الحيوانات في السينما العربية: مهور وخيول

الحيوانات في السينما العربية: مهور وخيول

07 اغسطس 2021
من فيلم "أناكوندا" (فيسبوك)
+ الخط -

من المنظور السينمائي، تحتل الحيوانات مكانة هامة لدى كتاب السيناريو والمخرجين في الغرب. حيز رحب، يفتح لتجارب عدة، منها ما هو منطقي، وأخرى فانتازية، في رحى التمايز الأخلاقي وتعريفاته، والبحث عن الجوهر الأزلي في علاقة الإنسان مع الحيوان، ضمن قوالب سردية لا تخلو من متعةٍ وتشويقٍ وعاطفةٍ.
ارتبطت التجارب الأولى، في سينما الحيوانات، بالكلاب والقطط الأليفة. بحكم ارتباطها الواقعي بحياة الإنسان، وسهولة تدجينها والتعامل معها وتكوين علاقة وطيدة، تصلح لبناء قصص سينمائية ناجحة، مثل فيلمَي "هاتشيكو" و"مارلي وأنا".

في المقابل، تغزو أفلام الخيال تركيبة هذه الأعمال، ولا سيما مع التطور الكبير في التصوير والإخراج. فلم تعد أقلام الكتاب وعدسات المخرجين تشترط وداعة وألفة في نسج الحكايات. فعامل التجريب أخذ أبعادًا أخرى لتلوين النص والصورة، وفتح مساحات أكبر للمتفرج وخياله، وأفقاً أوسع في رسم أشكال العلاقة التناظرية بين مختلف أنواع الحيوانات بعوالمها وبيئتها وطرق عيشها، وبين الإنسان بسطوته وخيلائه وتعجرفه. فإذا سبحنا في عالم البحار والمحيطات، نجد متواليات عدة لأفلام JAWS الشهيرة. وإذا توغلنا في عالم الغابات والبراري، سنتخيل بسهولة فيلمَي "كينغ غونغ" و"مملكة القردة". وإذا تأملنا قصص السحر والشعوذة والتقمص المستوحاة من ميثولوجيات عديدة؛ فإننا سنغرق بوابل من الأعمال المختصة بهذا الشأن، وعلى رأسها أفلام المستذئبين كسلسلة "الرجل الذئب" وفيلم "المرأة القطة"، فضلًا عن أفلام الرعب المرتبطة بالأفاعي، مثل "أناكوندا"، وبالخفافيش مثل "دراكولا".

تهجين المعرفي بالسينمائي، والخيالي بالعاطفي، عامل يسمح بفرجة سينمائية مبهرة وجذابة تضاف إلى بقية الأجناس السينمائية وتكملها في حلقة واسعة متكاملة تبتعد عنها السينما العربية كل البعد. فطبيعة هذه الأعمال لا تتلاقى والمحتوى العربي لظروف عديدة. ولما الواقع العربي بمجمله جعل من سينماه تأخذ موقفًا محايدًا من الأفلام الخيالية (عدا عن بعض المحاولات الخجولة التي نشهدها في السنتين الأخيرتين)، وانصرف إلى متابعة يوميات المواطن وأزماته وتكريس مشهديات الحب والحرب والمجتمع، فإن ضم الحيوانات إلى شاشاته سيشكل تحديًا قاسيًا ومكلفًا مؤجلًا إلى أجلٍ غير مسمى. 
إذا بحثنا عن مشاركة لحيوانات أليفة في أرشيف السينما العربية (باستثناء برامج الأطفال والرسوم المتحركة)؛ فإننا لن نجد سوى الأحصنة والمهور، وما اشتراكها إلا أداة تشكيلية وتأثيثية لخدمة الفعل السينمائي. فهي عادة، حيوانات مألوفة يرتبط وجودها، غالبًا، بالأعمال التاريخية. والسائسون قادرون على ترويضها وتدريبها بشكل يتناسب مع الوظيفة السينمائية. لكن تجربة، في نصٍ أو قصةٍ، ستخلو من علاقة تربط بين بطلٍ وبين هذا الحيوان الجميل، كالعلاقة التي جمعت بين أنطونيو بانديرس وحصانه (تورنادو) في فيلم "زورو" الشهير.
ولن نرى محاكاة فاعلة، أو اقتباسًا لثقافة خاصة، تخدم شريطًا مخصصًا يجمع بين ممثل عربي وحيوان أليف في حبكة واحدة، مثلما تفعل بعض الأفلام الهندية باستخدامها للفيلة (باعتبارها تقليدًا وعرفًا أساسيًا لدى الشعب الهندي) على سبيل المثال. بعض الحيوانات كالدببة والذئاب والنمور، تعتبر وحشية بطبيعتها مقارنة بالكلاب، ويحتاج توظيفها في الإنتاج السينمائي، إلى مدربين مهرة يعملون على ترويضها وتدريبها. 

ومن ثم تجهيزها لدخول الكادر السينمائي برفقة مدربيها. فالمدرب شريك هو الآخر، وعليه أن يكون ملمًا بالصناعة البصرية وله خبرة تمكنه من فهم النصوص الدرامية والإشارات الإخراجية. هذه السمات لن تكون صعبة التحقق في الصناعة العربية، لكن هل تعوز العرب مؤهلات خاصة في التعامل مع مثل هذه الحيوانات لهدف النهوض بهذا الجنس السينمائي؟ أم أن اكتفاءً ثقافيًا وإنتاجيًا قد يعوق ذلك؟
لا بد أن حيثيات الصنعة تقوضها اعتبارات خاصة، تغوص في الصميم الإنتاجي. فمهارات ترويض الأحصنة وتدريبها، لن تكون أكبر شأنًا من مهارات ترويض الكلاب والعقبان والذئاب والضباع، وغيرها كثير من الحيوانات. وهي مهارات متوافرة بكثرة عند العرب. غير أن المتخيل السينمائي، لا ينظر لدور الحيوانات كجزء من الواقع العربي وهمومه. هذا أولًا. أما ثانيًا؛ فهو أمر مرتبط بالتطور التقني والبصري في عملية الإنتاج السينمائي. وهي مرحلة دخلت الكاميرا العربية إلى متونها متأخرة. فأفلام الخيال العلمي والرعب لا تزال حديثة الظهور على الشاشة العربية، وأمر مشاهدتها وقبولها لدى المتذوق العربي يحتاج إلى سنوات وخبرات مديدة قبل أن يصبح المتلقي مستعدًا لتقبل أفلام الحيوانات.

المساهمون