السينما المغربية في 2021: تخبّط مؤسّسات وأفلام مهمّة

السينما المغربية في 2021: تخبّط مؤسّسات وأفلام مهمّة

11 فبراير 2022
صابرينا وزاني: تحديات رياضةٍ واجتماع في "ميكا" (جان ـ بيار كْلاتو/فرانس برس)
+ الخط -

 

يصعب إنجاز الحصيلة أو المقارنة، في ظلّ ظروف استثنائية. الاستثناء يفرض أحكامه الخاصة، التي تخرج بالممارسة من إطار المألوف إلى إجراءاتٍ، الغرض منها التأقلم، أكثر من تحسين النتائج، أو تجويد الأداء.

بانتظار تقرير "المركز السينمائي المغربي"، المُعزّز بالأرقام والتفاصيل المتعلّقة بالنشاط السينمائي عام 2021، يُمكن إجمال حصيلة السينما المغربية، أدبياً، في 3 نقاطٍ أساسية: عودة الحياة إلى نشاط الاستغلال، من دون بلوغ المستوى السابق لفترة ما قبل الوباء؛ تخبّط مؤسّساتي، أرخى بظلاله على دينامية المهرجانات؛ تقاطع الأفلام المغربية الجديدة في خطابها، الساعي إلى التحرّر من القيود.

 

قطاع الاستغلال

أشّرت السلطات على فتح صالات السينما في المغرب، في يونيو/تموز المنصرم، بشكل مفاجئ، لم يُتح لأربابها الأجل المتعارف عليه للإعداد المسبق لمهمة معقّدة، لوجستياً وتقنياً، فضلاً عن إعداد برنامج الأفلام والتسويق، لجذب المُشاهدين. سجّل نشاط الاستغلال إقبالاً لا بأس به، رغم إجراءات تُقلِّص عدد المتفرجين بنسبة 50 بالمائة من المقاعد المتوافرة. أفلام كثيرة من موسم 2019 ـ 2020 وجدت طريقها إلى المتفرّجين، وعاد المشهد المُبهج، الذي افتقده الجميع طوال 17 شهراً (منذ مارس/آذار 2020) من الحجر والإغلاق، إذْ تجمّع السينفيليون في مداخل الصالات والمجمّعات، وأمام الملصقات المعروضة، لاختيار فيلمٍ، واصطفّوا قبالة الشبابيك لاقتناء التذاكر. لكنّ استمرار الحجر الليلي (بدءاً من الساعة 9، ثمّ 11 ليلاً) لأشهر، قوّض مساعي المستغلين إلى العودة سريعاً إلى المستوى الأخضر من أرباحهم، خصوصاً أنّ إحصاءات ما قبل الوباء أشارت إلى أنّ 60 بالمائة من المداخيل كانت تُسجّل خلال العروض الليلية.

المؤكّد أنّ قطاع الاستغلال ـ الذي يُشغِّل 5 آلاف موظّف بشكل مباشر، ويكفل 30 ألفاً مغربياً بحساب عائلات الموظّفين ـ عرف هزّة عميقة هدّدت توازناته، وزادت هشاشته، خصوصاً أنّ الظرف الحالي ـ مع تفشّي المتحوّر الجديد في أوروبا، واحتمال عودة الحجر ـ تزيد الوضع ضبابية وتوجّساً من شبح إغلاق جديد، ستكون نتائجه كارثية على القطاع.

 

تخبّط مؤسّساتي

لا شكّ في أنّ نقص التكيّف، الذي طبع تعاطي المسؤولين مع تطوّر الحالة الوبائية، لم يُفوّت فقط على قطاع الاستغلال فرصة فتح الأبواب في صيف 2020، التي استفادت منها صالات السينما في جُلّ بلدان العالم، بل حُكم على أغلب المهرجانات السينمائية في المغرب بالاحتجاب دورتين كاملتين. وضع يُستعصى على الفهم، لأنّ المهرجانات السينمائية أقيمت بشكل شبه عادي في دول مجاورة.

كيف يُفسَّر مثلاً احتجاب مهرجانات، كـ"المهرجان الدولي للفيلم بمراكش" و"مهرجان تطوان لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط" (أقيمت دورة افتراضية له عام 2020) و"مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية"، عامين متتالين، فيما أقيمت دورات مهرجانات منافسة لها في المنطقة العربية والإفريقية، كقرطاج والقاهرة والجونة؟ كيف لهذه المهرجانات أنْ تتعافى من تداعيات الغياب، المُكلفة على صورتها ومكانتها وتوازناتها المالية؟ من دون تناسي انعكاسات هذه السياسة الثقافية الاعتباطية على دينامية المهرجانات، التي تحقّق نسبة كبيرة من الرواج الاقتصادي والثقافي لمدن صغيرة، في مناطق نائية، لا تتوافر على بنى تحتية ثقافية، وتمثّل فيها المهرجانات الصغيرة والمتوسطة المُتنفَّس السينمائي الوحيد للساكنين فيها، وفرصة نادرة للمخرجين الشباب لعرض أفلامهم وترويجها.

