أيّ حريّة للصحافيّات العربيّات؟ (2\2)

أيّ حريّة للصحافيّات العربيّات؟ (2\2)

04 مايو 2021
إسكات الصحافيات يحصل داخل المهنة وخارجها (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -

في العالم العربي، تواجه صحافيات جحيماً يومياً. حياتهنّ معارك بين اضطهادهنّ نساءً، واضطهادهنّ صحافيات. في ظلّ أنظمةٍ ذكوريّة تقمع التعبير والصحافة وحريّتهما عموماً، كيف يكون واقع الصحافيات النساء خصوصاً؟ ما هو هامش الحريّة بالنسبة لهنّ؟ ماذا عمّا يواجهنه يومياً، من الفضاءين الخاصّ والعام إلى الفضاء الإعلامي؟ كيف ينعكس ذلك على عملهنّ، ومن أين يجدنَ الطاقة للاستمرار؟ عن تلك الأسئلة، تُجيب لـ"العربي الجديد" صحافيّات عربيّات ملهمات، تعرّضن لأكثر من شكلٍ من أشكال التمييز والقمع، وما زلن مستمرّات في نضالٍ يوميّ من أجل القيام بمهنتهنّ، أو حتى عيش حياتهنّ.

احتجاز وتعذيب
نزيهة سعيد هي صحافية بحرينية تعمل في الصحافة المكتوبة، المسموعة والمرئية، مدرّبة في مجال سلامة الصحافيين، وصحافة الجندر، وحائزة جائزة يوهان فيليب لحرية الصحافة والتعبير من ألمانيا، لها نشاط في مجال حرية الصحافة والتعبير وحقوق المرأة على المستوى المحلي، الإقليمي والعالمي. تروي سعيد لـ"العربي الجديد" تفاصيل ما حدث معها، قائلةً "عملتُ صحافية في البحرين لسنوات طويلة قبل بدء الحراك المطالب بالحريات والديمقراطية في عام 2011، وعندما بدأ الحراك كما كل الصحافيين المستقلين، هرعت لتغطية التظاهرات، الاعتصامات، العنف وكذلك التصريحات الرسمية والمؤتمرات الصحافية، نقلا لما يحدث على أرض الواقع في بلدي البحرين". وتضيف أنه "بعد حملة القمع التي تعرض لها الحراك، لم ينجُ الصحافيون من القمع أيضاً فقد تم اعتقال عدد منهم غطوا الحراك أو وقفوا معه، أو شاركوا فيه. بالنسبة لي تم استدعائي لمركز الشرطة واستجوابي حول التقارير التي أعددتها للإذاعة والتلفزيون، إذ كنت مراسلة لإذاعة وتلفزيون فرنسيين، واتُهمت بالانضمام لخلية إرهابية مدعومة من الجمهورية الايرانية وأنني عضو فاعل في الجناح الإعلامي فيها، كانت الاتهامات مضحكة وتافهة. ولكن ما حدث بعد ذلك لم يكن مضحكا أو تافها. فقد تعرضت للتعذيب على يد عدد من الشرطيات والضابطات لحوالي 13 ساعة، قبل أن تتدخل الجهات التي كنت أراسلها وتساهم في الإفراج عني، ولكنني خرجت ليس بجروح جسدية فقط، ولكن نفسية بقيت معي لفترة طويلة، وبعض منها لا يزال باقياً معي حتى الآن". توضح نزيهة أنّها "تعرضت للملاحقة الأمنية والقانونية لاحقاً بسبب التقارير التي كنت أعدها ولم تعجب السلطات التي أرادت لي استخدام المصطلحات التي تستخدمها الحكومة بالإضافة لتغطية الموضوعات التي تعجبهم فقط". وتضيف "منذ اليوم الأول بعد خروجي من مركز الشرطة، قلت لنفسي: الهدف من كل ما قاموا به هو كسري وإسكات صوتي، ولن أسمح لهم بذلك. تطلّب الموضوع بعض الوقت حتى أستجمع قواي وأعود للعمل، ولكنني عدت في غضون أشهر. عملي وكوني صوتاً للناس وللحق هو ما جعلني أعود واستمر".

تعرّضت نزيهة سعيد للملاحقة، للمضايقة، للتعذيب، ولحملات إلكترونيّة ضدّها، بسبب رفعها الصوت، وبسبب كونها صحافية. تقول "لكنّ التعذيب الذي تعرضت له كامرأة كان يختلف عن التعذيب الذي يتعرض له الرجال وإن كان هناك الكثير من التشابه. فهناك الجزء الذي يحاول كسر المرأة في ما يتعلق بجسدها والإهانات والتعديات. شخصياً لم يتم التحرش بي جنسيا، ولكن بقية السيدات اللواتي كن معتقلات معي في نفس المركز تعرضن لذلك على مسمع ومرأى مني". وتضيف "كما أن الحملات الإلكترونية للهجوم عليّ في وقت لاحق، كانت تتعرض لي بالسب والإهانات والتعرض للجسد وغيرها من الأدوات المعتادة في الهجوم على النساء عبر الفضاءات الإلكترونية". 

