أيّ حريّة للصحافيّات العربيّات؟ (1\2)

أيّ حريّة للصحافيّات العربيّات؟ (1\2)

03 مايو 2021
في بيئات قمعية، تتعرض الصحافيات لانتهاكات أوسع (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يأتي اليوم العالمي لحريّة الصحافة كل عام، ليكون صرخة تذكّر بما يجب أن يكون بديهيّات: يجب أن يُعطى الصحافيون هامشاً واسعاً من الحريّة، أن يستطيعوا الوصول إلى المعلومة، ألّا تُحتجز حريّاتهم بسبب آرائهم والقضايا التي يعملون عليها، ألا يكونوا عرضةً لتعسّف مؤسساتهم، أن يُسمح لهم بإيصال صوت الناس، وبإيصال المعلومات المهمّة في عالمٍ يعجّ بالتزييف. لكنّ ما كان يعتبر مكتسبات خلال الأعوام الماضية، بات هذا العام مجرد أحلام مستحيلة، فيما أصبح عمل الصحافيين اليومي بمثابة جحيم. إذ تظهر إحصائيات منظمة "مراسلون بلا حدود" الصادرة الشهر الماضي، أنّ حريّة الصحافة شهدت تدهوراً خطيراً على مستوى العالم، بسبب استغلال الأنظمة والحكومات لجائحة كوفيد-19 كي تضيّق على عمل الصحافيين، عدا عن أزمة الثقة مع الجمهور. 

هذا العام، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) التي تتخذ من باريس مقراً لها فوز الصحافية الاستقصائية، الفيليبينية ماريا ريسا، بالجائزة العالمية لحرية الصحافة يونسكو/غييرمو كان لعام 2021. ريسا (57 عاماً) هي مديرة الموقع الإعلامي الإلكتروني "رابلر"، وواجهت في السنوات الأخيرة العديد من المشاكل القضائية والتهديدات والمضايقات عبر الإنترنت. في العالم العربي، تواجه صحافيات أيضاً ما واجهته ريسا. حياتهنّ معارك بين اضطهادهنّ كنساء، واضطهادهنّ كصحافيات. ففي ظلّ أنظمةٍ ذكوريّة تقمع التعبير والصحافة وحريّتهما عموماً، كيف يكون واقع الصحافيات النساء خصوصاً؟ ما هو هامش الحريّة بالنسبة إليهنّ؟ ماذا عمّا يواجهنه يومياً، من الفضاءين الخاصّ والعام إلى الفضاء الإعلامي؟ كيف ينعكس ذلك على عملهنّ، ومن أين يجدنَ الطاقة للاستمرار؟ عن تلك الأسئلة، تُجيب لـ"العربي الجديد" صحافيّات عربيّات ملهمات، تعرّضن لأكثر من شكلٍ من أشكال التمييز والقمع، وما زلن مستمرّات في نضالٍ يوميّ من أجل القيام بمهنتهنّ، أو حتى عيش حياتهنّ.

كانت تونس بين الدول التي تراجع تصنيفها على مرصد حرية الصحافة، وشهدت خلال العام الماضي، وحتى هذا العام، جدلاً كبيراً حول حريات الصحافة وأوضاع الصحافيين. تتحدث الصحافية الاستقصائية خولة بن كريم، رئيسة تحرير موقع "كشف ميديا" لـ"العربي الجديد" عن بيئة عملها، كصحافية وكامرأة، والانتهاكات التي تشوب القطاع عموماً، وتتعرض لها الصحافيات خصوصاً. تقول: "من خلال عملي تعرّضت للعديد من التضييقات، خصوصاً في عام 2021 الحالي. فمع تغطية الاحتجاجات الاجتماعية، كانت هناك حملة إلكترونية شرسة ضدّي، خاصة لمواقفي ضد الحكومة وحركة النهضة، واتُّهِمت بأنّي يسارية مخرّبة، وبأنني أسعى إلى خراب البلد أو أشجّع على الفوضى... تعرّضت للعنف اللفظي، فيما تعرّضت زميلاتي للتحرش، كذلك نُعتنا بإعلام العار والإعلام العميل والخائن. في التظاهرة، كان التحرّش مقصوداً ضدّ زميلاتي، لمحاولة كسر رغبتهنّ في أن يكنّ مهنيات". وتضيف: "كان عام 2021 مليئاً بالتضييق. بخلاف الحملة الإلكترونية بسبب المواقف السياسية والانحياز إلى قضايا الشعب، كان هناك أيضاً "عنف سياسي"، إذ كانت هناك أطراف تريد أن تبعدني عن أي نشاط له علاقة بحرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير وحقوق الصحافيين الاقتصادية والاجتماعية، لأنني دائماً أنقل الواقع. وكان هناك أيضاً نوع من التسلط الذكوري، كذلك كانت هناك زميلات يشاركنَ في هذه الحملة لمحاولة إبعادي عن المشاركة في الحياة الصحافية عامةً". وترى أنّ الصحافيات عندما ينجحن من دون الاضطرار إلى تقديم خدمات أو تقديم فروض الطاعة، يتعرّضن للهجوم، حتى من أبناء المهنة والزملاء. 

