين. 

لم يكتف منتجو الفيلم القصير بإظهار التقنيات الروبوتية والسيارات الطائرة والجرار الذري، في ظروف القرية الروسية الواقعية، بل قاموا ببث أغنيات تراثية روسية حوروها للحديث عن الدرونات ووحدة الروبوتات، وحزن "طيور الكوادركوبتر" التي لا أعشاش لها، مع عرض حياة القرية والأبقار والأغنام التي ترعاها روبوتات طائرة تحمل عصيا. 
كما يستعرض نيكولاي "ظروف المعيشة الأفضل" لعمال المستقبل الراغبين بالانضمام إلى القرية السيبرانية، مستعرضا بيتا قديما صدئا كمكان مثالي للإقامة، ويعرض دورة المياه المتعارف عليها في القرى الروسية، وهي عبارة عن حفرة في الأرض، مع استبدال الحفرة بثقب أسود للتخلص من الفضلات.

كما يستعرض مزارع المستقبل ثمار الخيار الشبيهة بمحطة الفضاء الدولية، التي تنمو في مزرعته. وقبل اختتام الفيديو بأغنية تراثية أخرى، تتحدث عن مشاكل الطائرات المسيرة، ومعاناتها عند انتهاء شحنها وانقطاع اتصالها بنظام الملاحة العالمي "جي بي إس"، يستعرض نيكولاي كيف أن التقنيات الحديثة جعلت من غير الضروري ترميم الصروح التاريخية مثل كنيسة القرية، مفعلا نظام واجهة هولوغرامية تغطي واجهة المبنى المتداعية، إلا أن مهمته لم تتكلل بالنجاح نظرا لإرسال الإنترنت الضعيف الذي لا يسمح بتحميل الواجهة الافتراضية البديلة بشكل كامل.

ويختتم الفيلم القصير بارتفاع الكاميرا في الجو، ليتضح أن القرية السيبرانية الروسية عبارة عن مستعمرة روسية موجودة على كوكب المريخ، وليس على الأرض، فيما يبدو أنها إشارة مبطنة إلى بعد المناطق الروسية مثل مقاطعة ريازان والقرى فيها عن العاصمة موسكو من ناحية التطور والخدمات، كبعد المريخ عن الأرض.

وتم إنتاج مقطع الفيديو بفضل جهود شخصية لعدد من المبدعين الشباب، ولم يضم ممثلين سوى المزارع نيكولاي، أما بقية الروبوتات في المزرعة فقد كانت عمالا حقيقيين تم تصويرهم أثناء أداء عملهم، وبعد ذلك تحويلهم عبر تقنيات المونتاج إلى روبوتات. وصور الفيديو في مزرعة حقيقية في مقاطعة ريازان في شهر أغسطس/ آب الماضي، وعملت عدة فرق من الشباب لإضافة مؤثرات الفيديو والصوت. 

مقطع الفيديو أثار انتباه رئيس هيئة الفضاء الروسية "روس كوسموس"، دميتري روغوزين، الذي ظهرت صورته في الفيلم القصير على ملصق، كتبت تحته عبارة "لنجعل الكوكب الأحمر أخضر". روغوزين أشار إلى "صحة الشعار" تأكيد البطل أننا "نتوسع"، موضحا أن "أطروحة التوسع الروسي في الفضاء وخلق بيئة مواتية لدعم البعثات البشرية إلى كواكب أخرى".
وفي تعليقات لاحقة، رأى روغوزين أن الفيديو يكشف عن "الشخصية الروسية، التي تجمع بشكل متناقض بين الرغبة في التكنولوجيا الحديثة والحفاظ على أسلوب حياة القرون الوسطى في الريف". 

اللافت أن الفيديو بدأ بصورة لبقرة تحلبها روبوتات وعليها رمز استجابة سريعة "كود QR"، اكتشف المشاهدون أنه عند تفعيله عبر الهاتف المحمول، ينقل المستخدم إلى صفحة روغوزين على موقع "تويتر"، وهي الصورة التي انتقاها روزغوزين لعرضها على رأس صفحته على " تويتر"، رغم أن بعض المعلقين أشاروا إلى أن اللقطة تهدف إلى فضح هيئة الفضاء الروسية " روس كوسموس" التي تحولت إلى "بقرة حلوب" لجني أموال بأرقام "فلكية" على مشروعات لن تؤثر في حياة المواطنين البسطاء. 

من جانبه، امتدح المعارض الروسي أليكسي نافالني الفيديو الاحترافي، لكنه أعرب عن اعتقاده أنه يتضمن ترويجا لهيئة الفضاء الروسية "روس كوسموس"، لكن مغردين ردوا على نافالني، وأشاروا إلى أنه يجب النظر بعمق أكثر لاكتشاف الانتقادات الخفية في مقطع الفيديو لروغوزين ومؤسسته "روس كوسموس"، والانتقادات الواضحة للحكومات المتعاقبة على ما آلت إليه أوضاع الأرياف في روسيا.

المساهمون