وعن الوضع الصحافي في بلدها، تقول "لا توجد حرية صحافة في البحرين، فهي في المرتبة الـ168 على مؤشر حرية الصحافة التي تعده منظمة مراسلون بلا حدود سنويا من أصل 180 دولة. هناك صوت واحد داخل البلاد، هو صوت السلطة، وليس مسموحاً لأحد أن يكون له رأي آخر. وإن حصل ذلك، فيجري تغييبه. كما أن الإذاعة والتلفزيون الموجودين داخل البلاد مملوكين للدولة وتديرهما إدارة كاملة، فمن المستحيل أن يمر خبر أو تعليق لا يتناسب مع توجهات الحكومة وإداراتها". وتشير إلى أنّ "الصحافيين والصحافيات لديهم/ن المجال للعمل من الداخل فقط إذا كانوا سيمارسون التشفير الذاتي، أو يغطون ما تريده السلطات لهم/ن أن يغطوا، أو سيواجهون الحرمان من العمل وسحب الترخيص والتهديد والاعتقال". لكنّها تؤكّد أنّ "الصحافيات في البحرين أثبتنَ وجودهنّ، وكنّ وما زلن نداً لزملائهنّ الرجال في هذه المهنة. استطعن تحقيق العديد من الإنجازات والتطور في العمل، في حدود المتوفر من حرية ومساحة للتحرك. هذا لا يعني أنهن لا يتعرضن للتآمر والتحرش خلال أدائهنّ عملهنّ. كما أنّ الكثيرات خسرنَ فرصاً للترقية أو لتغطيات مهمة لصالح رجال، لعدم إيمان الإدارات بهن وبقدراتهن الصحافية".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

من التحرش إلى السقف الزجاجي
إضافةً إلى القمع والمنع من أداء المهنة، تتعرّض الصحافيات لانتهاكاتٍ تعيقهنّ من التقدّم، وتُخصّص لهنّ لكونهنّ نساء. انتهاكاتٌ مبنية على النوع الاجتماعي، وتبدأ من التحرّش الجنسي، ولا تنتهي بـ"السقف الزجاجي" (سقف وهمي يوضع للنساء لإعاقة تقدمهنّ وترقيتهنّ بسبب كونهنّ نساء). تتحدث صحافية لبنانية تعمل في شبكة إعلاميّة عربيّة لـ"العربي الجديد" عمّا عانته، طالبةً عدم الكشف عن اسمها. 

تقول "في التحرّش هناك مستويات، داخل مساحة العمل من الزملاء ومن المديرين، أعترف أنّني شخصياً نجحت في تفادي جزء كبير منه، ولكن ذلك أتى على حساب التطوّر المهني في كثير من الأحيان، من زيادة الراتب أو الترقية في المسمى الوظيفي. لأنّ الطريق للحدّ منه في كثير من الأماكن، يكون بالانسحاب قدر الإمكان أو بالمواجهة عند الضرورة. وفي الحالتين لن تكوني محظية لدى الإدارة عند التقييم وعند الزيادات. وللأسف، هناك زميلات ذكوريات أيضاً، سواء من يسلكن طريق التماهي مع التحرّش، أو من يحاربن نجاح الأخريات باتهامهنّ بالوصول بطرق غير مهنية. أما من جهة المصادر، فأنتِ أيضاً عرضة للتحرّش. حتّى عندما تبدأ العلاقة المهنية بنوايا صافية جداً من الرجل، في أي لحظة تتحوّل لإعجاب أو لتحرّش، إلا فعلياً في الحالات النادرة والتي غالباً تكون لحالات رجال محاطين بنساء مثقفات، أو شخصيات حقوقية رصينة تعرف بوضوح الفرق بين الإعجاب والتحرّش وتميّز حدودها مع المرأة. وهؤلاء نادرون. في هذه المرحلة، عندما تختارين الصدّ، قد تخسرين المصدر والمعلومة". ترى الإعلاميّة أنّ "التحرّش أداة أساسية وعمود أساسي في السقف الزجاجي، فهو عامل أساسي في إقصائك أو في انسحابك. إذا كنتِ دقيقةً في متطلباتك في العمل توصفين بالمتشاكية والتي لا يعجبها العجب، بينما يوصف زميلك الرجل بالحريص على عمله والدقيق في التفاصيل".