الهجمات الإلكترونيّة على النساء هي الأشرس وتحاول كسرهنّ

تصنّف تونس كأكثر الدول العربية حريّةً في ما يخص الصحافة، فيما ترى بن كريم أنّ هذا قد يكون شكلاً، لكن مضموناً هناك الكثير من التحديات. وتضيف أن "الاستمرار ضربٌ من ضروب المقاومة. أقاوم بسبب حبّي للمهنة وحبّي للوطن وإحساسي بالمسؤولية تجاهه. فقد اخترت الصحافة وأنا على وعي شديد بأنّها مهنة المتاعب. كنت أتوقع أن تكون المتاعب مع المصادر وفي الوصول إلى الرأي العام أو حول كشف الفاسدين، وهذه متاعب موجودة، لكن هناك متاعب أكبر تحصل بسبب المواقف. البعض يحبّذ السكوت، وعدم ممارسة الصحافة، أو مواجهة الظالم والمتحرش والفاسد. كل قضية تعترضني لا أتوانى في أن أعبّر عن أي موقف أياً كان، وخصوصاً في قضايا الحريات والحقوق والانتهاكات من أي نوع. لكن يبهرني الصمت المحتشم لكثيرين، فالمواقف لها ثمن، وليس كلّ من يقول إنّه حرّ، حرّاً. مقاومتي لكل ذلك أستمدها من صدقي وضميري ورضاي عن نفسي، فليس هناك مقابل في الدفاع عن الحقوق والعدالة الاجتماعية والاستقلالية السياسية، فضلاً عن أنّي لا أخوض اتهامات دون أدلة. استقلاليتي الفكرية تسمح لي بخوض كلّ تحقيقاتي، وتجعلني حرّة وأواصل العمل، بالإضافة إلى الدعم والاحترام والثقة الذي أتلقاه من القراء والمتابعين، وهو يجعلني في كلّ مرة أواصل مبتسمةً، على الرغم من التضييقات. هم بالنسبة إليّ رأس المال، والكلمة الحرّة أقوى سلاح للإصلاح".

أثّرت الجائحة بعمل الصحافيين، فقد استغلتها الأنظمة حول العالم للتضييق. في تونس، تقول خولة: "انتشار الجائحة أثر كثيراً بعملي. "فالحكومات بدل أن تحارب الفيروس، حاربت الشعوب"، كما قالت "منظمة العفو الدولية". في تونس، حاربت الحكومة الصحافيين، حيث ضُيِّق على عملهم عبر عرقلة حركة التنقل أو الحصول على معلومات. كذلك كان هناك تضييق على الصحافيين الذين يبدون آراءهم. هناك بيادق إلكترونية تهاجم الصحافيين الذين يعبّرون عن رأيهم في الحكومة. في حقيقة الأمر، الجائحة عمّقت من أزمة حرية الصحافة، والأطراف الحاكمة والأحزاب وأعضاء في البرلمان شنّوا خطاب كراهية عميقاً على الصحافة والصحافيين وحريتهم، وهذا كان أحد أكبر أسباب تراجع تصنيف تونس على مرصد حرية الصحافة العالمي". تشير خولة إلى التحديات المتعلّقة بالصحافيات النساء، فهنّ "يعاملنَ كوعاء جنسي أو يُتحرَّش بهنّ من قبل مسؤولين". وتضيف أنه "يجري البحث عن كيفية وخز الصحافيات في سمعتهنّ، حتى في الحملات الإلكترونيّة ضدّهن، بالإضافة إلى التنمّر. وحين تتحدث الصحافيات عن التحرش بهنّ، يُنفى ذلك بالإشارة إلى شكلهنّ بمعايير جمال يضعها هؤلاء. التحدي كبير، فدائماً ما يُنظر إلى النساء باستخفاف وعلى أنهنّ كائنات ضعيفة، وأنهنّ تابعات، حتى داخل القطاع الصحافي، من قبل المديرين في العمل، أو من قبل نقابيين وناشطين في المجتمع المدني، ومن المصادر أيضاً".

