الرئيس المؤمن

الرئيس المؤمن

27 مايو 2021
تظاهرات في إدلب ضد انتخابات الأسد (عزالدين إدلبي/الأناضول)
+ الخط -

تُحوِّل التلفزيونات الرسمية العربية، كل المناسبات إلى احتفاليات سخيفة ممجوجة، تمجّد الحاكم الأوحد والزعيم الملهم والحزب القائد، فتتحول الأعياد الوطنية والقومية والدينية من احتفال للناس، إلى مجرّد دعاية رخيصة تغفل المناسبة الحقيقية وتخرجها من سياقها المبهج، لتصبح كابوساً دعائياً إضافياً.

في عيد الجلاء، أو ذكرى الاستقلال، أو العيد الوطني، يغدو الرئيس صانع الاستقلال وحامي الجلاء والمدافع عن حدود الوطن الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية. والواقف ضد محاولات الدول الاستعمارية القديمة والجديدة، وضد العودة إلى احتلال البلاد ولو بطرق غير مباشرة.

في عيد الثورة، يكون القائد مخطط الثورة ومنفذها وراعي مسيرتها ومنظر حزبها، وتغيب أسماء مؤسسي الحزب وقادة الثورة، وحتى أسماء شهدائها. وطبيعي أن يكون السيد الرئيس هو المعلم الأول في عيد المعلمين، والعامل الأول يوم الأول من أيار.. وهكذا!

لا خجل عند الأنظمة من شطب أسماء رجالات الاستقلال، أو تحجيم أدوارهم، ويصبح من الجرائم الوطنية إيراد مئات الأسماء من رفاق الوثوب على السلطة من ذات الحزب أو الأحزاب الحليفة، والذين يوصمون بالانحراف اليميني أو اليساري، ناهيك عن الأسماء الوطنية من الطبقات القديمة الحاكمة التي توصف بالرجعية والعميلة للاستعمار.

يعتاد سواد الناس من دون اقتناع على ذلك، ولا سيما أولئك الذين وُلدوا في عهد القائد، ولم يعرفوا غيره حاكماً أبدياً.

ولكن الأدهى في الأمر، هو سطو الأنظمة على المناسبات والأعياد الدينية؛ فيغدو يوم الإسراء والمعراج تذكرة بصمود ومقارعة قائد الوطن للصهيونية العالمية دفاعاً عن الأقصى، ويتحول المولد النبوي من احتفال بمولد النبي محمد، إلى تمجيد بالرئيس الخالد المؤسس لدولة التقدم والاشتراكية. 

ومن السهل التركيز على دور القائد في حفظ الوحدة الوطنية، والحفاظ على النسيج الوطني في عيد ميلاد السيد المسيح.

موقف
التحديثات الحية

كنا قبل انتشار أجهزة التلفزيون، نستيقظ باكراً مسرعين إلى أقرب مسجد كي نشارك في تكبيرات العيد مع المؤذن، فتملأ أصواتنا مع مؤذني المساجد الأخرى وأطفال الحارات الأخرى الفضاء العام. وبعد انتشار أجهزة التلفزيون، في حيّنا الشعبي في قلب المدينة القديمة حلب، الذي دمر بالكامل بصواريخ ودبابات النظام عام 2016، كنا نشاهد صلاة العيد في دمشق، ولا سيما في المسجد الأموي الكبير، وكنا نستمع إلى أعذب الأصوات والألحان، إذ تصدح بالتكبيرات والأناشيد والمدائح النبوية، التي يشارك بها نخبة من المنشدين المتميزين.

في فترة لاحقة، ولا سيما بعد أحداث الثمانينيات في سورية، بقيت هذه الاحتفالية تنقل عبر الهواء مباشرة، بحضور حافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشار، ولكنها تبدأ بمدائح تسبغ صفات القداسة والتبجيل على الرئيس ومواقفه الداخلية والخارجية، وتنتهي بالدعاء لسيادته بالعمر والصحة والإشادة بعهده الميمون، حتى يكاد يلتبس عليك إن كان الاحتفال بالعيد أم بالسيد الرئيس.

من المضحكات المبكيات في هذه المسرحيات، ما يصدر عن بعض غير المصلين، أو من هم من أديان ومذاهب أخرى؛ فترى وزراء وأعضاء مجالس قيادية ونوابا من مذاهب لا تصلي صلاة العيد، أو تصلي على هيئة أخرى، أو من المسيحيين، يضعون اليد اليسرى فوق اليمنى، أو يسجدون بدل الركوع، في حين يختار المخرج لقطات محددة حتى يبتعد عن كادر المرافقين ورجال الأمن الذين يبقون واقفين عند السجود.

الشيخ حسام الدين الفرفور، في خطبة عيد الفطر، التي نقلتها فضائية النظام، أتعب من بعده بتأليف أكاذيب المدح والتشبيح لـ بشار الأسد؛ فوصفه بمعلم البشرية على التخلق بأخلاق الله، وأناط به دور المجدد لعظمة الحضارة الإسلامية، ودور المسجد الأموي إلى ما كان عليه من موقع القرار في العالم أيام الدولة الأموية.

وبذا، يسير بشار الأسد على خطى والده حافظ، الذي أسبغ على نفسه، كما فعل أنور السادات، وصف الرئيس المؤمن.

المساهمون