تعرّضت الإعلاميّة لهجمات إلكترونيّة عديدة كان هدفها كسرها وإسكاتها. تتحدّث عن ذلك، موضحةً أنّ هناك مستويات للعنف الإلكتروني: "مستوى شخصي، كامرأة هناك من يلاحقك ويحاول اختراق حساباتك أو فتح حسابات باسمك للتشهير بكِ. وهناك أيضاً الهجمات الموسّعة، والتي تتعرّض لكِ كامرأة، وتهاجم جميع النساء، وهو ما لا يتعرّض الزملاء الرجال لربعه". وتشير إلى الترهيب الكبير الذي تعرّضت له، فقد تمّ تهديدها بالاغتصاب والسحل في شوارع بيروت، لافتةً إلى أنّ "تويتر" نفسه لا يلتفت للشكاوى التي تقدّمها، رغم تكرارها، إلا حين توعّدت بشكوى قضائيّة لتعريضها للأذى. "حياتي اليومية عبارة عن حروب صغيرة تستنزفني"، تقول الإعلاميّة، موضحةً أنّ هناك ذكوريةً تطبع بيئة العمل الصحافي، فتصف الصحافيات بأنّهنّ ذات "طباعٍ صعبة" فيما تهنّئ الرجل. تضيف "لا أعرف زميلةً لا تفكّر بترك المهنة. فداخل المؤسسة تجدين من يوجّه لك الملاحظات المبنية على كونك امرأة، وفي العمل الميداني أنتِ في معركةٍ مع المجهول. تهددين بالاغتصاب، وتُرهبين. هناك الكثير من القضايا التي أحبّ أن أعمل عليها، أو الدول التي أودّ إنجاز تغطياتٍ فيها، لكنّي لا أستطيع ضمانة سلامتي، كوني صحافية امرأة". 

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

غياب السياسات والأمان

لا تختلف المشاكل التي تواجهها الصحافيات عن تلك التي يواجهها الصحافيون بشكل عام، حسبما ترى مديرة التواصل لبرنامج "النساء في الأخبار" في "المنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء" (وان إيفرا)، ميرا عبدالله، في حديث لـ"العربي الجديد". ترى عبدالله أنّ هامش الحريات يضيق أكثر كلّ عام، ويأتي مع ارتفاع نسبة احتجاز الصحافيين أو الاستدعاءات التي تحصل بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما ارتفع خلال الجائحة التي نعيشها، بسبب فرض قوانين ضدّ الأخبار الكاذبة لكنّها قوّضت حرية الصحافيين، حتى أنّ حرية التنقل تمّ تحديديها للصحافيين. لكن بالنسبة للصحافيات، فهنّ يواجهن تحديات أكبر، بحسب عبدالله، التي توضح أنّ محاولة إسكات الصحافيات تستهدف سمعتهنّ وأجسادهنّ، وهي آليّة تستهدف كونهنّ نساء وليس كونهنّ مهنيات، إذ لا يتم انتقاد عملهنّ أو آرائهنّ بل يتم انتهاك أجسادهنّ. 

في دراسة أخيرة أجراها برنامج "النساء في الأخبار"، تبيّن أنّ واحداً من كلّ خمس مصادر إعلاميّة من النساء، ما يقلّل مستوى الأمان، إذ إنّه لا توجد كمية كافية من المطالبات بالأمان داخل المؤسسات الإعلامية، أو سياسات تحمي من التحرش، أو سياسات جندرية. كما أنّ المؤسسات العربيّة التي تملك سياسة تمنع التحرش الجنسي داخلها أو حتى سياسة مساواة جندرية تضمن فرص تقدّم النساء بالتساوي مع الرجال، قليلة جداً. تعتبر عبدالله أنّ هناك ضغوطاً كبيرة تعيشها الصحافيات داخل المؤسسات الإعلاميّة ما تردّه إلى انعدام المساواة داخلها. وتشير إلى "أعراف" داخل المؤسسات الإعلاميّة تعيق تقدّم الصحافيات، وبينها اتخاذ القرار عنهنّ، ما يتضمّن عدم السماح لهنّ بالتغطية في بعض الحالات بحجّة "الخطر عليهنّ"، كما في ساحات الحروب، بغض النظر عن استعداد الصحافية للتغطية أم لا. وفي حال إنجاب الصحافية، يتم تصنيفها كـ"مقصّرة" في عملها بسبب أمومتها وأولوية عائلتها. وتضيف "داخل المؤسسات الإعلامية ليس هناك أي مساواة بين النساء والرجال".

تضيف "أما في الفضاء الإلكتروني، فهناك هجمات على الصحافيات تتضمن التنمر والتحرش ومحاولات الإسكات، وهي كلّها بين أشكال القمع والتمييز التي تواجهها الصحافيات، وكلّها تهدف إلى الترهيب وتشويه السمعة".

إضافةً إلى ذلك، لا تزال الصحافيات تواجهنَ السقف الزجاجي، بحسب ميرا، التي تتساءل "كم امرأة في المنطقة ترأس تحرير مؤسستها الإعلامية؟ ربّما هناك صحافيات نساء يرأسنَ أقساماً في مؤسساتهنّ، ولكن ليس هناك قدرة للصحافيات لتخطّي حواجز موضوعة لتعيق تطورّهنّ. وتضيف "كلّما كان هناك أعداداً أكبر للنساء في المراكز القيادية كلّما تغيّرت القوانين داخل المؤسسة الصحافية، كما النظرة للمرأة داخل هذه المؤسسة، حتى الخبر يتغيّر، وتحريره يتغيّر، كما تتغيّر الصور المستخدمة مع الخبر". وترى أنّ المطلوب هو أن يكون هناك مساواة في المؤسسة بين الرجال والنساء، كما في المساحات والرواتب، بالإضافة إلى منح الصحافيات والصحافيين على حد سواء الحماية في حال التغطية الخطرة. 

المساهمون