الصحافة الجزائرية... تراجع في الحريّات وارتباكٌ رسميّ

الصحافة الجزائرية... تراجع في الحريّات وارتباكٌ رسميّ

03 مايو 2022
أغلقت صحيفة ليبرتي نتيجة الأزمة التي تضرب الصحافة الجزائرية (رياض قرمدي/فرانس برس)
+ الخط -

يعيش الصحافيون في الجزائر أوضاعاً متقلّبةً نتيجة التراجع اللافت في هامش الحريّات الصحافيّة والهشاشة الاجتماعيّة، التي تسبّبت فيها الظروف المادية للمؤسّسات الإعلاميّة. دفع ذلك بعضها للإغلاق، فيما اضطرّت مؤسّساتٌ أخرى إلى وضع خططٍ لتقليص النفقات لضمان استمراريتها في ظل غياب الدعم الحكومي.

قبل أسبوعين أغلقت صحيفة ليبرتي أبوابها بعد ثلاثة عقود من الصدور وبات العاملون فيها عاطلين من العمل. لم تكن المشكلات الماديّة السبب الوحيد خلف إقفال الصحيفة من قبل مالكها رجل الأعمال يسعد ربراب، بل تُضاف إليها مشكلاتٌ سياسيّةٌ تتعلّق بالتضييق على حرية الصحيفة.

كانت الضغوط قد ازدادت على الصحافة في الجزائر من قبل السلطات بشكل لا يتناسب مع المكاسب التي حقّقها الصحافيون منذ التسعينيات. تسبّب ذلك في خيبة أملٍ يعبّر عنها الصحافيون الذين عايشوا مرحلة نشوء الصحافة المستقلّة في الجزائر بعد انتفاضة أكتوبر/تشرين الثاني 1988 وإقرار التعدّدية السياسية.

كما كان الجسم الصحافي في الجزائر يتوقّع انفراجاً كبيراً في مجال الحريّات الاعلامية بعد الحراك الشعبي في العام 2019، لكنّ خيبات الأمل تواصلت بسبب القيود المفروضة والتوجيه والضغط الذي تمارسه السلطات على المؤسّسات الإعلاميّة والعاملين فيها.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

خلال العام الماضي، اعتقل عدد من الصحافيين منهم حسان بوراس وعبد الكريم زغيليش ورابح كارش وكنزة خطو، فيما لا يزال عددٌ آخر منهم ملاحقاً في قضايا مختلفة مثل مصطفى بن جامع وبوعلام غمراسة ورشيد بوطلاعة وأبو بكر العربي وغيرهم.

إلى جانب المشكلات السياسيّة والتضييق على الحريات الاعلامية وفرض السياسات التحريريّة على وسائل الإعلام المحليّة، فإنّ المؤسسات الإعلاميّة والصحف الورقيّة تعيش أزمةً قاسيةً على صعيد تراجع المداخيل وتوجّه القراء نحو الصحافة الالكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي، إضافة إلى ارتفاع سعر الورق. أدّى ذلك إلى إغلاق صحيفة ليبرتي واضطرار صحيفة الخبر إلى رفع سعر نسختها إلى 40 ديناراً بزيادة تعادل 25% لضمان استمراريتها، فيما تواجه صحيفة الوطن أزمةً ماديّةً بسبب نقص الإشهار الذي تتحكّم في توجيهه السلطات.

قال الصحافي عزيز طواهري في تصريح لـ"العربي الجديد": "يفرض الواقع اليوم في الجزائر أولويات تتعلّق بضمان لقمة العيش على المناضلين والنقابات التي تنشط في قطاع الإعلام"، مشيراً إلى أنّ "التشريعات التي يجري التحضير لها مهمّة لكنّها ليست كافية، لأنّ المشكلة دائماً في التطبيق". يضيف: "للارتقاء بقطاع الإعلام يجب التفكير في استراتيجيّة شاملة تكون مراجعة القوانين جزءا منها فقط".

في السياق نفسه، طالب المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين في بيان له السلطات بأن تطلق حواراً مع الشركاء الاجتماعيين، ودعا وزارة الاتصال إلى فتح حوار صادق وبنّاء مع نقابات قطاع الإعلام حول الوضعيّة المهنيّة والاجتماعية للصحافيّين وحول قانوني الإعلام والسمعيّ البصري، إضافةً إلى مراجعة أجور الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام "الذين تضرّروا بشكلٍ كبير من الوضع الاقتصادي الصعب خلال فترة الإغلاق بسبب انتشار جائحة كورونا وتأثيرها على المؤسسات الإعلامية الخاصة، ولم يتلقوا أيّ مساعدات خلال هذه الفترة على غرار بعض القطاعات المهنية الأخرى".

أشار البيان أيضاً إلى الارتباك في إصدار القوانين الناظمة للقطاع، ففي غضون عامٍ واحدٍ طلب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ثلاث مرّات إجراء مزيدٍ من التعديلات على قانونَي الإعلام والسمعي البصري كان آخرها في 23 أبريل/ نيسان الماضي.

ويعتبر المصور الصحافي أمين شيخي أن هناك إجماعا في الوسط الصحافي على أن "وضع قطاع الصحافة مقلق"، مشيراً أنّه "على الرغم من الوعود بتحسين الظروف وإعادة تنظيم القطاع، فإنّ شيئاً لم يتغير، رغم الآمال العريضة التي خلقها الحراك الشعبي المبهر".

من جهتها، تتجاهل السلطات الجزائرية هذه الانتقادات، وتعتبر، بحسب وزير الاتصال محمد بوسليماني، أنّ "حريّة الصحافة تعزّزت بكثيرٍ من المكاسب كالتقنيّات الجديدة التي سهّلت عملية التواصل الآني والوصول إلى مصادر المعلومة، وإن كانت تستعمل كأداةٍ خطيرةٍ تستخدم للمساس بخصوصيّات الأفراد وبأمن وسيادة واستقرار الدول". أشار بوسليماني أيضاً إلى أنّ "الجزائر تعدّ بحسب تقارير دوليّة مختصة، من أكثر الدول تعرّضاً لحروب الجيل الرابع وللهجمات الإلكترونية، لكنّها تظل ملتزمة بحماية حريّة الصحافة وحقوق الصحافيين والمنتسبين للمهنة".

وختم بوسليماني حديثه باعتبار اللقاءات الحكوميّة الدوريّة مع الإعلاميين والصحافيين من المكاسب التي تؤكّد دعم السلطات للصحافة.

المساهمون