زُجَّت صحافيات عربيات في السجون بسبب عملهنّ الصحافي

في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، سُجنت الصحافية المصرية بسمة مصطفى بسبب عملها على قصّة صحافيّة. مصطفى كانت بين صحافيات وصحافيين قلائل يعملون في بيئة خطرة كمصر، التي تعدّ واحدةً من أكبر سجون الصحافيين في المنطقة والعالم، وفق إحصائيات منظمة "مراسلون بلا حدود". تروي مصطفى لـ"العربي الجديد" تفاصيل ما حدث معها، ومشوارها في المهنة، فتشير إلى أنّ "العمل الصحافي في مصر كان يأخذ منحنيات خطيرة في السنوات الماضية، وهو ما كان مخططاً له عبر تأميم المؤسسات الإعلامية الخاصة، حين وضعت الأجهزة الأمنية يدها على المؤسسات الإعلامية بعد شرائها. ومن ناحية ثانية، كان هناك الحجب الذي يطاول المواقع المستقلة، إذ هناك في مصر أكثر من 500 موقع محجوب. أما الجزء الثالث، فهو اعتقال الصحافيين وحبسهم لمجرّد أنهم يقومون بدورهم وعملهم الصحافي. هناك العشرات من الصحافيين في السجون بتهمٍ جاهزة ومعدّة مسبقاً، كنشر أخبار كاذبة والانتماء إلى جماعة إرهابية". وتضيف: "الصحافيون في مصر يقضون فتراتٍ طويلة في السجون، كالزميلة إسراء عبد الفتاح المسجونة من أكتوبر 2019، وجرى التعدي بالضرب عليها وتعذيبها من دون التحقيق في أقوالها، كذلك يجري تدويرها في قضايا أخرى. وهناك أيضاً قضية الزميلة الصحافية سولافة مجدي وزوجها المصور حسام الصياد اللذان أخلي سبيلهما في رمضان الحالي بعد عامٍ ونصف من الاعتقال". 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

تؤكّد بسمة أنّها منحازة إلى مهنتها بشكل واضح: "قبل عملي صحافيةً، مع اندلاع الثورة، قررت أني سأنحاز إلى الصحافة والمهنة والإنسانية والحقيقة والناس. أنا مؤمنة بالمردود المعنوي للصحافة على الضحايا والظلومين، فهي صوتهم وتنقل معاناتهم". وتضيف: "كنتُ مدركةً لإمكانية القبض عليّ، وذلك ما حصل ثلاث مرّات: في إبريل/ نيسان 2016 حين كنت أغطي تظاهرات تتعلق بتيران وصنافير، إثر تسليم الجزيرة للسعودية، ثم في مارس/ آذار 2020 بأثناء تغطية متعلقة بكورونا، والأخيرة كانت في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بأثناء تحقيق ميداني عن مقتل عويس الراوي". تضيف مصطفى أنّه كانت لديها المعلومات الخاصة بقضية عويس الراوي، وأنّها كانت تعمل عليها مع مصادر من قرية الشاب وثلاثة مصادر داخل الأجهزة الأمنية، التي كانت ردود أفعالها غاضبة جداً وفيها تهديد لمجرّد الحديث عبر الهاتف عن مقتل عويس الراوي. تقول: "أتذكّر أني كنت أشعر بأنه سيُلقى القبض عليّ، وكنت متوتّرة لمجرد إجراء مكالمات مع قيادات في أجهزة أمنية حتى أضيف تعليقاتهم على المعلومات التي لديّ عن القصة. لكن في مصر يمكن أن يُلقى القبض علينا في البيوت، لمجرد أننا صحافيون، وإجراءات السلامة المهنية باتت غير مجدية. في النهاية، قررت أن أسافر لمقابلة والد عويس الراوي لأنه الشاهد الوحيد في الواقعة، ولم أستطع الوصول إليه عبر الهاتف".

