"الفتاة المتمردة"... أغنية غجرية

"الفتاة المتمردة"... أغنية غجرية

10 أكتوبر 2023
العمل من بطولة صوفيا ياسترزيبسكا (نتفليكس)
+ الخط -

يبدو مثيراً للاهتمام التعرف إلى عادات وتقاليد شعوب الغجر. هذه الفئة من الناس التي اختارت العيش في تجمعات صغيرة بضواحي المدن والقرى، ولها ثقافتها ومفاهيمها الاجتماعية والفكرية التي لا نعلم عنها إلا القليل.
مسلسل الدراما والموسيقى البولندي Infamy (الفتاة المتمردة)، الذي يعرض على شبكة نتفليكس الأميركية، يتيح لنا مساحة مهمة للاطلاع على هذه الفئة، بطقوسها وعاداتها. يغوص العمل أكثر في تفاصيل وحياة مجتمعات الغجر، طارحاً مستويات عدة من المواضيع الاجتماعية، من دون الغرق في قوالب نمطية قد تساهم في خلخلة النسيج الدرامي وإيقاعه السردي.
يتخذ البناء الدرامي شكله مع عودة غيتا بورانو (الممثلة صوفيا ياسترزيبسكا)، برفقة عائلتها إلى بولندا، بعد أن عاشت وتربت في ويلز. هذه العودة تمهّد لقضايا عالقة بين والد غيتا، ماركو (سيباستيان لاخ)، وعائلته التي هجرها قبل سبع سنوات، لتكون العودة بمثابة غفران لهم بعد هربهم من كنف العائلة. يمنحنا النص صورة مسبقة تجاه لم الشمل هذا مع بداية الحلقة الأولى. ويوجهنا نحو العقلية الأبوية، وإظهار حجم القوة والسيطرة اللتين تفرضهما على كل أفراد الأسرة الغجرية.
مع وصول العائلة إلى بولندا، يتغير المناخ الاجتماعي الذي اعتادت بطلة العمل عليه في ويلز، لتدخل غيتا في حرب متصاعدة مع أسرة والدها وعاداتهم من جهة، وتحقيق أحلامها في غناء الراب من جهة أخرى. وإن غدت غيتا تسير وفق طوع والديها في تفهّم وتقبّل بعض الممارسات الثقافية الرجعية والتقليدية، كمنع المكياج، والالتزام بالألبسة المحتشمة، إضافة إلى بعض القناعات التقليدية، مثل سطوة الرجال المطلقة على النساء، والزواج المدبر، وغيرها من ممارسات مهدتها الحبكة الدرامية من أجل فهمها بشكل مناسب، إنما يعود إلى نضج البطلة ذات السبعة عشر عاماً، والتي أخذت على عاتقها مساعدة والديها في الخروج من أزمتهم المالية التي فرضت عليهم العودة إلى كنف الأسرة، مقابل سد الديون التي تراكمت بسبب مقامرات ماركو.


إلى جانب تصوير موضوعات مظلمة عن حياة الغجر وممارساتهم وثقافتهم؛ يسعى العمل، في المقابل، إلى توضيح معالم القوة والإخلاص والتفاني للعائلة والروابط الأسرية بين شعوب الغجر، وهذا التوصيف الذكي كان من شأنه أن يولد حالة عاطفية متقلبة عاشتها البطلة أمام صراعاتها النفسية، بين هويتها كغجرية، وبين تربيتها كفتاة متمدنة في المملكة المتحدة.
يمكن أن نقول عن غيتا إنها شخصية ذكية، قادرة على شد انتباه المشاهد إليها وتوريطه في مراقبة الأحداث والتأثر بالصراعات والتحديات التي تواجهها، والتماهي مع تعابيرها النفسية والسلوكية المتفاوتة ما بين حزن وقلق وانكسار أو حزم وشراسة وشجاعة، من خلال المواضيع الموسيقية المنفذة على طريقة الهيب هوب. وإن كان لهذه الأغنيات تأثير كبير في توصيف الحالة النفسية للبطلة، وعكس دواخلها ومشاعرها، إلا أن كثرة استخدامها بين المشاهد واللقطات، خرق بعض الشيء ترددات الانسجام الثابتة مع الإيقاع العام للأحداث.
كما يسلط المسلسل الضوء على مسائل العرق واللون، والعنصرية المتفشية بين أوساط المجتمع البولندي. ونظرة الأخير لشعوب الغجر ووجودهم في بولندا، منذ قدومهم إليها خلال الحرب العالمية الثانية، واستيطانهم فيها منذ ذلك الوقت (نشير هنا بالتحديد إلى غجر "الروما" نسبة إلى رومانيا)، وأسهبت هذه الرؤية في توضيح معالم العداء والعنف المندلعة بين الطرفين بشكل لافت وبتصاعد متأنٍ، من دون أن يخضع لشطط، وحصر الصراع الدائر بين الأجيال الناشئة، التي ارتكز العمل في معالجة هذه القضية، عليها.
ومع عرض الصراع القائم بين الغجر والشعب البولندي، يمنح العمل فرصة جيدة لفهم التأثير الديني على المراهقين، وفتح منافذ فكرية تعلل بعض أسباب توجه الشباب الصغار نحو الممارسات الطائشة نتيجة لضغوط أسرية ودينية، كما في حالة إليزا، صديقة غيتا البولندية، وعلاقتها بوالدتها.

ويمكن أن نتلمس من خلال هذه العلاقة، ما يمكن تسميته بالكاثوليكية الحديثة وتأثيرها على الأطفال والمراهقين، وتوريث الأفكار الدينية الكاثوليكية ونبذ الإنكليكية. وهذا بدوره عنصر مهم يطرحه العمل في توضيح ثقافة المجتمع البولندي والاختلافات المذهبية التي يتخوف منها.

المساهمون