 

 

بالكاد بدأت تدبّ حركةٌ في أوصال المشهد السينمائي، مع انعقاد دورات مهرجانات كالـ"فيكام" في مكناس و"الجامعة الوطنية للأندية السينمائية" و"المهرجان الدولي لفنّ الفيديو في الدار البيضاء" و"عيد السينما" في مراكش، وغيرها، حتى تفاجأ الجميع في 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري بقرار جديد، اتّخذته السلطات، يقضي بحظر التظاهرات الثقافية والفنية كافة، مستندة إلى "المقتضيات القانونية المتعلّقة بتدبير حالة الطوارئ الصحية، وتعزيزاً للإجراءات الوقائية اللازمة، للحدّ من انتشار كورونا". قرار يطرح أكثر من علامة استفهام، نظراً إلى الحالة الوبائية المتحكّم بها، مقارنة بدول مجاورة، ويدعو إلى التساؤل عن مدى وعي المسؤولين بتداعيات مثل هذه القرارات العشوائية، التي تعوزها المرونة والتكيّف، على قطاع الفن والثقافة.

 

أفلام تنشد التحرّر من القيود

لحسن الحظّ، هناك دائماً أفلام، كـ"عَلّي صوتك" لنبيل عيّوش، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان "كانّ" السينمائي، في دورته الـ74 (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021). هذا حدث سينمائي يُعتَبر الأبرز في المغرب، عام 2021. رغم أنّ عيوباً تشوبه، على مستوى المعالجة الدرامية، مع شيءٍ من السطحية في التناول الحكائي لواقع الشخصيات، كان يُمكن تفاديها لو ذهب المخرج بعيداً في تبنّي خيار الكوميديا الموسيقية، أو المجازفة بمعالجة تنأى نهائياً عن السردية.

رغم هذا، يُعانق المتفرّج الطرحَ، وروحَ التحدّي المنبعثة من لحظات تحليقه بالموسيقى الشبابية ("راب" و"هيب هوب") في رحاب الفن، ضد إيديولوجيا التزمّت، وعوائق السلطة، وتقليدية المجتمع. خطاب مُغرق في الإيجابية، شفع للفيلم جذبه جمهوراً متحمّساً عند عرضه في الصالات، والظفر ببطاقة الترشيح لتمثيل المغرب في الانتقاء الأوّلي لجائزة "أوسكار" أفضل فيلم دولي، في النسخة الـ94 (27 مارس/آذار 2022).

طرح الانعتاق والتحرّر حضر أيضاً في "زنقة كونتاكت"، هذه المرّة من زاوية الاشتغال على المرجعية السينفيلية، وسينما النوع، وموسيقى الـ"روك"، كداعمٍ فنّي حقيقي، يحكم جُلّ اختيارات الإخراج. الفيلم الطويل الأوّل لإسماعيل العراقي شارك في قسم "آفاق" في الدورة الـ77 (2 ـ 12 سبتمبر/أيلول 2020) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، وكان تتويج خنساء باطما بجائزة أفضل ممثلة عن دورها فيه مفاجأة سارة في الأوساط الفنية المغربية. ولعلّ إطلاق عروضه التجارية في صالات مغربية، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021، فرصة لإعادة الوصل بين الجمهور المغربي وسينما متطلّبة، تراهن على الفرجة في الصالة، أوّلاً وأخيراً (الفيلم مُصوَّر على شريط 35 مم، بميزانية محدودة)، وتبعث طاقةً معديةً، قوامها مزيج ساحر من الصدق والسخاء.

بدوره، يتطرّق "ميكا" لإسماعيل الفروخي، المعروض تجارياً منذ 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لثيمة التحرر، لكنْ من منظور سيناريو فيلم التعلّم: قصّة طفل ينحدر من عائلة فقيرة، يبحث عن معاكسة قدره المتعثّر بفضل ممارسة كرة المضرب. يعاني الفيلم، في قسمه الثالث، من الحشو والطول، ويتّسم بعض خيوطه الدرامية بالغلظة والاعتيادية، لكنّه يقول أشياء أساسية عن تعمّق الفوارق المعيشية بين الطبقات الاجتماعية، من خلال نصّ خبيء، ذكيّ واستعاري، عن رياضة التنس، والتحدّيات التي تنطوي عليها، ويبقى إصرار الشخصية الرئيسية على الذهاب إلى أقصى طموحها ـ في مواجهة شرط الاحتقار والهيمنة، رافضةً الهروب أو الاستسلام ـ امتيازاً كبيراً يُحسَب له.

المساهمون