تروي مصطفى رعب لحظة القبض عليها: "ما حصل كان أكبر من توقعاتي حتى، فلم يُلقَ القبض عليّ بعد انتهائي من عملي أو مقابلة الأسرة. كان الأمن ينتظرني في محطة الأوتوبيس. فحين كنتُ في الحافلة، كان هناك ضابطان جالسان في الكرسي خلفي في طريقي للأقصر، عرّفا عن نفسيهما لحاجز أمن في طريقنا، وطلبا أن تمشي الحافلة بشكلٍ عاجل. أحسستُ حينها بالخطر، لكني حاولت تهدئة نفسي. عندما وصلنا، طلب أحد الضباط مني بطاقتي، ثم تركني أغادر. أرسلتُ لزملائي خبراً بما يحصل. ثم نظرتُ إلى خلفي، فوجدتُ مجموعة رجال أمنٍ بزيّ مدني. أيقنتُ حينها ما يحصل. مشوا خلفي إلى سوبرماركت قريب. حاولت أن أرسل مكاني عبر هاتفي لأني كنت أعرف أني يمكن أن أتعرض لاختفاء قسري، لكنّهم انقضّوا عليّ لحظتها. عشرة رجال طلبوا مني ترك هاتفي. حاولت أن أستمر في عملي عليه، لكنهم ركلوني في ظهري باتجاه الأرض، سحبوا الهاتف ووضعوني في سيارة معصوبة العينين، وساروا بسرعة". تضيف: "حين وصلت إلى مقرّ الأمن الوطني، ضُربتُ وسُحبتُ من شعري كي أمنحهم كلمة سرّ هاتفي. اختفيتُ لمدة 24 ساعة، كنت معصوبة العينين، بلا طعام ولا شراب. حُقِّق معي 4 مرات في 4 جلسات منفصلة. كانت التحقيقات كلّها عن عملي الصحافي، وبعض التحقيقات التي عملتُ عليها سابقاً، كملف المصريين الخمسة الذين قتلتهم الدولة، وقالت إنّهم العصابة التي قتلت (الإيطالي) جوليو ريجيني، وقضية الفيرمونت وغيرها. قيل لي حينها إني متّهمة بالتحريض على الدولة. قال لي المحقق جملةً لن أنساها أبداً: نحن نتعامل مع إرهابيين ماسكين سلاح أهون من التعامل مع صحافيين ماسكين قلم. 

كانت بسمة قلقةً على نفسها، لكن على طفلتيها أكثر. لم يُسمح لها بالتواصل معهما. بعدها، رُحِّلَت من الأقصر إلى نيابة أمن الدولة في القاهرة للتحقيق. كانت وحيدةً في "عربية الترحيلات" التي تشبه صندوق حديد ليس فيها متنفس، مع 7 من قوات الأمن، قبل أن يسمح لها باستخدام الحمام وأن تأكل. حين وصلت إلى النيابة، وجدت نفسها ضمن "طوابير من الشباب" المكبّلين، وهي التي كانت سابقاً تعمل على ملفّ المعتقلين. ثم أُدخِلَت إلى جلسة تحقيق غير رسمية مدتها 5 ساعات، لم يحضرها أي محامٍ، ثم سمح بدخول محامين عند بداية التحقيق الرسمي. تشرح قائلةً: "في البداية، كنت أقول لوكيل النيابة إنّ هذا تحقيق غير مستقلّ، وإني أعرف القرار قبل بداية التحقيق: حبس 15 يوماً، على أن يجري تخزيني عندهم سنتين، كبقية زملائي، وكنت أطلب منه الاستعجال لأني مرهقة. انتهى التحقيق وجاء الحكم بحبسي 15 يوماً. رُحّلت إلى سجن القناطر، ودخلت دون أي إجراءات طبية تتعلق بوضع الوباء في مصر. تعرّضتُ لتفتيش ذاتي مهين، ثم مُنحتُ "جلابية سجن" قذرة، وأُدخِلتُ إلى العنبر، حيث كانت الصدمة: غرفة فيها ما لا يقل عن 80 سجينة. بقيتُ واقفةً وفيَّ صدمة، كنتُ في عنبر الإيراد. عندما دخلت الشمس من الشباك واستيقظت السجينات، تلك كانت لحظة الانهيار بالنسبة إليّ: هذا كلّه حقيقي. أنا في السجن. أرى الشمس من خلف حيطان زنزانة، ولا أستطيع أن ألمسها. كان الأكل سيئاً، كما المياه، وكانت السجينات يحاولنَ التخفيف عنّي حالة الصدمة. في آخر اليوم، طُلبتُ للنيابة لاستكمال التحقيق. قال لي النائب العام إنّه تقرّر إخلاء سبيلي. بدّلت ملابسي ونزلت إلى الشارع. نزل أفراد الأمن لاحقاً قائلين إن القرار تغيّر، وإنّ عليّ العودة. بعدها بساعتين، دخلتُ غرفة التحقيق. كان هناك وكيل نيابةٍ جديد، قال: "هوّ انت فاكرة بجد إنك ممكن تروّحي من نيابة أمن الدولة؟ اللي بييجي هنا مابيخرجش. انت إخلاء سبيل زيّ مانتِ، يعني هتلفّي اللفة العادية" (دخول السجن ثم الترحيل إلى قسم الشرطة التابع لمحل سكنها ثم إخلاء السبيل). رُحِّلتُ إلى السجن بالفعل. في اليوم الثاني، نقلوني إلى عنبر أفضل، رغم أني لم أفهم لماذا حصل ذلك ما دام قد تقرّر إخلاء سبيلي. اعتقدتُ حينها أني سأبقى في السجن. هناك، قابلتُ زميلتي إسراء عبد الفتاح. صرخت عندما رأتني و"لطمت". عرفتُ أنّها تتريّض وحدها، وأنها تُرحَّل وحدها، وأنّهم كانوا يستخدمون ذلك كنوع من الضغط النفسي عليها. لاحقاً، رُحِّلتُ إلى القسم، حيث كان واضحاً أنّ هناك جهة تريد خروجي بأسرع وقت، وجهة ثانية تريد أن تعطّل إجراءات إخلاء سبيلي بأي شكل. أرجعوني إلى الزنزانة، وقالوا إنّ عليّ حكماً بالسجن 3 سنوات. جعلوني أبدّل ملابسي مرّة أخرى لأرتدي "جلابية السجن". بعد ساعات، قالوا إنّهم سيستكملون إجراءات إخلاء سبيلي، لكن هناك من يريد التحدّث معي. وصل ضابط من الأمن الوطني، وسألني أسئلةً عما سأفعله عند المغادرة، وطلب عنواني، قائلاً إني لن أخرج إن لم يحصلوا على عناويني. لم يسمحوا لي بالخروج إلى حين ذهاب قوّة من القسم إلى العنوان الذي قدّمته لهم كي يتأكدوا أني أسكن هناك بالفعل. قابلوا أمي وصاحب الشقة أيضاً، ثم سمحوا لي بالخروج".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

