الشعر المستعار في الأوبرا... قصّة عمل بالغ الدقة

الشعر المستعار في الأوبرا... قصّة عمل بالغ الدقة

17 يوليو 2023
يمكن أن يصل عدد "الباروكات" التي يستلزمها كل عرض إلى 80 (إيريك كابانيس/ فرانس برس)
+ الخط -

خصلةً خصلة، تزرع أنامل الحرفيين الشعر المستعار، مجعّداً أو ذا طيّات، أو بأية أشكال أخرى، في الورشة التابعة لمسرح كابيتول في تولوز، جنوب غربي فرنسا، إحدى دور الأوبرا الوطنية القليلة التي تُعدّ بنفسها التسريحات لعروضها.

ويقول العامل في الورشة تييري لوغال (59 عاماً) إنّ "كل شيء يُحضَّر سلفاً قبل عام". ويشرح أنّ "مصمم الأزياء يختار الأسلوب والألوان وتسريحة الشعر، ويرسل النماذج إلى الورشة (...) ويستغرق صنع شعر مستعار أربعة إلى خمسة أيام وأحياناً عشرة".

ويوضح أن عدد "الباروكات" التي يستلزمها كل عرض أوبرالي يتوقف على عدد العازفين المنفردين والمغنين الذين يشكلون الجوقة، و"يمكن أن يصل إلى ثمانين"، تُفصَّل كلّ منها على قياس كل فنان.

وفي الورشة، وُضعت على رؤوس من البوليسترين مصفوفة على الرف، "باروكات" الشعر المجعّد لأوبرا "صيادو اللؤلؤ" لجورج بيزيه، وأخرى ذات ضفائر طويلة لأوبرا "بوريس غودونوف" لموسورغسكي، في انتظار هذين العملين المدرجين ضمن برنامج الموسم المقبل الذي يبدأ في الخريف.

وحول طاولة كبيرة، تحلّقت مجموعة تضم نحو عشر صانعات للشعر المستعار، انهمكن على ضوء مصابيح مكبرة بإعداد الغطاء المستعار لرؤوس خشبية أخرى مغطاة بقبعات من قماش التول الرقيق.

الصورة
يعملن على ضوء مصابيح مكبرة (فالنتين شابوي/ فرانس برس)

ومن هؤلاء النسوة تانيا كوتشوفيتش (36 عاماً)، التي تقول عن التقنية المتبعة "أمرّر خطافاً عبر التول، وأمسك بالشعر، وأربطه بالخطاف، ثم أشده، وعلى هذا النحو تحصل عملية زرع الشعر المستعار بأكملها".

وتكون خصلات الشعر، وهي طبيعية، لأنها توفّر نتيجة أفضل من الألياف الاصطناعية، مجهّزة سلفاً في أمشاط معدنية، ممّا يتيح للعاملات استخلاصها من دون أن تتشابك.

وتشرح فانيسا مارشيوني (52 عاماً)، التي تتولى إدارة ورشة العمل هذه المكونة من تسعة موظفين دائمين، غالبيتهم من النساء، وبعض المتدربين والعاملين الظرفيين، أنّ "زرع الشعر يجب أن يكون من الجذر، لا من الطرف، وإلا فسيكون من المستحيل تصفيف الشعر المستعار وسيتسبب في تلفه".

وتتولى فانيسا تنسيق طلبات استيراد الشعر خصوصاً من آسيا وأوروبا الشرقية. ويصل الشعر المستورد، الذي تتراوح ألوانه بين البني الغامق والأشقر الفاتح، مغسولاً ومقصوصاً وحتى مصبوغاً بمختلف الألوان، كالأزرق والأرجواني والأحمر وسواها.

وتضيف فانيسا مارشيوني، التي ورثت المهنة عن جدها الإيطالي الذي هاجر من نابولي إلى مرسيليا، ثم عن والديها اللذين أدارا ورشة العمل قبلها: "اعتماداً على الطول، يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد بين 2300 و3000 يورو (...) والشعر المستعار الواحد يستلزم نحو مئة غرام".

الصورة
لديهم مخزون من نحو خمسة آلاف قطعة شعر مستعار (فالنتين شابوي/ فرانس برس)

وتُعدّ دار الأوبرا في تولوز، مع نظيرتيها في باريس وستراسبورغ، الوحيدة التي لا تزال تصنع الشعر المستعار بنفسها، في حين تستعين المسارح الأخرى بحرفيين خارجيين.

ويشير تييري لوغال إلى أن الورشة تحتفظ بالشعر المستعار بعد انتهاء العروض، إذ إن "الشعر مقاوم للعفن، ولا يتغير بمرور الوقت".

ويضيف "لدينا مخزون من نحو خمسة آلاف قطعة شعر مستعار يمكن إعادة استخدامها في العروض الجديدة، أو تكييفها لعروض أوبرا أو باليه أخرى".

ويُستحسَن استخدام شعر "الياك" للشعر المستعار الكبير الخاص بالقرن الثامن عشر، نظراً لكونه أكثر سماكةً من غيره وبالتالي يوفّر حجماً أكبر.

الصورة
يقام في 24 من سبتمبر المقبل معرض "معمل الأوبرا" (فالنتين شابوي/ فرانس برس)

وفي ورشة العمل نفسها التي تقع في الطابق الرابع من مبنى أوبرا "كابيتول"، تُصمم أيضاً اللحى والشوارب والأقنعة والمجوهرات التي تزيّن الشعر، وكذلك مكياج المغنين والراقصين.

ومع أن فناني الورشة يبقون بعيداً عن الأضواء، فهم حاضرون في كل عرض، إذ يتدخلون في الكواليس لتصحيح خصلة من هنا، أو ضبط شريط من هناك، أو إضافة القليل من أحمر الشفاه للمشاركين في العرض.

ويقام في الرابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول المقبل في تولوز معرض بعنوان "معمل الأوبرا"، يضمّ نماذج من أعمال الورشة، بالإضافة إلى أزياء وديكورات مصممة في ورش عمل أخرى تابعة لدار "كابيتول"، ومنها مثلاً الدرج الضخم في أوبرا "الفالكيري" لفاغنر.

ومن بين القطع المائة والخمسين المعروضة أيضاً التيجان المتلألئة لباليه "كسّارة البندق" و"جيزيل"، والشعر المستعار من أوبرا "حفلة تنكرية" لفيردي من تصميم كريستيان لاكروا.

وقالت أمينة المعرض ماري بونابيل: "هذا الكمال ثمرة ساعات وساعات من العمل من أجل مشاهد لا تدوم على المسرح سوى بضع دقائق. إنها خير تعبير عن ماهية الأوبرا لجهة كونها شيئاً سريع الزوال، لكنّ كل سحر العرض يكمن فيها!".

(فرانس برس)

المساهمون