تؤكد بسمة أنّها لم تكن تنوي السفر مطلقاً، لكنّ رجال الأمن ذهبوا إلى منزلها مرّتين في 10 أيام، في رسالةٍ تفيد بأنّها خرجت من السجن، لكنّها دائماً تحت المراقبة. "حينها قررتُ السفر، كي تستطيع طفلتاي أن تعيشا حياة مستقرة وهادئة. لولاهما، أعتقد أنّي كنت بقيت في مصر. فليس لهما أيّ ذنب في أنّ أمهما صحافية ووالدهما محامٍ حقوقي في أوضاع كهذه، يمكن أحدنا أن يختفي لسنواتٍ فجأةً". تشير مصطفى إلى الضريبة الكبيرة التي دفعتها بخلاف السجن واحتجاز حريّتها، فهي اضطرّت إلى مغادرة بلدها، "وبُتر جزء كبير مني ومن هويتي وتكويني بشكل مفاجئ ودون أدنى استعداد. ما زلتُ غير قادرةٍ على استيعاب أني لستُ في مصر". وتضيف: "لا أكره بلدي، بل على العكس. أنا أحبّ مصر جداً. غادرتُها لأني أحبها، ولأنّ البيئة هناك باتت مؤذية جداً، لكنّني يوماً ما سأعود". لكنّ سفرها لم يكن بهذه السهولة، ففي المطار، أُوقِفَت الأسرة بحجة أنها تحتاج إذن الأمن الوطني للمغادرة. ضابط الجوازات أرسل نسخاً عن جوازاتهم لجهة ما، وكان يتأكد عبر الهاتف من وصولها. ثمّ حضر ضابط آخر للتأكد من الجوازات. بعد وقتٍ، وصل إلى رجال الأمن اتّصال، وسُمح لهم بالمغادرة.

ماذا بعد كلّ ذلك؟ تشدد بسمة على أنّ أسوأ ضغط تتعرض له حالياً هو أنها تعيش خارج بلدها. تقول: "الأحلام والكوابيس المتعلقة بمحاولات العودة صعبة". وتضيف: "مصر ليست بلداً ولدتُ فيه فحسب. هي ما أنتمي إليه. ارتبطتُ بفكرة الوطن مع الثورة، وكنتُ أحلم بأن يكون أحسن. مصر هي البلد الذي عرفتُ فيه من تكون بسمة، وما هي شخصيتها وأحلامها".

المساهمون